-16- |
صديقي: |
إني لقيتها!! |
ولقد لقيت بها فرصة لا يهيئها الزمان فيما قلَّ من فلتاته.. فقدَّرت أن في إفلات هذه الفرصة فواتاً لا تعوّضه فرصة أخرى، فاحتلت حتى تنحَّيت بها إلى ظل دوحة كانت أغصانها تتشابك فوق منحدر من منحدرات السيل الملتوية في بطن الوادي، وابتدرتها: |
- هبوب.. أترينني أُسيئك إذا صارحتك بأني أستجمل تقاطيعك الفاتنة، ومرآك الجذاب!؟ |
- إنه شيء لا يعنيني كثيراً إلاَّ إذا ترتبت على ذلك نتائج خاصة بي. |
- وهل لي أن أعرف نوع النتائج الخاصة التي تخشين أن تترتب على ذلك؟ |
- لا يجب أن تعنى نفسك بتفاسير تسبق دلائلها. وحسبك أني سأدعك تباشر خصوصياتك بالشكل الذي تراه لنفسك، وأن لا أعترض إلاَّ فيما يتناول شؤوني عند أوانه. |
- دعيني أفترض أنه سيترتب على هذا الاستعجال نتائج إيجابية لا بد منها لتدل على كرمك. فهلا يجب أن تكوني كريمة إلى حد يتفق مع سماحة هذا المحيا البريء الطاهر؟! |
هبوب.. إذا كنت لا تمانعين فإني سعيد بإخلاصي لك.. سعيد بحبك! |
- أهكذا.. وبمثل هذه الطفرة تقفز إلى ختام القصة قبل أن نبدأها؟ |
- لا أرى ما يدعو إلى اعتبارها قصة، حتى نفصل فيها بين المقدِّمات والمتمِّمات.. إن الأمر في رأيي أيسر من أن نطيل في شأنه أكثر ممّا أطلنا، وإن إجابة واحدة لا تخرجين فيها عن ((لا.. أو نعم)) كفيلة باختصاره في شكل لا تتَّسع آفاقه للمد والجزر. |
- أفي استطاعتك أن تصدقني الأمر في شأن إخلاصك؟ وتصارحني بحق، أأنت تحب في هبوب ما اعتبرته جمالاً في محيّاها، وفتنة في تقاطيع وجهها. أم هو الحب خالصاً لشخصها، مصروفاً فيه النظر عن كل ما حسبته يحملها ويغريك بها؟؟ |
- لا أكذبك أن في الأمر ما يشبه الإزدواج فأنا كإنسان.. يؤانسني الجمال وتستهويني تقاطيعه فأصبو إليه كشهي ممتع لذيذ، ويزدوج الجمال في صاحبه أمامي كما تزدوج الأقانيم كشاخص واحد لا يقبل التحليل والتفصيل. |
- وإذا في مثل هذا الشاخص دمامة تنبو العين عنها ألاَّ تكون دوافع الإغراء لاغية؟ |
- إنني لا أرى أن نتكلّف هذا التعسف، وأن نفترض في مناسباتنا السعيدة شقاءً يكدر لذاذتنا بها. |
- وإنني أرى أن تكون أصرح ممّا كنت.. أمفتون أنت فيما تراه جمالاً شاخصاً في مثالي، أم في مثالي مجرداً لذاته. |
- إنني على صبابتي بالجمال لا تستهويني فتنة مجردة عن نفس أطيب لعشرتها، وأنه بعد أن يفتنني الجمال اشترط فيه الشاخص الحبيب بعشرته، الكريم بخصاله. |
- يقولون إنه لا شرط مع الفتنة ولا تمييز مع الحب. |
- ذلك حب ابتدعه أحمق، وسايره فيه مجنون، وجاءت الأساطير بأباطيلها ومينها فشايعتها عليه وتركت الحوادث الكاذبة تروي من قصصه الخرافية ما ترك أثره في تفكيرنا.. فإذا نحا بنا الحب نحواً خاطئاً، فذاك نتيجة ما دسته الأجيال في أفهامنا من معاني الحب، وما طبعتنا به الرواية والقصة. |
قلت هذا وما لبثت أن رأيت أثر الدهشة لائحاً في جبينها الواسع، وما لبثت أن رأيتها تضع يدها في يدي لتقول: |
- سأستأنف معك الحديث في هذا الموضوع، في شكل مبسَّط تسمح به ساعة أخرى أطول من هذه فامنحني العذر، وستجدني حريصة على موافاتك حرصي على متابعة البحث. |
وشدَّت على يدي في حرارة المعجب، ومضت تتهادى في خفة القطا ورشاقته.. |
|