شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(2)
إنني أدجن عاطفتي لئلا تجمح.
إنني أعاني من إدراكي ووعيي، وأتكسر فوق أرصفة الأسئلة العميقة التي لا تلد الإجابات المنتظرة!
إنني جيل يختبئ في غبار الحروب، ويحترق بلهب القوى العالمية التي تصنع تلك الحروب!
إنني شاعر، وسمسار.. أُنادي على حقوقي الإنسانية من داخل محتواي الوجداني، وأتهدم!!
لقد بات العشق فجائية التصور!!
إن الأنثى التي تعشقها.. إما متشائمة منك، أو متفائلة بنفسها!
إن الحدث الذي تنتظره.. إما عن وعي متصادم، أو شجن مكثف!
وأنت لا تعشق لتروي محتواك الوجداني، وإنما لتغرقه!
إنني أنبجس، وأنهمر.. وتشربني نفسي!!
* * *
إني أستأذن حينما أتأهب.. فأطرح -في البداية- هذا السؤال:
- هل أدخل هذه الساحة، أم أستمر خارجها مسمراً.. ثلجياً، أحاور الأصداء وأنكفئ؟!
في البداية -أيضاً- يراودني سؤال آخر أطرحه هنا:
هل أصبح إدراك الإنسان للمفاهيم، وللفكر، وللفن، وللارتقاء الحسي والذوقي.. إدراك منكفىء، مصدوم بالمتغيرات المسلطة على رؤية الإنسان ووعيه وشجونه؟!
ما هو الفارق بين داخل الساحة، وخارجها؟!
إنني أتلفت في كل الجهات.. إنساناً منتمياً إلى هذا العصر بمشكلاته، وبمتناقضاته، وبقشوره، وبأنانيته، وبضحكاته.
اليوم يبدو الإنسان محكوماً بالتلفت.. لأنه مرهون بالأصوات المفاجئة، ومنساق بعد ذلك وراء الفجائية ذاتها!!
سأُجيب على السؤال الأول.. بأن آذن لنفسي بالدخول إلى هذه الساحة!
وسأُجيب على سؤال -أفترضه منبثقاً منكم- عن المقصود بالساحة، وأقول:
إن كل قيمة تهمنا، هي ساحة يتبارز وسطها نقيضان متوالدان من احتياجاتنا، ومن مفاهيمنا.
وكل رغبة تتبلور في داخلنا.. هي ساحة ستخلو بعد قليل من اهتماماتنا بقتلنا لتلك الرغبة، أو قتلها لنا!
وكل هدف يتضح من طموحنا، هو ساحة.. نحن في الغالب لا نملك حدودها، ولكننا نركض في فراغها حتى الإغماء، وحتى الموت!
نحن رهائن ((ساحة)) ننزف فوقها أعمارنا، ونقطر أشجاننا، ونتباغض، ونتحاب، ونحارب، ونموت، ونُقتل، وننتصر، ونضيع.. ولكل ثمن، وأود هذه الصراعات، وهذه الأهداف، وهذه الرغائب، أن تكون لها جميعاً: قيم، ومضامين لحياة كريمة، ومفاهيم لتشييد مجتمع راقٍ وحضاري!!
وأُجيب على السؤال الآخر، فأقول:
- حينما ينكفئ الإدراك، يصبح الحظ أعمى!!
وهذا قول أشتقه من الترسبات الموروثة من أجيال ماضية.. رغم قناعتي التامة أن الجهد لا يخضع للحظ.. وأن الاجتهاد لا يسمى خطأ.. وإنما هو متأرجح ما بين الخطأ والصواب.
فالإنسان -إذن- إما مخطئ، وإما مصيب.. ولكنه لن يكون محظوظاً، أو سيئ الحظ!
بعد ذلك.. لا يمكن أن نسلم وعينا لانكفاء الإدراك.. فرغم أن العالم يضم أمماً قطعت شوطاً باهراً وبعيداً على درب الحضارة.. لكنها ضعيفة أمام متغيراتها المتصادمة، ومضطربة بفعل انكفاء إدراكها لمصالح الإنسان المشتركة.. لأنها تنحصر في مصالحها الخاصة!
لهذه الأسباب تتقوض حضارات، وتتفجر حضارات!
وكما قال ((شبنجلر)):
- ((إن الإنسان المليء بالشجون.. لا بد أن يعرف أن ما يمتلئ به ليست شجونه، وإنما هي شجون غيره التي يعاني منها!!
فأنت تبكي إذا فقدت شيئاً يخصك.. ولكنك تبكي أكثر إذا فقدت إنساناً تغليه، أو إذا هجرك من تحبه، ولا تبكي إذا هجرت من يحبك!!
وأنت تتنازل لغيرك عن أشياء كثيرة.. ولكنك لن تتنازل من أجل نفسك عن أشياء تضرك، لأنك تزاحم بها الآخرين.. فالآخرين هم شجونك، ودموعك، وابتسامتك.
والشاعر يفعل ذلك أيضاً بدون أن يدري.. فالخنساء تنازلت عن شبابها وأنوثتها من أجل أخيها ((صخر))، أو بسبب حزنها عليه.. ولكنها لم تتنازل عن حزنها ولوعتها على ((صخر)) من أجل أنوثتها وشبابها!!
وهذه النظرة قد تبدو متأرجحة إذا انطلق جدل لمناقشتها، وإذا تركز الجدل حول رفض التنازل عن أشيائنا الجميلة، أو الخاصة بنا.. باعتبار أن الإنسان -في الغالب- أناني!
لكن أنانية الإنسان ليست من أجله، بل هي من أجل ما يريد.. وهو يريد لنفسه، ولكن الذي يريده لنفسه يعطيه كل نفسه، أو أغلى ما عنده!!
العواطف لم تعد وجداناً:
هنا.. أقترب من النقطة الأخرى التي تأملت جوانبها.. ولا بد أن تكون مرتبطة بما طرحته من شواهد، أو من حوار!
هذه النقطة هي مخاض لانطباع تشكّل في محتوى الجيل الذي يشهد لنا وعلينا!!
وهي رؤية محتدة، لحصيلة عاطفة إنسانية تضيع في غبار قبح الرغائب واحتياجاتها.
وهي معاناة ذات حين.. تقتل القاتل والقتيل، ويبقى داخل الساحة لا أكثر من أنقاض حضارية، وتهدمات نفسية كانت ((مرحلة)) في حياة الأجيال السابقة، وأصبحت معاناة للجيل المعاصر!!
وسأستلهم دليلي من عاطفة الإنسان، ومن وسائل التعبير عن هذه العاطفة، وأسأل:
- ((ما الذي تبقى من عاطفة الإنسان؟!!)).
- الجواب: ((عندما أراد الكاتب الأمريكي ((همنجواي)) أن ينتحر، لم يقل للعالم انتحرت لهذا السبب. ولكنه قتل نفسه في صمت، وترك الضجيج لمن تحلقوا حول جثته)).
ولكنه قبل أن يموت.. كان يكتب رواية لم تكتمل، وتركها عند سطور قال فيها: ((إذا كان ما تبقى من الحياة هو مزيد من قبح المصالح، ومن عاهات الوجدان.. فلا بد أن يكون الموت إجابة رائعة على هذا السخف!)).
والانتحار ليس حلاً، ولكنه نتيجة!!.. كذلك.. فإن عواطف الناس لم تعد ((وجداناً))، ولكنها أصبحت مجرد مضمون للوجدان، واختلفت تلك المضامين، وتلاشت!!
فالعاطفة موجودة.. ولكنها دائمة التلفت، منساقة وراء الفجائية ذاتها.. وقد قال المؤرخ المعاصر ((توينبي)).. وهو المؤرخ الذي لا دخل له بالشعر، والفن:
- ((في شبابي أردت أن أتعلم الرسم، فكانت أولى محاولاتي أنني رسمت سماء زرقاء وغصن شجرة، وطائراً يحلق في المدى!)).
((وقبل عام واحد فقط.. أردت أن أهرب إلى الرسم، فكانت آخر محاولاتي أنني رسمت مدفعاً، ومساحة حمراء تعني اللهب، وبوماً في داخله!!)). وأراد المؤرخ أن يقول: لقد تبدلت الحياة.. إن المتغيرات هي حصيلة الرغائب المجنونة، والمصالح القبيحة.. وهي تعبير لعصر القلق والخوف من الحروب، ومن الأمراض، ومن المجاعات، ومن الاكتشافات الفتّاكة!!
وأخيراً.. حاول أن تضحك.
هل تستطيع أن تفعل ذلك الآن؟!
لا أعرف حالتك النفسية، واستعدادك للشعور بالحبور.. بالأمر!
إنه رجاء، وليس أمر:
حاول أن تضحك!!
إذا لم تستطع.. فلا بد -إذن- أن تبتسم.. في اللحظة نفسها التي يعتسفك فيها الألم، أو يعتسف الناس ألمك، أو شجونك.. لإرغامك على البكاء، ولو مكايدة للحظ.. ولو إذلالاً للمعاني!!
حاول أن تضحك.. وأنت مصمم على طرد الأشياء الرديئة، والمقضومة!
إن أغلب الأسباب التي تعصف بالنفس.. تثيرها توافه العواطف.. عواطفك، أو عواطف الآخرين!
إن تلك العواطف.. توقدها ((نعسات)) الضمير، فتنشئ ((الأنا))، أو تفتحها إحباطات الإحساس، فيتضخم القهر!!
حاول أن تضحك.. وأنت تؤكد إرادتك، لتصنع بإرهاصاتك موحيات شعورك، وتفاعلك، وإخلاصك لكل الذي تفانيت فيه، وله!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :577  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج