-11- |
المكان: داخل النفس.
|
الزمان: أسئلة للاكتشاف.
|
الصوت: يفيض.
|
الرؤية: استطراد.
|
* * * |
- قالت له: ترى.. ما معنى هذا الذي يشد ما بيننا بقوة، فيكاد يقطعه حيناً، وحيناً آخر يمزجنا معاً روحاً واحدة.. فهل هو صدق الأعماق، أم رغبة الغرور، أم صداقة الاحترام.. أم تراه هو الحب الذي لم يقدر زماننا عليه؟ |
- قال: دعيني أوجز الإجابة على تساؤلك الطويل هذا في كلمة واحدة هي: إنها قسوة الحياة عندما نخاف منها، وقسوة الواقع على الحب المحاصر ببطاقة هوية! |
- قالت: كيف.. أوضح لي ما أوجزت! |
- قال: صدق الأعماق يبقى مترسباً بين الحنايا والضلوع، لا يذوب ولا يصدأ.. وقد تطغى عليه مشاعر جديدة، وقد تغرقه اهتمامات العيش والماديات، وقد تصدئه مسافة الزمان.. لكنه برغم ذلك كله، يبقى هو ((العلقة)) الباقية.. بقاء صاحبها حياً! |
- قالت: ورغبة الغرور التي عنيتها.. ما هي؟! |
- قال: إنها طبيعة في الإنسان.. إذا أنعشها بأنانيته تكثفت وطمست العفوية، وشوهت صدق الأعماق! |
- قالت: وصداقة الاحترام؟! |
- قال: إنها قاعدة في التعامل الناضج، ولكنها أحياناً لا تطاق بعد العشق، كما أنها لا تتوفر دائماً قبل الإحساس بالحب، فعندما أحترم إنساناً بعد أن أحبه، أبالغ في ذلك الاحترام فأتعبه.. وعندما أحترمه لحظة شعوري بحبي له، يبالغ الحب في شعوري، فأتعب نفسي.. وهذه قسوة! |
* * * |
- قالت: تقصد.. أن لا يكون هناك احترام بين الحبيبين؟! |
قال: الاحترام هذا يأتي بمعنى المبالغة في التقديس.. بينما الحب عفوي، وربما طفولي في تصرفاته.. فالاحترام ينبغي أن يكون بشعور الامتزاج! |
- قالت: والحب الذي لا يقدر الزمان عليه؟! |
- قال: إنه أكبر من القوة، وأعنف من دقات القلب، وأنصع من الصدق ذاته.. إنه يفوق الظروف والهموم والكوابح والعقبات، ولكننا نعجز في الغالب عن امتلاكه.. وهذه قسوة أيضاً! |
- قالت: ولكنه حين يكون أكبر من القوة.. فلا بد أن يتجاوز الظروف والهموم والعقبات وينتصر بالتشبث به!؟ |
- قال: حقاً ما تقولين.. لكننا حتى في ظروفنا وهمومنا وعقباتنا، نبدو عاطفيين.. نحب الآخرين مثلما يحب أحدنا الآخر، ونخاف على الآخرين الذين يحبوننا مثلما يخاف كل واحد منا على الآخر! |
- قالت: وإذن.. كيف نحقق تلك السعادة التي تختال دائماً كالطيف؟! |
- قال: ذلك شيء لا يتأتى من الظن، ولا يتحقق بالتصور! |
- قالت: كيف؟! |
- قال: إن السعادة في العشق.. تفتقر إلى قرار الإنسان دائماً.. بينما هذا الإنسان يتخذ قراراته وهو يصعد فوق الاعتذارات، وينحجب أحياناً خلف احتياجاته والتزاماته اليومية! |
- قالت: فهل تعتقد أن هذه الرؤية تتحدد بسلوك الإنسان مع الحياة، والأحياء، وترتبط بحجم العلاقات الإنسانية؟! |
- قال: بلا شك.. لذلك فلا بد أن يكون ما نفكر فيه واضحاً، وأن يكون ما نشعر به واضحاً أيضاً ومتوافقاً مع التفكير.. وربما يكون ذلك الذي يربطنا بفكر الحياة، وذلك الذي يمزجنا بالأحياء.. يعكسان قسوة الحياة على حميمية الحب، أو قسوتنا نحن على من أحبونا.. ولكننا بما نحسه في هذا الارتباط، تجعل الحياة مواجهة مباشرة تخذل الضعف، وترتفع بالرغبة إلى تلك الابتغاءات التي تأتي أكثر سمواً وشرفاً لمعنى الحياة! |
- قالت: وحفاظنا على المعاني في زحام الماديات؟! |
- قال: إن المعاني في نفوسنا -عقلاً ووجداناً- أكبر من أن تحتملها مبالغات الظروف.. وإنما ينبغي أن نحكمها بالعقل بأن نسيطر على الظروف لنجعلها تتلاءم مع معانينا، لا أن تقودنا الظروف إلى ارتكاب ذلك الوعي القاسي! |
- قالت: ذلك يعني أننا قد نتنازل عن العشق من أجل العقل! |
- قال: ليس هو التنازل عن العشق، وإنما التنازل عن الامتلاك الذي يتحول في تحقيقه بالضرورة إلى مادة وتعامل وخطة حياة! |
- قالت: كأنك تحدد الآن محطة الوقوف الأخيرة بيننا؟! |
- قال: بالعكس.. إنني أضع التصور الذي ينبغي أن نحققه بعيداً عن الظن، وقريباً من القدرة على هاجس التكامل بين عاشقين! |
- قال: إنك تحاورني بمنطق الوعي القاسي! |
- قال: أحياناً يكون الوعي القاسي هو ثقافة العقل، وأمنية الوجدان.. لكن وجداني معك متلاحماً وممتزجاً، أما حواري فلعلّه يأتي في كثافة العذاب! |
- قالت: وما هو العذاب؟! |
- قال: العذاب الحقيقي، هو العجز.. ونحن حينما نعجز عن تشكيل حياة الحلم، يصبح اللقاء والوداع في دنيا الناس، لا أكثر من محطة.. نفيق فيها من التعب، لنبدأ تعباً أقسى مما سبقه! |
- قالت: فكيف نفكر في العذاب الروحي.. دون أن نقدر على الذهاب إلى أبعد منه؟! |
- قال: العذاب الروحي.. هو أن ندع ما أعطانا وغذانا وأرغدنا يتحول فينا من حس إلى استحواذ، فيفعل بنا دون أن نفعل به ما يجسد هناء النفس، أو يبعث فينا ضوءاً من المعاني لنرتاح! |
- قالت: ولكن.. هذه هي السلبية، أو الهروب؟! |
- قال: هذا معنى استشهاد الروح.. وفرق بين الاستشهاد، وبين القتل أو الانتحار! |
- قالت: وما هو هذا الذي يتضخم في نفوسنا، كلما ازداد وعينا، أو كلما تكثفت آلامنا؟! |
- قال: شيء مختلف وجديد.. إنه خليط من ثقافة العقل. ومن أمية الوجدان، ومن الوعي القاسي! |
- قالت: فهل تعني أننا بلغنا معاً ذلك الطريق المسدود الذي لا يصل بنا إلى درب لحياتنا معاً، ولا يمكننا من العودة إلى بداية انطلاقتنا معاً؟! |
- قال: لم أقل هذا، ولا أتصور حتى بالظن أن يقف طريق مسدود حائلاً بيني وبينك، أو بيننا معاً وبين الغد.. ولكنني أريد أن أقف داخل القرار الذي يجعلنا -أنت وأنا- نوقع عليه. بشفاهنا!! |
* * * |
|