شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-27-
صديقي:
لك العز.
تلقيت تهنئتك الرقيقة، وأضحكتني تمنياتك بأن تراني إلى جوارك ثائباً إلى رشدي!
أتحسب أنه استهواني في هذا العالم المجهول محيا شارق بالفتنة، أو طلعة بارقة بالجمال؟
لا يا صديقي فتلك مصادفات لا يعجزني تلمسّها في غير قومي، وحسانهن الفاتنات.
لقد استهوتني حياة فاضلة لا تتصادفني عندكم في كتب التهذيب، ولا ألتمسها في غير القصص الأخلاقية التي تتخطى الواقع وتضرب في بيداء واسعة من الخيال.
أعجبني في حياة الجن هنا أنهم يحتفون بالعدل بين الطبقات ولا يدينون بالالتزامات التي يدين بها الضعفاء عندنا لأقربائهم في الحياة.. وأنك تجادلهم في أمجاد المبرزين منهم وأصحاب الأثر في حياتهم فيفغرون أفواههم فغر المشدوه المتعجب من ذهنيتك وضيق حدودها.
ذلك لأنهم يرون أن اليد المتفضلة بما تعطي لا تلبث أن تتقاضى ثمن ما أعطت واستوفت أكثر من الفضل الذي تعطيه.. وهم يقولون إنك إذا راعيت الفضل في تنظيم الحياة تراءى لك أن الخلق يتكافأون فيما يبذلون من جهودهم لبلادهم إلاَّ إذا استثنيت الكسول الهامل.. وأنه يجب ألاَّ تغفل أن لصناع الأحذية وعمال المجاري من المساهمة في بناء المجتمع ما يقل عن مساهمة القادة وأصحاب الجاه من العظماء، وأنه إذا تعيَّن علينا تقدير أصحاب المقام المبجل فلا يجب أن ننسى احترام العاملين في أدنى مستواهم وإعطائهم حقوقهم من التقدير والتجلة.. تلك الحقوق التي أعطاها عمر بن الخطاب لغفل في البادية من جبلة بن الأيهم عزيز قومه، وسيدهم العظيم.. وهم بهذا لا يرون محلاً للمفاضلة بين عامل في برجه المشيد وآخر يضرب بفأسه في جذذ الأرض، وهم يقولون أن ذهاب البيوت المجيدة في مسالكها من السؤدد واحتكار الفخار في صفوفهم يفتنهم بذواتهم، ويهيىء المجتمع للتصنيف الذي لا تتساوى فيه المقدرات ولا تقبله قواعد العدل في الإسلام، ويعدهم لأسوأ النتائج المنتظرة.
يقولون أنه لا يجب أن أكون تابعاً إلاَّ في صورة محدودة ضيقة، وأنه لا يجب أن يتمتع أقوى مني بأي صغار يقدسه ويزريني.
هذه الفلسفة العميقة في أصول الحياة. على الفطرة التي فطر عليها الإسلام في حقائقه الأولى نظمت حياتهم على غير النظام الذي ألفناه في دنيانا، وصاغت آذانهم في أشكال لا ترهقك فيها آداب كاذبة، ولا تكلفك مجاملات زائفة، ولا تجد نفسك ملزماً بأرتال من الرسوم تغل حريتك، وتنغص حياتك..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :450  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 110 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.