(3) |
كان ((جان فالجان)) -بائس البؤساء، وكريم الكرماء- بطل رواية ((فيكتور هيجو)) الشهيرة.. يمشي حافي القدمين في طريق طويل، بعد أن عانى أحقر تعبير من الناس ضد أنفسهم.. وبعد أن عاصر زمن الإنسان الذي نبذ نفسه! |
وكان يشير إلى الآخرين، قائلاً لهم: |
- تباً لكم أيها المنبوذون! |
كان يحس أنه مطارد.. يقول الناس عنه: هذا مجرم! |
وكان ينقب عن موقعه في المجتمع.. فيكتشف أن الذبابة تحظى بالتفاتة من الناس أكثر منه! |
فكر ((فالجان)) أنه إنسان.. رغم النبذ الاجتماعي! |
وشعر أن نضاله من أجل إنسانيته هو حبه ((للانتماء)) إلى الخير، والحق.. فالشر يصنعه إطار الحياة للإنسان.. أما الخير، فهو الصورة الأصيلة من داخل الإطار! |
إن هذا ((الانتماء))، والحب، والإصرار.. كثف مطاردة الاتهام له.. وكان الضوء عليه حارقاً، لا نوراً! |
وحينما اعتادته أفكار حب الناس والحياة.. راح يقهقه في قمة معاناته، وآلامه.. فالذي يحاول قتلك بالكراهية، وبالظلم، حاول أن تذيبه، وتبدده بالحب! |
وهناك من لا يحتمل الخير الكثير.. ترهقه جداً عظمة الحب!!.. وبذلك.. صار ((فالجان)) طريد الكراهية.. لكنه كان حدقة مغرورقة بالدمع دائماً والدموع تغسل النفوس، وتطهرها من الكراهية! |
وكان ((ستيفانس)) -أيضاً- ضحية، ويحاول أن يقهقه! |
- ((ستيفانس))، بطل رواية ((الجحيم)) للكاتب الأمريكي ((جان كرواك)).. هو ضحية وفاء في التعامل السيىء من البشر.. وفاء اسمه: الإخلاص! |
والبعض من الناس.. ينزع إلى لعبة التناسي، ويجيد القفز فوق الذكرى، ومراحل العمر. |
- ((ستيفانس)) أحب أنثى، كان اسمها ((لورا)).. ألقت في أعماق نفسه الهادئة والنقية كل حصاها، ورملها، ورياحها.. حتى اعتقد بعد ذلك أن كل النساء ((لورا)) بحصاها، ورملها، وأعاصيرها.. وبرقتها، وتلاشيه فيها! |
وفقد ((ستيفانس)) أشياء مهمة من صفاته، وإرادته، وصفائه.. وبقي يقهقه، أو يحاول أن يقهقه.. ليتأكد أنه ما زال يحيا!! |
* * * |
أخذته الغربة بعيداً عن وطنه.. |
وهناك.. سمع لدموعه صوتاً، وأحس بزفراته كأنها تتقطر حنيناً حول ضلوعه! |
وهناك.. شاهد الجنون كله، وحاول أن يقهقه!!.. شعر بالحنين إلى ((الحارة)) وإلى لحظة الصفاء التي كانت تغسله.. كلما جلس أمام البحر، يتذكر، ويتعاطف مع حصيلة نفسه! |
حاول أن يقهقه طوال سنوات الغربة: يعتسف القهقهة، وتذبحه! |
وعاد إلى وطنه متلهفاً!.. لم يتمالك نفسه، وهو يطل من نافذة الطائرة.. فبكى بدموع الفرح، وقال: |
- ((الدموع الآن، أشهى وأكثر مسرة وفرحاً من تلك القهقهات!)). |
وعندما توقف على تراب بلده، سجد لله، ولثم الأرض!. كانت الصورة في الرؤى.. هي الاستقطاب الكامل للحياة.. لمعنى الضحكة الذي يتفوق بكثير على تلك القهقهات! وربما كانت ((الصورة)) مجسدة في لحظة كبيرة وشاملة بلحظة فراق، أو بلحظة لقاء وعودة!.. ولن تكون هذه الصورة تعبيراً عن المبالغة في الحب. |
إن ((الحب)) هو أبلغ ما في أعماق الإنسان، وأصدقه!.. المراتع، والطفولة، والدمعة، والابتسامة.. والناس حين يصبحون إطاراً يحفظ صورة الإنسان من البلى! |
بدون هذا الحب.. يتحول الإنسان إلى ورقة خريف جافة! وبدون هذا الحب.. لا يحس الإنسان مذاقاً للحياة، ولا فرحاً بالعمر، ولا انتظاراً للغد.. حتى ولو دخل مسابقة للقهقهة، وكسب!! |
إن الحياة ليست هي العمر.. بل هي الأرض، والجهد والفكرة، والعاطفة! إن العمر.. يطول بكل هذا الحب، حتى لو كان العمر قصيراً!!، إن القادرين.. هم الذين يأخذون من نفوسهم اللحظات الناطقة بأصدق المشاعر.. ويأخذون وقفة عهد، وهمسة صدق، وموقف وفاء بالعهد! إنهم أولئك الذين يمنعون اغتيال الحياة في صدورهم!! |
|