شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-31-
ترى أكان من الممكن أن يدور في خلد الرشيد -عظيم ملوك العباسيين- أن الحياة سيظلها عهد يصبح فيه الفرد من أوساط الناس أو عامتهم أكثر أبهة وأظهر ترفاً من الرشيد في عرش سلطانه؟؟
إن الفرد من أوساط الناس بيننا أصبح يملك الجهاز الذي يصله في بيته بما يشاء من أقاليم الأرض، وإنه ينعم في وقدة القيظ بالهواء اللذيذ البارد، ويتمتع في زمهرير البرد بالدفء الحاني.. فهل ظفر الرشيد سيد الأرض في عهده بما نظفر اليوم؟؟
إن الراكب بيننا إلى أبعد مسافة كان لا يحلم الرشيد برؤيتها يسعد اليوم بغرفة.. وثيرة لينة، ولا يعجز عن تكييف الهواء فيها بما تشتهي متعته، وربما عنَّ له أن يشنف سمعه بألوان من الطرب كانت تعز على منال الرشيد، فلا يكلفه هذا إلاَّ أن يدير مفتاحاً أو يضغط زراً.
وما بولغ في تخيله في عهد الرشيد من مضحكات الأساطير أصبح اليوم حقيقة راهنة يملكها الإنسان العادي، فلا نتكلف اليوم في تخيل البسط التي يطير الجان بالسفار فوقها من طرف في الأرض إلى طرف آخر ناء عنه. لأن سابحات الجو من الطائرات أصبحن مطايا ذلولات.. تستوي على متنها الجويرة من أتراب ماسحات البلاط في عهد الرشيد.
هانت زينة الأرض في عصرنا، وهان ترفها، وذلل الصعب فيها.. حتى وسعت كل مفلس، وظفر منه بما عز على ملوك الأرض قبلنا أن يظفروا به فهل من جديد بعد هذا؟؟
إن عقلاء الحياة يروننا سعداء بما ظفرنا في جدد الأرض.. أمّا المجانين من أمثالي فمشفقون ممّا بسطت الحياة، خائفون ممّا ذللت من أكنافها لنا.
إننا بعد أن استخذينا لترف الحياة، وألفنا رفاهها.. بتنا مكتظين فيها بالباهظ المرهق الذي يحثنا على السباق، ويشحذ عزائمنا للإيغال في الكسب، والمبالغة في التملك.. لنجاري بما نكسب، ونملك قطار الحياة السريع، ونظفر فيه بما ظفر أشباهنا من معاصري جيلنا.
لمثل هذا ناح النائحون، وأعلنوا أن خطر طغيان المادة ربما هوى بنا إلى قرار لم يسبق إلى مثله التاريخ.
وليسوا في هذا مغالين، فليس للروح أن تينع في منابت الإغراء، وليس لزهورها أن تتفتح في غبار المادة المعقود.
أيدعو المجانين إذن إلى إطلاق الحياة من لبوسها الحاضر؟؟ واستئناف الكرة فيها على نفس المثل التي عاشها أسلافنا قبل آلاف السنين؟
هذا جنون مركّب لا يقوله عاقل أو مجنون عادي.
لا بد للحياة إذن أن تسير في مدالجها، ولا بد لنا في سبيل التطور أن نتكلف بالمرهق الباهظ، ولا بد للحياة أن تسلس قيادها للمادة سواء كره المشفقون أو أشفق الكارهون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :411  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.