شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-5-
المكان: رمادية السماء.
الزمان: البعد الرابع.
الصوت: أنفاس الليل القادم.
الرؤية: إحساس.
* * *
- قال لها: هذا التحديث من عينيك إلى وجهي، يطوحني أحياناً.. يرميني في الاضطراب والخلخلة!
- قالت: لكني لا أجيد السحر، حتى أخضعك لأمري، ولما أريد!
- قال: في عينيك سحر الأنثى الذي يصادر قوة الرجل، ثم يسخرها له!
- قالت: بل في عيني حب كبير لك، لو وزعته على العالم لفاض، كما قال عاشق، ولا أظنك إلاّ سعيداً بهذا الحب لك عندي.. فالرجل يستخدم قوته ضد ضعف المرأة، وعاطفتها هي نقطة ضعفها، لتجسيد قوته!
- قال: لا شك عندي في حبك.. لكني أقرأ في نظراتك أسئلة لم تطرح بعد.
- قالت: قد يكون مصدر هذه الأسئلة.. هو خوفي منك!
- قال: أتخافين مني.. لماذا؟!
- قالت: خوف متعدد هو: فأنا أخاف على نفسي في أعماقك، لو كنت تعبث بي وتتسلى.. وأخاف عليك في أعماقي، لو تأكد عندي عبثك.. وأخاف على الحب كرابطة وحدَتنا، لو عمد واحد منا إلى إهانة هذه الرابطة وطعنها!
- قال: وما هو مصدر خوفك هذا؟!
- قالت: ألا تغضب لو جعلت قاعدة حواري الصراحة؟!
- قال: إنني لا أغضب من الصراحة.. ولكني أحارب الظلم!
- قالت: وهل يظلم المحبون؟!
- قال: ولحظتها يكون ظلمهم قاسياً ومهيناً، تماماً كما صور الشاعر في قوله: ((وظلم ذوي القربى أشد مضاضة))!
- قالت: المحب قد يظلم في حالة واحدة فقط، وهي.. عندما يشعر أن حبه قد أهين أو تجرح، فيعمد إلى الظلم بدون أن يقصد ذلك، ولكنه يدافع عن حبه!
- قال: ولحظتها -أيضاً- لا يبقى هناك حب، ولكن قد يتكرّس الحقد بديلاً.. خصوصاً في أعماق أنثى شعرت بالخسارة!
- قالت: إذن.. قل لنفسك، وتحاشى أن تظلمني!
- قال: هل هذا تهديد؟!
- قالت: بل هو تشبث بك.. فلو فقدتك لن أحب رجلاً بعدك، وقد أكفر بالحب وبالصدق.
- قال: كأنك تلمحين إلى شيء؟!
- قالت: ليس هو التلميح، ولكنه التوضيح في غمرة هذا الخوف منك وعليك!
- قال: فما الذي دفعك لبدء مثل هذا الحوار معي الآن؟!
- قالت: هو الذي قرأته في عيني، وسألتني عنه!
- قال: تقصدين سحر الأنوثة.. أم خوف العاطفة؟!
- قالت: قد يتلألأ سحر الأنوثة أكثر في نقطة ضعف الأنثى –العاطفة- ولكني في الحصيلة.. أريد أن أحتفظ بك العمر كله، فلا أفجع في نقائك، ولا في صدقك!
- قال: فهل تنظرين إلى شخصي، وكأنني شهريار؟!
- قالت: شهريار أعادته أنثى إلى صدق الإحساس، وإلى جوهر إنسان فيه!
- قال: لكنها لم تقبل بتلك المهمة الخطيرة التي تعرضها للقتل.. إلاّ من أجل أن تنتقم لبنات جنسها!
- قالت: هذا صحيح.. ولكنها أحبته، حتى أنها كانت تخاف أن لا تراه في الليلة القادمة، أكثر من خوفها أن يقتلها!
- قال: ألا تعتقدين أن في قولك مبالغة، أو تغليطاً للحقيقة؟!
- قالت: بالعكس.. ففي ذلك الموقف لم يكن ((هم)) شهرزاد رأسها، بل كان كل همها هو قلبها، وقلوب النساء التي تخفق عند ملاقاة رجل هوى في نفوسهن.. فلا بد لك أن تنظر إلى كل أطراف الصورة بشمول وليس من زاوية واحدة فقط؟!
- قال: ولكني أسألك.. لماذا كان شهريار يقطع رؤوس النساء كل ليلة؟!
- قالت: السبب لا يكمن في النساء، وإنما يعود إلى طبيعة نفس الرجل.. فكل رجل يود لو يكون شهرياراً، فيقطع في كل ليلة رأس امرأة!
- قال: ولكن.. هذا يجافي الحقيقة.
- قالت: قطع الرأس يختلف عند رجل عن الآخر.. فهناك رجل يهوى الطلاق، فكأنه عندما يطلق امرأة يقطع رأسها، وهناك رجل يهوى العبث واللعب بمشاعر المرأة.. فكأنه عندما يعبث بأنثى يقطع رأسها، وهناك رجل لا يطلق ولا يعبث، وإنما هو يهمل المرأة التي تحتفل به وتفضله على رجال العالم.. فكأنه بإهماله هذا يقطع رأسها.. ذلك أن إصابة وجدان الأنثى بجرح، لا بد أن يتصاعد في نفسها إلى ما يفوق قطع الرأس!
- قال: هناك أنثى تقطع رأس الرجل بغلظتها وبجفاف حنانها الذي يشكل طبيعة الرقة في أنوثتها.. وهناك أنثى تقطع رأس الرجل بإهمالها لأشيائه الصغيرة التي يظهر من خلالها كطفل يحتاج إلى حنو ورعاية وامتزاج الروح والفكرة بينهما.. وهناك أنثى تقطع رأس الرجل بالعبث بمشاعره، عندما توهمه أنها اصطفته من سائر رجال الأرض ثم يكتشف خيانتها.. وهناك أنثى تقطع رأس الرجل بجعله مرحلة انتقالية في عمرها.. إما بتوظيف عاطفته نحوها لعلاجها من أسى، وإما بمعاينته واستخدامه كمظهر اجتماعي.. وعندما يطعن الرجل في كرامته ورجولته يحس بما هو أكثر خسارة من قطع الرأس!
- قالت: ولكن ذلك كله نادر في مجتمعاتنا.. قد يحدث في الغرب، وفي ظروف تفكك الأسرة والبيت، وفي شروخ العاطفة بين رجل وأنثى!
- قال: لعلّ الغزو من الخارج لم تسلم منه جوارحنا وعواطفنا، وكأني أتطلع الآن إلى هذا الزحام، فأجد الأنثى تفتش عن الرجل من جديد، بعد أن حاولت الاستقلال عنه، وأجد أن الرجل يفتش عن الأنثى السكن والطمأنينة والرحمة والمودة، بعد أن حاول تعويض ((الواحدة)) بعشرات!
- قالت: ولكن الرجل يبقى -في البدء وفي النهاية- هو شهريار!
- قال: وهل هذا هو خوفك مني.. تخافين أن أقطع رأسك في الليلة بعد الألف؟!
- قالت: أخاف من ذلك فعلاً.. لكني لا أفقد قدرتي على جذبك كل ليلة، لأقص لك حكاية حتى تنام، فأجد الدفء في صدرك بعد قلق عصيب!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :514  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.