-8- |
المكان: منعرجات الظنون.
|
الزمان: نقر الذاكرة!
|
الصوت: حرية التسامح.
|
الرؤية: وجه كالوشم!
|
* * * |
- قالت له: لقد ضاقت بك منعرجات الظنون في أفكارك، وتضخمت الأوهام بالتالي في صدرك المبتور بالحيرة.. أصبحت جمرة العاطفة في عمرك تحرق داخلها، وتحرق ما حولها! |
- قال: لعلّك نسيت -إذن- تلك الأسئلة التي كنا نطرحها معاً، وأحياناً في لحظة واحدة وبصوت واحد، ونضحك بعدها سعداء بهذا الصدق.. ولم تكن أسئلة تتطلب إجابة، لأننا كنا نعرف أجوبة أعماقنا في مشاعر كل واحد نحو الآخر، ولكنها أسئلة كأنفاس دافئة تدعنا نقترب أكثر ونلتحم. |
- قالت: لم أعد أذكر تلك الأسئلة.. لعلّها كانت هذيان القلب! |
- قال: ولكني أذكرك بها بعيداً عن منعرجات الظنون التي رميت أفكاري بها، وهربت بأفكارك منها لئلا يلزمك العهد حتى بالابتسامة في الحنين! |
- قالت: لا أريد أن أذكر الذي مضى.. لأنك بعثرته في جنون انفعالاتك! |
- قال: لكني لا أقدر أن أحيا بعد شرودك إلاّ في أصداء هذه الأسئلة التي كنا نرددها. |
- قالت: أية أسئلة أيها الاغتيالي؟ |
- قال: لم أغتل ما بيننا من حب.. كل ما حاولت فعله هو أن أغتال بعض ما كنت ترمينني به من استعلاء تارة، ومن هروب من التزام الخفقة! |
- قالت: أعد تلك الأسئلة إذن؟ |
- قال: كنا نرغد معاً ونقهقه أحياناً عندما أفاجئك في صلب حديثك متسائلاً: مين.. فين.. ليه.. كيف؟ وكأننا نفتش عن القرار الموحد! |
- قالت: أوه.. هل ما زلت تذكر ذلك الجنون الذي أغريتني به؟ |
- قال: كان الأروع هو الانطلاق بالحب إلى الجنون. |
- قالت: لكنك أحرقت الكثير بتلك الجمرات من الظنون ومن التخلي عني! |
- قال: لكن الظنون كانت تتبارى في تأملاتك.. حتى تحولت لحظات العشق في عمرك هي البحث عن انتصار لذاتك التي ترفض كل ما لم يتوالد في نفسك! |
- قالت: لقد حاولت أن أبددك في غيوم نفسي.. بعد أن أشعرتني أنك لا تلتزم بما طرحناه من وعد. حاولت أن أجعلك غيمة ترحل إلى البعيد.. طعنتك في قلبي بخوفي عليك ومنك.. جعلتك في عمري ذاكرة مفقودة! |
- قال: فإذا أنت اليوم تبحثين عن ذاكرتك المفقودة! |
- قالت: لا يستبد بك الغرور إلى هذه الدرجة.. فلقد قددت قلبي من بين الضلوع ورميت به إلى البحر واسترحت! |
- قال: ولكني لست مثلك.. فما زلت أشعر أنني كلما بحثت عن نفسي.. كنت أبحث عنك أنت!! |
- قالت: ولكنك حملت على ما أضمرته نفسيتي نحوك، حتى باعدت بيني وبينك بذلك الجفاء الذي اصطنعته، وكنت أحتار في أسبابه! |
- قال: لم أحمل عواطفي نحوك قسراً، بل شعرت بحبك يسري مع دمي، وكنت صادقاً، لكني اكتشفت في عواطفك حب الامتلاك المغرور الذي يحدد: متى يعطي، ويفرض هو أيضاً متى يشح ويتغرب عني! |
- قالت: كنت أريد أن أقذفك إلى البحر مع قلبي، فأغرقكما معاً للأبد في الأعماق. |
- قال: كنت تريدين أن تمتلكي وحدك القرار.. ترضين عني متى شاء لك الهوى، وتضعينني في مخزن نفسك كلما ازداد انشغالك بالحياة وبالآخرين! |
- قالت: لقد تعلمت الحب على أنه القدرة وليس الضعف! |
- قال: فكنت القاسية على حبي لك، وعلى نفسك.. لكنني معك أنبش أصداء الأمس، حينما كان دخولك إلى قلبي زمناً باهراً سقى جذور العمر وأنعش طلوع أوراق الشجرة، وكان دخولك إضاءة أعطتني تلك الأماني التي كنت أبحث عنها وأفتقدها من الأنثى التي تجعل قلبها عيناً، ونظرتها نغماً يحيل صحراء العمر إلى جنان وعشب! |
- قالت: كان عليك أن تكتشفني أكثر مما فعلت! |
- قال: لم أكتشف وحدي.. وإنما أشعرتني أن ((ممارسة)) الاكتشاف كانت فيك أنت أيضاً، فاكتشفت الإنسان القلق.. الإنسان الذي يرتحل فترة طويلة ويغيب في الصمت، أو يتعالى في النفور.. ثم يبعثر أصدق لحظات البوح ويبدد أجمل الأسئلة العفوية من القلب! |
- قالت: لكنك عجزت عن احتمال قلقي. وشككت في صدقي معك!! |
- قال: لأنك كنت هذه الأنثى المباشرة التي تريد أن تستهلك الزمن والعمر وتنهي الأشياء وفق ما تصر عليه، وهي تلغي رغبة واحتياج الطرف الآخر.. بينما كنت أنا معك ((أضيع في موجة من التهدج والسخرية)) في صدق حبي لك، وكنت أُنادي على ابتسامتك التي عشقتها يوم أضاءت دربي، وأُنادي على الوجد الذي لا يسأم! |
- قالت: وماذا تريد الآن؟! |
- قال: لعلّني لا أريد شيئاً بالتحديد الآن، فالحوار لم يكتمل بعد.. لأنك لم تكوني في عمري محطة، بل تحولت إلى وطن.. ولا بد أن أخرج الأشباح من داخلك! |
- قالت: تريد أن تسترجعني لك؟! |
- قال: لعلّ كل منا يريد أن يسترجع الآخر، أو يرجعه إلى جوهر نفسه!! |
|