شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-10-
صديقي:
عشت سعيداً.
أشاقك في رسالة أمس أن الجن يمقتون أخلاقنا، ويعيبون علينا هذه الأنانية التي شوَّهت كل معاملاتنا في الحياة؟ وصبغتها بالألوان القاتمة السوداء؟
لسنا الآن بسبيل مناقشة الجن، أو طائفة منهم، عن مدى الفرق بين حقائقنا وحقائقهم.. فنحن لا يجب أن نكون معنيين إلاَّ بأنفسنا؛ ودراسة حقائقنا في ضوء الوقائع والمشاهدات!
أكبر ظني أن النزاهة بمعناها الصحيح أهم ما ينقص العنصر الإنساني.
وإذا استثنيت الأنبياء وأفراداً قلائل درجوا في مدالجهم ظهر لك أن الأديان تعاقبت على إصلاح الناحية الخلقية في الإنسان، فأبى الإنسان إلاَّ أن يكون عنيداً عند أنانيته، منافقاً في سبيل رغائبه، يحتال لها بشتى أصناف الحيل، ويراوغ من أجلها ما وسعته الحيل؛ وأسعفته المراوغة والنفاق!
وتجد بعد هذا أو قبله مأساة المآسي في قصص المصلحين -فقد أدرج التاريخ صنوفاً أساءوا إلى الإنسانية أكثر ممّا أحسنوا، وحسبك تراجم الألوف ممن ثاروا على الجور والطغيان وندَّدوا بأعمال العسف والظلم. حتى إذا استجاب الناس لصرخاتهم، وثاروا لثورتهم. تكشفت حقائقهم عن ألوان أبعد ما تكون عن النزاهة والبراءة والإخلاص. وعدت ترى الجشع والأنانية، وعبادة الذات تحل محل البراءة الكاذبة، والاستنكار المزيف، والدعوات المضللة؛ ويطالعك إلى جانب هذا في تاريخ الإنسانية أبطال برزوا في ميادين العدل وحب النصفة.
لكنك لا تلبث أن تناقش عدلهم حتى يتراءى لك الزيف في الكثير ممّا برزوا فيه، ويتجلّى لك العدل لا يلوي على براءة مطلقة، إنه عدل لا يمضي في صراطه السوي إلاَّ إذا خلص من منافعهم الخاصة، ونصفة لا تستقيم حقيقتها إلاَّ إذا برئت من فوائدهم، أما إذا اعترض عدلهم عارض من ذواتهم فإن لمنافعهم المقام الأول من عنايتهم.. في سبيلها يتعسفون، ولحسابها يُسوِّفون ثم لا يبالون أن يتبنّوا كل ما يدعون إليه من دساتير، ويتأوَّلوا في تفسير كل ما وضعوا من مبادىء.
((والعدل في الأرض ويبكي الجن لو سمعوا
به ويستضحك الأموات لو نظروا))
وتجيء التربية في أعقاب كل هذه المحاولات فتدعو إلى صقل النفوس، ويتبجح أصحابها بقدرتهم على تهذيبها، ويدَّعي روّادها في أصقاع الأرض أن لتأثيرها مفعول السحر في تنشئة الإنسان الفاضل، ورياضته على أعمال الخير حتى إذا امتحنت الأحداث هذه الدعاوى، واختبرتها على محك الأيام ظهر مبلغ ما غشِيهَا من زيف براق، وبدا الإنسان من ورائها هو الإنسان، بكذبه وأنانيته المتطرفة.
وجاءت الوقائع بجميع المتعلمين، والمهذبين والمصقولين، والمثقفين بأعلى الثقافات وأسماها، فإذا هم لا تقل حقائقهم عن جبلة أول أناني عاش في الأرض، ولا يختلف طابعهم عن أول أفّاك عاش في أرباضها..
قتل الإنسان ما أكفره!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :387  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج