-4- |
المكان: صدر رجل!
|
الزمان: يطفو!
|
الصوت: صمت الفجاءة.
|
الرؤية: نفس مليئة بالتدافع.
|
* * * |
- قال لها: ماذا تتوقعين غداً؟ |
- قالت: لا داعي لذلك الغد كثيراً.. يهمني -فقط- أن أجمع الأمس واليوم والغد في ((اللحظة)) التي أمتلك فيها ما أريد، وأبلغ فيها إلى شعور غامر بالسعادة، وأحقق فيها تكامل الأخذ والعطاء عندما يتحوّل الاثنان إلى واحد! |
- قال: ثم بعد ذلك؟! |
- قالت: بعد ذلك.. لا بأس أن يقتلني مجنون، أو يسبي فرحتي تعود ممل! |
- قال: وتتنازلين عن بقية الحياة؟! |
- قالت: الحياة الحقيقية هي تلك التي نحياها كما نتمنى ونحلم ونحس.. وما عداها يضاف إلى منظر طلوع الشمس وغروبها على جزيرة غير مأهولة! |
- قال: ما الذي أقنعك بهذا الرأي، وشكله في تفكيرك ومشاعرك؟! |
- قالت: أيضاً.. ليس شرطاً أن أكون مقتنعة، فنحن نفقد حقائقنا باستمرار، وكلما تكثفت في داخلنا هزائم الاضطرار لفعل شيء لا نريده.. فلماذا نتعب من أجل حقائقنا دائماً؟! |
- قال: ولكن.. ليست كل الحقائق ضد الإنسان! |
- قالت: ولكن أغلب الحقائق.. هي تلك التي يقدمها الناس إلينا لنعترف بها قناعة أو قسراً.. أما حميمياتنا فهي التي تستقر في أعماقنا حزناً أو فرحاً، بذلك الشعور الذي يفوق الحقيقة! |
- قال: ذلك هو التعب.. أن نعيش الحقائق ونمارسها قناعة أو قسراً.. وفي نفس الوقت ننفي مشاعرنا إلى قرار النفس كسجن مؤبد؟ |
- قالت: التعب؟!.. أيضاً أنا لا أريد أن أتعب، ما دام أن التعب قد سقطت قيمته وحصيلته.. أريد فقط أن أبكي! |
- قال: كأنك تفكرين في الراحة، وأنت تبحثين عن دموعك؟! |
- قالت: في مرات كثيرة فكرت في راحتي، وأنا أبحث عن دموعي، فهل تدلني: لماذا نبكي، وكيف نبكي إذا احتجنا للدموع؟! |
- قال: نبكي في قمة توَهج الإحساس -فرحاً أو حزناً- والصدق في ذلك، هو الذي يدلنا كيف نبكي إذا احتجنا الدموع. |
- قالت: هل تعرف ما الذي أريده الآن؟! |
- قال: أن تسكبي تعبك! |
- قالت: أن أقوم وأنتزعك من داخل هذا الكرسي الهزّاز الذي تقتعده منذ بدأنا الكلام.. تدفعه إلى الأمام، ويرتد بك إلى الخلف في حركة مستمرة توترت منها أعصابي وشردت دموعي! |
- قال: وماذا يضايقك من جلستي هذه.. طالما نتحدث، أخفف عنك، ويطوف وجهك في عيني كالبزوغ، والمطر، والنسمة؟! |
- قالت: الذين يغازلون لا يهتزون مثلك هكذا.. أنهم ينبعثون كوهج، وأنت في داخل كرسيك الهزاز تبدو كحطب مدفأة! |
- قال: ولكن.. لماذا هذه الثورة والتجريح.. هل كففت عن حبي؟! |
- قالت: قم من كرسيك هذا، فقد حطمته جلستك المستمرة.. اخرج إلى الشارع، ابتعد عني لأشتاق إليك، تحدث مع أحد المارة، فربما شتمك وقال لك: أنت قذر! |
- قال: ما هذا.. هل أنا قذر في رأيك؟! |
- قالت: أبداً.. بل أنت حبيبي، ومللي.. أنت اشتياقي وحلمي، ولكن عليك أن تفعل شيئاً.. أن يراك الآخرون حتى ولو شتموك! |
- قال: وهل أخرج إلى الناس ليشتموني؟! |
- قالت: نعم.. لكي تشعر أنك تحيا عصرك، أو أنك لم تمت بعد.. فتستطيع أن تفكر في عمل تشغل به وقتك المهدر، وأن تبتكر وتبدع في شيء يميّزك عن الآخرين، وأيضاً.. لكي تريحني من وجهك قليلاً! |
- قال: إلى هذا الحد بلغ السأم عندك مني؟! |
- قالت: ليس هو السأم.. بقدر ما يكون هو التعود، فالتعود ركود وجمود! |
- قال: ماذا تقصدين؟! |
- قالت: ألم تعاشرني قرابة العشرين عاماً؟!. أفلا يكفي لأن تكون شجاعاً في حياتك؟! |
- قال: منطق غريب. أنت التي تقولين ذلك؟.. كأنك تحرضينني على تركك والابتعاد عنك فأكون شجاعاً! |
- قالت: ليست هذه هي الشجاعة، بل ما قلته يصبح جحوداً وإهداراً للوفاء! |
- قال: احترت.. فما هو قصدك؟! |
- قالت: أقصد أن تلتفت إلى أعماقك التي كساها كلس الشيخوخة المبكرة.. أو كأن شيخوخة الروح قد زرعت في داخلك الخوف من الموت، ومن الأحياء! |
- قال: ما تقولينه لم أكن سبباً في بلوغه، ولكنك أنت قد تحولت في العمر، ومع السنين والتعوّد إلى قطعة أثرية تزين البيت ولكنها تحتاج إلى يد تنقلها بين فترة وأخرى من مكان إلى مكان! |
- قالت: تقصد أن الشيخوخة قد أقتحمتني قبلك؟! |
- قال: مشاعر الرجل صدى لمشاعر الأنثى التي يحب! |
- قالت: ومشاعر الأنثى تتجدد بتواصل الرجل الذي تحب، وتخبو حينما يختار الكرسي الهزّاز الذي يتدجن في داخله طوال وقته في البيت.. ما بين مطالعة الصحف، ومشاهدة التلفزيون، والتثاؤب! |
- قال: عليك اللعنة.. كان ينبغي أن أستخرج طفلاً من أحشائك ليخرس سفسطاتك، ويحطم سخريتك! |
- قالت مبتسمة: الحمد لله أنني عاقر.. لئلا أرزأ الحياة بشخص آخر كربوني من صفاتك! |
- قال: يبدو أنه لا داعي لخروجي إلى الشارع، فقد أوسعتني شتماً! |
- قالت: لا أقدر أن أشتمك، لأنني أحبك بالفعل! |
قال: وهذه الدرر التي تحدثت بها الآن؟! |
- قالت: فقط لأنتشلك من الشعور بالشيخوخة في العاطفة وفعلها! |
- قال: ألا تشعرين بالشيخوخة أحياناً؟! |
- قالت: الشيخوخة تكمن في أعماقنا، وقد يصاب بها قلب فتي شاب، وعمر غض، وقد يتحصن ضدها قلب إنسان اكتهل عمره، وبقي خفقه يافعاً حيوياً! |
- قال: كأنك تتمنين لو عدت إلى سن السادسة عشرة الآن؟! |
- قالت: لقد طاردت شبابي برغائبك.. أنظر ما الذي يفعله الشباب اليوم، فليتني لم أولد بعد! |
- قال: ولكنك في بداية الحوار.. كنت تعتزين بتجربتك؟ |
- قالت: كنت أنفض الغبار عن السنين والوفاء، لتحس بهما! |
- قال: الوفاء ليس كافياً لرجل في سني الآن يبحث عن الدفء والحنان والتجدد.. لذلك سأخرج الآن كما اقترحت، فربما شاهدت فتاة في العشرين! |
- قالت: لا تشعرني بالحب ((المعلب))! |
- قال: الزواج قد يتحول إلى حب ((معلب)).. أحياناً يفسد ما في داخل العلبة لتقادم العهد عليها، وأحياناً يفسد لهروب الهواء منها، ولكنه لا يفسد طالما أن ما في داخلها يتجدد دائماً! |
- قالت: والآن.. أيها الرجل؟! |
- قال: سأخرج.. وأفتح هذه العلبة! |
- قالت صارخة: عد إلى كرسيك الهزاز.. لقد تعودت على صوت حركته في الغرفة!! |
* * * |
|