فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
-30- أعيان الحياة مجانين هذه حقيقة لها قيمتها في تسلية نفسي، وإدخال الطمأنينة إليها. يزهو فتى من أقاربي ببراعته في السيطرة على كثير من تصرفات رئيسه في العمل، ويرى أنه مدين في هذا لما وهب من لباقة ودهاء.. ولكني لا أرى رأيه. فرئيسه من أعيان الناس.. وأعيان الناس أوسع عقلاً من أن يشغلوا مَلَكَاتهم بتدقيق الترَّهات التي تهيئها لباقة المقربين، وأعجز من أن تشع أذهانهم لتحقيق نوازعهم، سيما إذا ملك الحب عليهم مصادر النقد وعطل فيهم مواهبه. أعيان الحياة مجانين إلاَّ إذا استثنيت النقّادة الجبار الذي لا تذهله الرقة، ولا يملك الاستخذاء الزائف عليه عواطفه، فيسلس القياد، وينصاع في بشر ولين إلى أول لبق يقوده في الحياة. إننا لو استثنينا أصحاب اللباقة من المقربين إلى أعيان الحياة على نسبة كفاءتهم في السيطرة على رؤسائهم، لانتهينا إلى نتائج يدهش لها العقل السليم، أمّا المجانين في رأي الناس من أمثالي فليس في الأمر ما يدهشهم، لأنهم يعلمون أن في مواهب العقول الكبيرة ما لا يميزها كثيراً عن مواهب العقول الصغيرة، وأن من أعيان الحياة مَن تلمس في تصرفاتهم ما يذكرك بتصرفات المجانين وفي أعمالهم ما لا يختلف كثيراً عن أعمال المجانين. ألم يحدثنا التاريخ عن أصناف من الناس كانوا يحتلون من الحياة مراقيها الممتازة، ومع هذا فقد كانت لبعضهم نوادر لا تتفق مع مراكزهم في الحياة، وكانت مواهب بعضهم رهينة بمشيئة أصحاب اللباقة من المزيفين والمخادعين؟ ألم تصادفنا أحداث الحياة بأعيان تركوا مواهبهم من العقل ألعوبة في أيدي تابعيهم أو القائمين بأمرهم، وعاشوا لا يملكون من تصرفاتهم إلاَّ ما رضيه صغار أتباعهم؟ إن في هذا ما يسرني كمجنون، لأن نطاق أصحابي من المجانين قابل للاتساع العظيم الذي يضم هذه الألوف المؤلفة من أصحاب العقول الكبيرة إلى حظيرتنا معشر المجانين.. فحيهلا بالأخوة، وألف مرحباً بأسيادنا الزملاء.
طباعة تعليق  القراءات :415  التعليقات :0
صفحة 63 من 114

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج