إنه سيترك البلاوي لأصحابها |
دعونا نمشِ في نشاط.. فحاجتنا إلى النشاط في أفكارنا، وأجسامنا، وأعمالنا لا تُقاس بها حاجة في أكثر مناحي حياتنا الجديدة. |
أترى هذا الشاب القادم على كثب منك؟.. أترى أقدامه كيف تزحف في تراخٍ كما تزحف أقدام المُسن المُرهق؟ أترى قامته المنحنية ورأسه المُطرق وهامته المتخاذلة؟ |
إنه الفتور بمعانيه الواضحة، وإنه الانحلال الصحي الذي لا يتَّفق مع سن الفتوَّة وتطوُّر الشباب، وإنه الانحلال الاجتماعي الذي لا يتَّفق مع أحوال الأُمم التي تنوي مسايرة الحياة، والاندفاع مع صفوفها الأولى. |
إن الشباب الناهض يمتاز في الحياة بما يتدفَّق في شرايينه من دماء قوية تبدو آثارها واضحة في كيانه النشيط، وقامته المنتصبة، ورأسه المرفوعة عالياً، وخطواته الناطقة بعزم الشباب وقوَّته. |
إنهم يعنون في بلاد العالم المتمدن بمظاهر الفُتُوَّة. التي توحي إلى نفس الشباب معاني العزم، وتدربه على مواجهة الصعاب في هامة عالية، وهمّة شامخة، ودم فوّار! |
أما هذا الخطو المتخاذل في أعصاب محلولة، وكيان متهالك، وحركات متهافتة، فذلك لون من ألوان الضعف يُسيء إلى معنوية الشباب، ويُعطي عنه فكرة لا تتَّفق مع فتوَّته القوية، وعزمه الناطق!! |
فدعونا ننشط في أجسامنا ليثبت جماعة الشباب فينا حيويَّتهم الدافقة، واستعدادهم الحي لمزاحمة أمثالهم في معترك الحياة الداوي! |
ودعونا إلى جانب هذا ننشط في أعمالنا.. فقد مضت العهود التي كان يكفينا فيها الإنتاج السنوي من مواسم الحج لنعبث بعدها لاهين بالترَّهات، والرحلات بين الضواحي والبساتين.. نُنفق عن سعة، ونقضي أيامنا، وليالينا لاعبين في براءة الأطفال، وسذاجتهم!! |
مضت العهود التي كان مبلغ همنا فيها أن نستعطي المحسنين من أثرياء الحجاج، أو نحتال لنظفر باسم الكعبة والحرم على أكبر قسط من الأرباح التي تُعين بلادنا على شراء معظم ضرورياتها من الأسواق الخارجية.. وحلَّت محلَّها عهود تفتَّحت فيها أمامنا الآفاق، وأصبحنا نُدرك أن من العار أن نظل مستوردين؛ وأن نبذل مياه وجوهنا في ميادين العمل الرخيص.. لنجمع أوفر ما يمكن جمعه من الأموال، ونقدمه صاغرين إلى البلد المصدر الذي يمنحنا ضروريات العيش، ولوازم الحياة، ويُيسّر لنا أنواع الترف، وأنواع العبث ويساعدنا على قضاء أيامنا بعد المواسم في مرح الأطفال ولعبهم!! |
الاحتمالات لا تؤدِّي أمام عقله إلى نجاح مضمون.. لا لنقصان في الجرأة عنده فقط، بل لأن خياله لا يبعد إلى أكثر ممّا يقع عليه نظره. |
إن أمامه في بيئته المحدودة عشرات من أنواع الصناعات ألف رؤيتها، وفهم مدى أرباحها، وليس فيها ما يُغريه بمزاولة واحدة منها، لأن المشاهد من نتائجها لا يُغري باقتحامها فماذا يصنع؟ إنه سيترك (البلاوي) لأصحابها ويقنع بانزوائه حتى تصادفه مناسبة تُرضيه. |
هو ذا خمود الذهن الذي نُعانيه في مقدراتنا.. ولو درَّبنا عقولنا على النشاط، وعلَّمناها كيف تبعد في الخيال لاستطاع المفكِّر منا أن يتخطّى بخياله جميع ما عرف في بيئته من صناعات، وأبى إلاّ أن يبتكر لنفسه جديداً لم تتناوله الأيدي في بلاده بعد!! |
يستطيع العقل النشيط أن يخترع لنفسه فناً صناعياً لم تتناوله الأيدي.. وأمامه في ذلك ألوان لا يُحصيها عدد، لا تزال شائعة في مختلف أقطار العالم المتمدِّن، لا تُكلِّفه مزاولتها إلاّ أن يُنشط فكرة فيتبعها في مظانها من أركان الأرض، ويدرس حقائقها في إمعان وتبصُّر، أو يقاول بعض رجالها لينشئوا أركانها حيث يريد. |
لا يعجزنا أمام هذه المحاولات إلاّ أن نعطيها حقوقها من العناية، ونوليها تفكيراً نشيطاً لا يعثر خياله فيما ورثنا من رواسب الأجيال الماضية!! |
إنني لا أريد أن أُطالب في خطواتنا الجديدة بمخترعات لم يهتدِ إليها عقل البشر إلى اليوم لنسجِّلها بأسمائنا.. فتلك وثبة أخشى أن تكون أوسع ممّا تبلغه جهودنا في حركتنا الجديدة اليوم.. وذلك مدى لا ننكر أنه في حاجة إلى وقت أطول ممّا مشينا في نهضتنا.. فلنمرِّن أنفسنا على مزاولة ما سبقتنا إليه المصانع في العالم المتمدِّن كتوطئة لتدريب عقولنا على العمل، وتمهيداً لتثقيفها صناعياً.. لتقوى في أحد الأيام القريبة على الاستنتاج، وتجد من كفاءتها ما يؤهِّلها للاستقلال، وابتكار الجديد في ميادين العمل الواسعة. |
إذن فنحن في حاجة إلى تنشيط عقولنا، كما نحن في حاجة إلى النشاط في أعمالنا وأجسامنا لنُثبت أهليَّتنا للعيش في هذا المعترك الصاخب في أقطار الأرض.. فاحزموا أمركم يا قوم.. |
ودعونا.. نمشِ!! |
|