شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-6-
جاءني يشكو مر الشكوى من شقائه بعمله، وتربص رؤسائه به.
قلت له: إنه لا بد لك من هذا الشقاء ما دمت تشعر أن لك ذاتية يجب أن تعتز بها، وأنك شخص قائم بنفسك، لك كيانك المستقل وشخصيتك السامقة.
إنهم في العادة لا يغفرون لك هذا الاستقلال الذاتي بعد أن ألفوا أنواع الخنوع وفناء الذاتية من سائر أقرانك.
وقلت: أترى الآلات الكاتبة فوق مكاتبها عندكم، كيف تسلس لكل حركة تضغطها وتستجيب لكل لمسة تصادفها فتطبع الحروف، وتهيئ الجملة، وتنشئ السطر دون أن يكون لها حول فيما كتبت، أو مساهمة فيما أنشأت؟
كذلك يجب أن يكون شأنك بين يدي من تولّى أمرك من الرؤساء أو أنصافهم أو أرباعهم، لتحظى لديهم بالثناء على خلقك الطيِّع، وفناء ذاتيتك فيهم.
وقد تبدر لك البادرة فيواتيك في شأن أعمالك رأي لامع أو خطة صائبة، فلا تظهر بها كمفكر يدري كيف يخدم عمله، بل حاول أن تدسه في آثارهم بلباقة.. لينطبع باسمهم، ويصدر عنهم، ثم دلل به على حذقهم ومهارتهم؛ وثق أنهم سينسون أن الفكرة كانت من بوادرك، ويحمدون لك هذه العناية، وربما حفظوها في سجل العلاوات والترقيات.
أما أنك تريد إلاَّ أن تحدد لنفسك حقها ولشخصيتك كيانها فليس في ذلك إلاَّ أن تفقد ميزتك كموظف مطواع تستجيب للّمسة الخفيفة وتؤدي عملك بالسهولة التي تؤدي بها جميع الآلات.
إنني أعرف أكثر من واحد يعيشون حياتك التي تزهو فيها باستقلالك الشخصي دون أن يظفروا بنجاح يذكر، أو يصيبوا إقبالاً له قيمة، ولعل رؤساءهم كانوا معذورين عندما أهملوهم، لأن نظام الأعمال في الحياة لا يتسع في كل حقل إلاَّ لرأس واحدة تدير دواليب متعددة وآلات بالجملة.
ستقول إني مجنون لا يُعتد برأيي، وإني أقاسمك هذا الرأي وأعرف أن الحياة نفسها لا تواتي غير العقلاء في ألوانهم الخاصة!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :403  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.