ما أحلى أن تخالفني في شرف!! |
ما أحلى أن نمشي في نظافة تؤهِّلنا للعيش الصحيح في الحياة. |
والنظافة التي نتمنّاها هنا ليست في الماء والصابون، وليست في الوجه والجسد، وليست فيما يؤكل أو يُشرب.. وإنما هي نظافة من غير هذه الأنواع.. نظافة مركَّزة في مواطنها من الضمائر والنفوس. |
ما أحلى النظيف الذي يعرف ما عليه لنفسه، وما عليه لبلاده، وما عليه لأولاده، وجاره وصديقه، وما عليه لشريكه وعميله وقرينه، وما عليه لرئيسه ومرؤوسه وزميله!! |
ما أحلى النظيف الذي يتحرّى الكلمة فلا يلفظها إلاّ صادقة، ويتحرّى الحركة فلا يأتيها إلاّ صحيحة.. يتحرّى ما وعد فلا يُماطل في الوفاء ويتحرّى ما ادّعى فلا يتكلّف الخداع والمين!! |
ما أحلى النظيف دائناً، ومديناً، والنظيف غنياً وفقيراً، والنظيف سائلاً ومسؤولاً، والنظيف قوياً وضعيفاً، والنظيف رئيساً ومرؤوساً. |
ما أحلى النظيف تاجراً وصانعاً، ما أحلاه مصدِّراً ومورِّداً، ما أحلاه بائعاً وشارياً، ما أحلاه قاضياً ومشرِّعاً، ما أحلاه على أي حال، وفي كل حال!! |
ما أحلاك نظيفاً في (دست) مركزك بين الأوامر والنواهي، وما أحلاك نظيفاً بين كتبك في النظام والقانون، وما أحلاك نظيفاً أمام دفاترك بين الواردات والنفقات، وما أحلاك نظيفاً في تعهُّداتك بين الواجب والمفروض، ما أحلاك نظيفاً على أي حال وفي كل حال! |
ما أحلاك نظيفاً وأنت لا تُبيّت قهري في باطل، ولا تتكلّف دحضي في ظلم، ولا تتعمد إساءتي في طغيان!! |
ما أحلاك نظيفاً وأنت تعرف أخطاءك فلا تُوارب فيها، وتعرف مواطن ضعفي فلا تستفيد منها، وتعرف وجوه الحق فيما أدَّعي فلا تأخذك العزة.. ما أحلاك نظيفاً على أي حال، وفي كل حال. |
ما أحلى نظافتك وأنت لا تستغل وجاهتك لكيد الضعيف، ولا يخدعك مركزك فتُشايع لقوي، ولا تُغريك ثقة أصحابك فيك فتنسى كل شيء إلاّ منافعك، وتهمل جميع المصالح إلاّ ما له علاقة بثرائك! |
كن نظيفاً، وثق أن الأيام دُول، وأن ما تستفيده اليوم بوجاهتك أو منصبك، ستخسر أضعافه إذا فاجأتك الأحداث أو عاكسك التيار. |
كن نظيفاً، وضعْ في حسابك أن وفاء الصدف للمحظوظين ما عاشوا لا يخدع التاريخ المنصف، ولا يُزيف حقائقه مهما بولغ في الطلاء، وأُجيد الغش.. فكن بريئاً للبراءة، وكن نظيفاً في كل حال وعلى أي حال. |
إننا نخطو اليوم وئيداً في ضوء فجر جديد.. أمّا آمالنا فقد سبقتنا إلى آفاق لا تدانيها مواقع النجوم بُعداً، فدعونا نؤهِّل نفوسنا لما أملنا، ونُعدُّها إعداداً نظيفاً صالحاً لما بتنا نحلم به من مجد في الحياة. |
إننا لا نجهل أن بلادنا اليوم تقع في مركز القطب من دائرة الحياة.. ذلك لأننا بتنا محسودين من كثير من أمم الأرض على ما نلنا من غنى، وما صادفنا من حظ.. وباتت أعينهم تُسلِّط أضواءها على كل حركة نخطوها لتستشف ما وراءها، وتعرف أي سبيل نحن سالكوه في جدد الأرض، وأي مدلج نحن دالجوه في آفاقها. |
لم نكن ملومين في أحد الأيام في جميع ما فرَّطنا في الحياة.. ذلك لأن شهرة بلادنا بالفقر في عهودها الماضية كانت وحدها كافية لما ننتحل من أعذار لأنفسنا.. كنا نقول، أو يقول غيرنا إن الفقر مطيَّة جميع الشبه سياسياً، واجتماعياً، وأدبياً. فماذا نقول اليوم عن أنفسنا وقد تفجرَّت الأرض عن ينابيع الغنى، وجادت بالملايين التي أوشكت أن ترفعنا إلى مصاف الأمم من الدرجة الأولى؟؟ |
ماذا نقول اليوم إذا اتهمنا متبجِّح في نزاهتنا أو أخلاقنا؟؟ |
أنقول إن الغنى أبطر بلادنا؟ وإن الثراء الذي يخدم أهداف الأمم، ويفتح عيونها على حقائق الحياة، عاد إلينا برد الفعل، وهيَّأنا لأسوأ ما تخشاه الأمم من أخطار؟؟ |
سيقول قائلنا إن هذا تسرُّع في الحكم، وإن النظر الرتيب الثاقب لا يُؤيِّد مثل هذا المذهب. |
وهو رأي له وجاهته.. فالأمم لا تُقاس أخلاقها بما يُصادفها من مفاجآت، لهذا فإنني لا أستطيع أن أستبعد أن ما نُعانيه اليوم من فَوْرة لا يعدو أن يكون أثراً من آثار الغنى المفاجئ، وأن الأيام القريبة المقبلة ستكفل لنا حياة الاستقرار، وتساعدنا على الخطوات الوئيدة الرزينة، وتفتح عيوننا على أفضل ما في الحياة من سبل، وأنظف ما فيها من أخلاق، وأحلى ما فيها من جمال.. وعندئذٍ سنكون أهلاً للمركز العالي الذي يجب أن نحتله بين أمم الأرض. |
|