شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-10-
المكان: غياب.
الزمان: عهد.
الصوت: رجع نغم.
الرؤية: بين الخفق والنبض.
* * *
- قالت له: شعرت أنك غبت عني دهراً، لا ساعات، فأين كان اختفاؤك؟!
- قال: في فراغ الأيام.. عندما يكون الوقت مفرغاً من البوح والوعد!
- قالت: ألم تقل لي ذات مساء، مشبع بالغيوم، وموح بالمطر.. إن الأفئدة لا تطيق الهجر، وإن العاطفة الصادقة.. تقف في الأيام ما بين الغياب والإياب، مثل صارية لا تمزقها الأنواء والأعاصير؟؟
- قال: لم أنس عهدنا.. فقد كان في أصداء أمسياتي رجع نغم لا ينشز!
- قالت: وما الذي غيبك.. حتى كدت أوقن بقدرتك على الهجر؟!
- قال: ليس هو الهجر.. لكنه التمزق والتردد، في كثافة تبدد النفس!
- قالت: وما الذي أعادك.. كأن عودتك جاءت في الشتاء؟!
- قال: لقد هربت من تلك الكثافة إلى العودة.. فأنا إنسان، يلوذ في النهاية إلى نفسه بما تعشق، وتنجذب، وتهدأ أمناً!
- قالت: كأنك تشعرني بفقد شيء من أعماقك؟!
- قال: خيّل إليّ أنني فقدت نفسي، أو أفقدها مع تعاقب الأيام!
- قالت: ليس هو الفقد، ولكن.. يخيل إلي أنك تعاني من الحزن الشديد!
- قال: أعرف أن الحزن نبيل، ويصهر النفس في بوتقته حتى يقدر على تحديدها.
- قالت: بشرط أن لا يتصاعد، فيبلغ حدود الثقة، أو الأمل.
- قال: فكيف ترينني الآن.. بعد هذه العودة؟!
- قالت: أراك شبيهاً بالصورة التي رسمها ((أزرا باوند)) حينما قال: (نسمة باردة في ليل الخريف.. والقمر متورداً، يتكئ على سياج النباتات.. كفلاح محمر الوجه.. تلك هي الساعة التي تأتي في حياة الناس، فتجعل دموعهم مثل الزجاج الكريستال)!
- قال: هل رأيت دموعي الآن؟
- قالت: إنني لا أراها في عينيك، وإنما هي تنحدر فوق ملامح وجهك، وتغسل نبرات صوتك.
- قال: وهل تخافين من هذه الدموع المحسوسة قبل الملموسة؟!
- قالت: أخاف عليك من تعذر انهمارها.. من تجمدها، وأخاف على نفسي في داخلك أيضاً!
- قال: كأنك تنسفين كل الصدق الذي تتلقينه من بوحي لك!
- قالت: لا أشك في صدقك، ولم أقل هذا أبداً.. ولكنني أخاف من هذه الهزة التي تحدث في أعماقك بين فترة وأخرى!
- قال: كأنك أيضاً تودين أن تقولي شيئاً محدداً؟!
- قالت: نعم.. أسألك الآن عن الذي تبقى لي عندك؟!
- قال: ألم أقل لك إنك تنسفين الجذور؟!
- قالت: أبداً.. إنني أجرح برودة الشتاء في أعماقك!
- قال: سأجيبك بحقيقة لعلّك تتناسيها في انفعالك!
- قالت: لست منفعلة، ولكني أتفاعل مع ما يعتورك أحياناً من شرود روحي!
- قال: كل الذي غرسته وأينع صار أنت!!
- قالت: ولكنني لا أملك دوماً سوى هروبك إلى العودة!
- قال: كيف.. هل هو لغز؟!
- قالت: أنت تغيب عني هرباً مني، ثم ترجع إلي.. فكأنك تهرب مرة أخرى، ولكنه الهروب إلى العودة!
- قال: إنني كالبحر.. ما بين مد وجزر، ولعلّني بذلك أخاف عليك من الغرق في أمواجي وأعماقي!
- قالت: ألم تقرأ هذا الخبر؟!
- قال: خبر جديد، أم قول تليد، أم هو حكاية من تلك الحكايات التي تاهت نهاياتها؟!
- قالت: لقد اكتشف الإنسان أنه بقلبين.. قلب أورق، وقلب كشعاع الشمس.. فالقلب الأزرق في تفسيري هو كالبحر، عميق، ومتقلب، وشديد الأمواج.. أما القلب كشعاع الشمس، فهو الواضح، والساخن، والمباشر، والشامل!
- قال: تفسير جيد!
- قالت: إنك تسخر.. ها؟!
- قال: وليس ببعيد أن نسمع بألوان عديدة للقلوب بتعدد ألوان طلاء الشفاه!
قالت: واصلت سخريتك، ولكني لا أمزح.. فكأنك صاحب القلبين!
- قال: ربما.. فقد أوغل بي العمر، وقيدتني مسؤوليات الحياة!
- قالت: إذن قل لي.. ما لون قلبك الآن؟!
- قال: قوس قزح!
- قالت: وما الذي فعل به كل هذا؟!
- قال: الضباب، والمطر، والشمس.. والوعود التي تركب التاكسي!
- قالت: هل هو كذلك في كل الأحوال؟!
- قال: إلاّ معك.. إنني أمتلك قلبي الأصيل والوحيد.
- قالت: كنت تقول في الأيام الخوالي.. إن صدرك كما ((شقة))، فيه الصالون، والشرفة، وغرفة النوم، والمطبخ، والردهة!
- قال ضاحكاً: أصابت القلوب أزمة السكن!
- قالت: وصدرك اليوم؟!
- قال: عمارة.. أقفلت ((الروف)) في أعلاها لأنك تسكنين هناك، فهو سكن خاص، ومقدس!
- قالت: وهل تتذكر عبارة ((باوند)) التي ذكرتها لك.. فتحلم بالريف، ونقيق الضفادع؟!
- قال: حاول ((باوند)) في قصائده أن يستعيد الحياة الجميلة في زمن السلم والحب وأعياد النفوس -لا أعياد الملابس- وأن يصور ما تفعله الحرب بالنفوس وبالجمال!
- قالت: وما تزال تتابع الأخبار.. في نفسك بحثاً عن الأحلام والعودة إلى ما تحب.. وفي العالم من حولك بحثاً عن السلام والحب والجمال؟!
- قال: الإنسان له قصيدة شعر واحدة.. وأنت هذه القصيدة في عمري!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :483  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج