-2- |
المكان: بيت على جناح حمامه!
|
الزمان: عهد بالوفاء.
|
الصوت: ضوء يتخطى المكان.
|
الرؤية:
((
فاغمض عينيك حتى تراني
))
!
|
* * * |
- قال لها: ترى.. هل أعجبك التعبير، أم استغرقك الحلم في الصورة التي رسمتها لتوحدنا معاً، وامتزاجنا إنسانين في روح واحدة؟! |
- قالت: بالنسبة لي.. أعتبر أن عمري يبدأ مع اللحظة التي توحدنا وتجمعنا، فلا نستغرب أن أشع وأضيء وأفرح في أصداء العبارة التي قلتها لي، فرسمت فيها ((قيمة)) العثور على الحب الحقيقي والغامر! |
- قال: إذن.. هي ((اللحظة العمر)).. العبارة، والصورة، والحلم الذي ينسج خيوط حياة سعيدة تضمّ في رحابها حبيبين يتوقان لبناء حياة تجمعهما معاً فيتحولان إلى ضوء، وإلى أسرة، وإلى مجتمع يقبل على زفاف الحب، ويسقي تربته لتتفتح زهوراً جديدة! |
- قالت: ولكن.. ألا تشعر أن الحب ينهزم في عصرنا بشتى النتائج؟! |
- قال: وكيف ينهزم الحب، وقلوب الناس تخفق، وطبيعة التكامل الإنساني لم تتغير، لأنها ما زالت أقوى من كل عناصر الماديات، وجدل الكراهية؟! |
- قالت: ذلك هو العمق الإنساني بالفعل، ولكن.. ألا تلاحظ أن الكثير من الناس يترك الحب يترسب في أعماقه، ويقفل عليه أحياناً، ليعيش على السطح، ويمارس أفعاله، وحتى عواطفه فوق ذلك السطح.. فتكون التجربة الإنسانية لا أكثر من زمن مؤقت ينتهي بالفعل، وينطفئ كالشهوة بمجرد الحصول على اللذة، أو على الأخذ لشيء محدد؟! |
- قال: لا شك أن ((الحب)) الذي يهوي إلى قاع النفس ويترسب فيه.. لا يستحق صفة الصدق والنقاء، بل هو ذلك الشعور الذي أثقل بمواقف عديدة من ضعف العاطفة، وتجرح بصدمات عنيفة من الإحباط، أو من الفجيعة في من أحب، فتوارى في أغوار النفس منهداً ومضرجاً.. بينما تطفو على سطح النفس في غياب الشعور: الطحالب والهلاميات التي تستغرق عاطفة الإنسان فيحسبها حباً تارة، ويكتشفها لعبة أو عبثاً بالمشاعر في أغلب الأحوال! |
- قالت: ولكن استنتاجك هذا يصبح خطيراً جداً، لو أردنا أن نستخلص منه: غياب المشاعر، وسقوطها في مهاوي النفس لتترسب في العدم، أو في النسيان.. كيف -إذن- نحقق الانسجام الطبيعي بين ما أثقل الشعور، وبين طبيعة الإنسان المجبولة في تكوينها الأساسي على الحب، وعلى التوادد، وعلى الحميمية والتراحم والتمازج؟! |
- قال: أرجو أن لا تلفك الدهشة، فتطلقين تصوراتك أو استنتاجك بمعنى التغيير الشامل في طبيعة الإنسان! ولكن ينبغي لنا أن نهدأ في التأمل لحسن الرؤية، ولجلاء الصورة التي أردت تجسيدها من خلال ما طرحته! |
- قالت: كيف.. وضح لي، أكاد لا أفهمك؟! |
- قال: في شباب الإنسان.. هناك التفاؤل، والأمل، والطموح، وعافية الشعور، وصفاء النظرة، وحدة الرغائب.. وكل هذه الركائز تشيع في نفس الإنسان وتفيض من حفافي النفس كقدرة على صناعة الغد بتلك الركائز، وبمنتهى الثقة في هذه القدرة! |
وفي طلائع الشباب.. تكون التجارب جديدة وصقيلة لم تتوال بعد، وبالتالي لم يتعرّض الإنسان للمواقف العديدة في حياته، والتي يتنوّع فيها ضعف العاطفة، وتتعدد فيها الصدمات والتحديات، ويتبلور عبرها نضج الإنسان حتى يبلغ مرحلة الاكتشاف لحجم الأشياء، أو لتحجيم بعض المواقف.. وأحياناً بعض المشاعر! |
ومن هنا.. ينوء كاهل الإنسان بذلك التنوع في ضعف العاطفة، وبذلك التعدد في الصدمات وفي التحديات، وبتلك البلورة التي تبعث فعل النضج في عقل الإنسان بما ينعكس على عواطفه، ويؤثر في مشاعره.. وهذا التأثير المباشر مما ينوء به كاهل الإنسان يمثل الأثقال التي تسحب الحب إلى الأعماق، وترميه في الترسب، وقد تبلغ به إلى مرحلة السأم، أو التفريغ التام! |
- قالت: فهمت.. ولكن،كيف تفسر ما يحدث من انبعاث جديد فيما بعد من داخل نفس الإنسان المثقل بالتجارب، فتجده يتوق للعشق من جديد، وللبحث عن إنسانة أو إنسان يركن إليه، وتنسكب عاطفته في وريده كمراهق، أو كشاب يعاني وينوح ويبوح ويحب؟! |
- قال: تلك هي الغربة يا حبيبتي!! |
- قالت: صورة أخرى.. أرجو أن توضحها لي! |
- قال: إن المشاعر القادرة على الانبعاث، أو على التجدد.. لم تكن قد هوت في عدمية التواصل أو التكامل، ولكنها تدلت في النفس كدلو في المنتصف.. لا هو استطاع أن يصل إلى سطح الماء في أعماق نفسه ليغترف ويمتلئ وينسكب بعد ذلك، ولا هو عاد إلى سطح النفس ليدل على وجود البئر أو الارتواء في الأعماق، ولكنه بقي معلقاً في المنتصف.. لا يجذبه شيء إلى أعلى، ولا تدفعه قوة إلى الأعمق.. وتلك هي غربة النفس المتمثلة في الدلو المطوح في الفراغ. |
- قالت: وإذن.. كيف ينبعث، ويمتلئ، وينسكب في استطراد الممر إلى الشيخوخة؟! |
- قال: هي لحظة العثور، أو الاكتشاف.. فهو طوال عمره المنصرم كان يبحث عن توأمه.. عن القوة التي تجذبه إليها، فتبدأ حركة الدلو صعوداً إلى سطح النفس، وهبوطاً إلى الأعماق.. حركة مستمرة بلا توقف، ليكون الامتلاء والانسكاب، وليكون الفعل الذي يجسد الحنان، وينطق المشاعر، ويضيء بالتوحد وبالتكامل! |
- قالت: وهل تكون في هذه المرحلة من العمر فرصة لإذابة الفوارق الزمنية في العمر، وفي النضج، وفي التجارب؟! |
- قال: هنا يأتي التبلور، ويتضح صدق المشاعر في قلبه وقلبها.. فإن كانت التي أحبها صادقة في اكتشاف عاطفتها نحوه، فلن تكون فوارق، بل يكون تمازج وتكامل.. هي تمنحه من شبابها العنفوان، وحركة دلو الارتواء، وقدرة الصفاء على توضيح الألوان الزاهية.. وهو يمنحها من نضجه، ومن تجاربه: فعل الالتزام، وصدق المشاعر التي تعددت تجاربها، فكان استقرارها عند من أحبت.. هو السكن والتجذر والعمق والوفاء حتى جفاف البئر ومواتها! |
- قالت: ياه.. مشوار طويل أتعبتني فيه! |
- قال: تستطيعين أن تركضي في مسافته أكثر من استطاعتي، وهذا هو كل خوفي! |
- قالت: مم تخاف.. ها؟! |
- قال: أخاف أن لا أقدر على مجاراتك في الركض.. فيصبح هذا هو الفارق الزمني بيني وبينك، فتكتشفين بعد ذلك أنك في بطئي قد خسرت الوقت والعمر! |
- قالت: ولكن.. عندما تكون أنت عمري.. فلا أريد من الوقت إلاّ ذلك الذي يجمعني بك، ويوحدنا معاً! |
- قال: هل هذا صدق.. أم نضج؟! |
- قالت: صدق تتميز به مشاعري.. ونضج اكتسبته منك!! |
* * * |
|