| -10- |
|
المكان: غياب.
|
|
الزمان: عهد.
|
|
الصوت: رجع نغم.
|
|
الرؤية: بين الخفق والنبض.
|
| * * * |
| - قالت له: شعرت أنك غبت عني دهراً، لا ساعات، فأين كان اختفاؤك؟! |
| - قال: في فراغ الأيام.. عندما يكون الوقت مفرغاً من البوح والوعد! |
| - قالت: ألم تقل لي ذات مساء، مشبع بالغيوم، وموح بالمطر.. إن الأفئدة لا تطيق الهجر، وإن العاطفة الصادقة.. تقف في الأيام ما بين الغياب والإياب، مثل صارية لا تمزقها الأنواء والأعاصير؟؟ |
| - قال: لم أنس عهدنا.. فقد كان في أصداء أمسياتي رجع نغم لا ينشز! |
| - قالت: وما الذي غيبك.. حتى كدت أوقن بقدرتك على الهجر؟! |
| - قال: ليس هو الهجر.. لكنه التمزق والتردد، في كثافة تبدد النفس! |
| - قالت: وما الذي أعادك.. كأن عودتك جاءت في الشتاء؟! |
| - قال: لقد هربت من تلك الكثافة إلى العودة.. فأنا إنسان، يلوذ في النهاية إلى نفسه بما تعشق، وتنجذب، وتهدأ أمناً! |
| - قالت: كأنك تشعرني بفقد شيء من أعماقك؟! |
| - قال: خيّل إليّ أنني فقدت نفسي، أو أفقدها مع تعاقب الأيام! |
| - قالت: ليس هو الفقد، ولكن.. يخيل إلي أنك تعاني من الحزن الشديد! |
| - قال: أعرف أن الحزن نبيل، ويصهر النفس في بوتقته حتى يقدر على تحديدها. |
| - قالت: بشرط أن لا يتصاعد، فيبلغ حدود الثقة، أو الأمل. |
| - قال: فكيف ترينني الآن.. بعد هذه العودة؟! |
| - قالت: أراك شبيهاً بالصورة التي رسمها ((أزرا باوند)) حينما قال: (نسمة باردة في ليل الخريف.. والقمر متورداً، يتكئ على سياج النباتات.. كفلاح محمر الوجه.. تلك هي الساعة التي تأتي في حياة الناس، فتجعل دموعهم مثل الزجاج الكريستال)! |
| - قال: هل رأيت دموعي الآن؟ |
| - قالت: إنني لا أراها في عينيك، وإنما هي تنحدر فوق ملامح وجهك، وتغسل نبرات صوتك. |
| - قال: وهل تخافين من هذه الدموع المحسوسة قبل الملموسة؟! |
| - قالت: أخاف عليك من تعذر انهمارها.. من تجمدها، وأخاف على نفسي في داخلك أيضاً! |
| - قال: كأنك تنسفين كل الصدق الذي تتلقينه من بوحي لك! |
| - قالت: لا أشك في صدقك، ولم أقل هذا أبداً.. ولكنني أخاف من هذه الهزة التي تحدث في أعماقك بين فترة وأخرى! |
| - قال: كأنك أيضاً تودين أن تقولي شيئاً محدداً؟! |
| - قالت: نعم.. أسألك الآن عن الذي تبقى لي عندك؟! |
| - قال: ألم أقل لك إنك تنسفين الجذور؟! |
| - قالت: أبداً.. إنني أجرح برودة الشتاء في أعماقك! |
| - قال: سأجيبك بحقيقة لعلّك تتناسيها في انفعالك! |
| - قالت: لست منفعلة، ولكني أتفاعل مع ما يعتورك أحياناً من شرود روحي! |
| - قال: كل الذي غرسته وأينع صار أنت!! |
| - قالت: ولكنني لا أملك دوماً سوى هروبك إلى العودة! |
| - قال: كيف.. هل هو لغز؟! |
| - قالت: أنت تغيب عني هرباً مني، ثم ترجع إلي.. فكأنك تهرب مرة أخرى، ولكنه الهروب إلى العودة! |
| - قال: إنني كالبحر.. ما بين مد وجزر، ولعلّني بذلك أخاف عليك من الغرق في أمواجي وأعماقي! |
| - قالت: ألم تقرأ هذا الخبر؟! |
| - قال: خبر جديد، أم قول تليد، أم هو حكاية من تلك الحكايات التي تاهت نهاياتها؟! |
| - قالت: لقد اكتشف الإنسان أنه بقلبين.. قلب أورق، وقلب كشعاع الشمس.. فالقلب الأزرق في تفسيري هو كالبحر، عميق، ومتقلب، وشديد الأمواج.. أما القلب كشعاع الشمس، فهو الواضح، والساخن، والمباشر، والشامل! |
| - قال: تفسير جيد! |
| - قالت: إنك تسخر.. ها؟! |
| - قال: وليس ببعيد أن نسمع بألوان عديدة للقلوب بتعدد ألوان طلاء الشفاه! |
| قالت: واصلت سخريتك، ولكني لا أمزح.. فكأنك صاحب القلبين! |
| - قال: ربما.. فقد أوغل بي العمر، وقيدتني مسؤوليات الحياة! |
| - قالت: إذن قل لي.. ما لون قلبك الآن؟! |
| - قال: قوس قزح! |
| - قالت: وما الذي فعل به كل هذا؟! |
| - قال: الضباب، والمطر، والشمس.. والوعود التي تركب التاكسي! |
| - قالت: هل هو كذلك في كل الأحوال؟! |
| - قال: إلاّ معك.. إنني أمتلك قلبي الأصيل والوحيد. |
| - قالت: كنت تقول في الأيام الخوالي.. إن صدرك كما ((شقة))، فيه الصالون، والشرفة، وغرفة النوم، والمطبخ، والردهة! |
| - قال ضاحكاً: أصابت القلوب أزمة السكن! |
| - قالت: وصدرك اليوم؟! |
| - قال: عمارة.. أقفلت ((الروف)) في أعلاها لأنك تسكنين هناك، فهو سكن خاص، ومقدس! |
| - قالت: وهل تتذكر عبارة ((باوند)) التي ذكرتها لك.. فتحلم بالريف، ونقيق الضفادع؟! |
| - قال: حاول ((باوند)) في قصائده أن يستعيد الحياة الجميلة في زمن السلم والحب وأعياد النفوس -لا أعياد الملابس- وأن يصور ما تفعله الحرب بالنفوس وبالجمال! |
| - قالت: وما تزال تتابع الأخبار.. في نفسك بحثاً عن الأحلام والعودة إلى ما تحب.. وفي العالم من حولك بحثاً عن السلام والحب والجمال؟! |
| - قال: الإنسان له قصيدة شعر واحدة.. وأنت هذه القصيدة في عمري! |
| * * * |
|
|