الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

-15-

صديقي:

طبت.

وعدتك في رسالة سبقت أن أتمم لك حديث الأستاذ في ندوة الجن، في موضوع المحظوظين في الحياة.

قال الأستاذ:

تلخَّص لدينا من جميع ما سلف أن وراء نظم الكون آماداً لا تنتظمها قواعد، وأنه قد تصادفك شخصية مهيبة، وأخرى ثقيلة الظل، وغيرها ذات مؤثر خاص، فلا تستنكف أن تترك علماء النفس يحاولون تعليل هذه الظواهر ما أمكنتهم المحاولة، فإذا أعوزهم التعليل أو قصُر عن إقناعك فلا تستكثر أن تُحيلها إلى آماد الكون المستغلقة والتي لم تنتظمها إلى اليوم قاعدة معينة.

وكذلك الشأن في المحظوظين. فليس لديك ما يمنعك أن تتعقب بالدرس والتمحيص كل الملابسات التي تحيط بالمحظوظ، والتي دفعت به إلى النجاح. فقد يكون من أصحاب الإقدام، وللإقدام قيمته في الحياة، وقد يكون لديه حصافة ذات اختصاص فيما يعالج، وللاختصاص قيمته في النجاح. وقد يكون له غير هذا أو ذلك من أسباب يطول استقصاؤها، فحاول أن تتلمس كافة الملابسات، وأن تستنتج المميزات المهيئة قبل أن تمضي مضي التيار العام، وقبل أن تحيل إلى الحظ كل الظواهر فقد يكون في هذا من الغبن وغمط الجد ما لا يتفق والعدل.

ولا مانع عندي إذا تعذر التماس المهيئات أن تحيل إلى الحظ ما تريد أن تحيل من توفيق ما دمت تعلم أنه ليس للكون من قواعد تنتظمها حدود. وما دمت تعلم أن المؤثرات الكونية لم تتكشف إلى اليوم جميع آفاقها، ولم تعرف بعد مدى وظائفها..

إذا كنت تستكثر أن تعنو لمُهيب بدون مبرر، ولا تستبعد أن تستثقل ظلاً، أو تستعذب روحاً لغير مميزات واضحة.. وإذا كنت تصدق أن عنصراً في الكون قد يستجيب لعنصر مفارق، ويتفاعلان في كهربائية خاصة، وإذا كنت لا تستنكر تأثير مادة خاصة في شخص ما بكيفية خاصة، فأحرى بك أن تمضي مضيك في هذا المذهب، وأن لا تجحد آية من آيات الله، ولا كوكباً من كواكبه، أو عنصراً من عناصر كونه، أو مادة ممّا خلق أودع فيها من الفعّالية ما تعلم وما لا تعلم، ومن الخواص ما لا ينتظم في قاعدة ولا يدخل تحت حصر.. ومن هنا نجم التوفيق فسمّيناه مرة بالحظ، وأخرى بالسعادة، وثالثة بمحاسن الصدف. وهو في مجموعه لا يبعد عن فعّالية جذابة ركِّبت في عنصره فقادته إلى النجاح.