شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-26-
صديقي:
عشت سعيداً:
ليس كالبساطة شيء أدعى إلى السرور، وأحفل بمعاني الجمال. كان يحتاط بي في حفلة الزفاف كوكبة من فاتنات الحسان في وادي الجن في أردية بيضاء في لون الفل، أو حمراء في مثل لمبة الشفق، أو خضراء كأنها صبغت في ذوب الزمرد، وليس على صدورهم، أو نحورهم، أو معاصمهم أية زينة متكلفة إلاَّ ما كان من عقود انتظمتها حبات الصدف، أو زهرات الورود.
وليس في أوديتهم رغم ما يلمع من بريقها ما يدل على حبرتها، فقد كانت تعدو أثواباً مستعملة عُني بتنظيفها، وإتقان نقاوتها.
لا يُعنى غير الجن هنا في أمثال هذه المناسبات بغير أرديتهن النقية، وحليهن من الصدف والزهر، ولا يتكلفن في سبيل عرض جمالهن أو وجاهتهن ما يتكلفن عندكم من استعارة الحلي، أو بذل الرخيص والغالي في انتقاء الأثواب المستحدثة بمستحدثات الموضات والبدع.
وكن يغرقن في الضحك، ويهزأن أشهر الهزء بأترابهن من الإنس عندما كنت أحدثهن عمّا يلاقين من عنت في سبيل استعارة الحلي، واستئجار الثياب بالأثمان الفادحة ليظهرن بالمظاهر التي يرين أنها تليق بمقامهن، واستلقت واحدة على ظهرها من شدة الضحك، وانتابت أخرى نوبة حادة من السعال لفرط ما أغرقت فيه عندما كدت أقول: ((وأكثر الحلي المستعار معروف الهوية، واضح النسب لا يجهل مالكيه أحد في مجالس حفلاتنا. وإن بعضه مرسوم بإشاراتهم، منوطة به خيوط ملونة لتفرزه عن أملاك الغير وتعيِّنه عند الاختلاط)).
وقالت ثالثة وقد صكت وجهها بأطراف أناملها الرقيقة ((ولكن ألا يفقد الحلي ميزته في الوجاهة وهو يبدو منوط به أعلام صاحب الملك الغائب)).
وقالت رابعة وهي تمثل أمامي دور المرتاب المتشكك: ((إذا كان الغرض من عرض الأثواب الغالية، والحلي تأكيد الوجاهة والغنى. فأي غنى أو وجاهة يتأكدان بأثواب علتها علامات الإيجار ويوم العارية؟)).
قلت: إنه الاندماج في العادة يلغي مفعول العقل، ويُعطل ملكته. فأي عجب فيما ترين؟
قالت خامسة: ولكن الرجال.. أين الرجال عن هذا؟
قلت: أدرجتهم العادة فيما أدرجت، وتركت أكثرهم يئنون من فداحة وطئتها ثم يستأنفون سيرهم، تئن الجمال من ثقل أحمالها وأقدامها ماضية إلى نهاية الشوط. ستقول يا صاحبي إنني لم أكن وفياً في عرض مثالب قومي. والواقع أن الجن هنا لا تخفى عليهم أمثال هذه المثالب، وغيرهن فيما رأيت لم يزدن على أن مثلن دور تجاهل العارف الماكر، على أني شخصياً لا أرى رأيك في إخفاء آلامنا لنضيف إلى عيوبنا عيوب الرعديد الجبان. وحسبنا ما أمسكنا على طيه مئات السنين، فتركنا له فرصة التغلغل في أخفى أعماقنا. لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، ودعني لآرائي الشاذة؛ وإذا شئت فابك حياتنا وما فرَّطنا في جنب الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :414  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج