شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ.. (الفتح: 29).
صدق الله العظيم
دعونا نمشِ
مضت قوافل الأمم تمشي نحو أهدافها في الحياة، فما يمنعنا أن نساير القوافل؟ وما يمنعنا أن نمضي وقد أشرق الصباح.
إننا نعاني أمراضاً مزمنة تأصلت أدواؤها في أعماقنا من ألف سنة فليس من اليسير السهل أن نتخلّص من كل أدوائنا طفرة واحدة، ولكنه ليس من العسير كذلك أن نلتمس العلاج الذري في عهد تيسرت فيه جميع الإمكانيات، وأصبح من المستحيل فيه أن نتعلل بذكر المستحيل!!
وأدواؤنا على كثرتها وتنوع أصولها يمكن تصنيفها في فصول محدودة إذا أردنا التحديد والاستيعاب، ويمكننا مباشرة علاجها في ضوء هذا التصنيف، فصلاً بعد فصل. إذا صَدَقنا النية وأخلصنا العزم.
لنبدأ ببيوتنا فبين جدراننا تدرج فلذات أكبادنا في مدالج لا تهيِّئهم للآمال التي نعقدها على رؤوسهم.
- يا حبوبتي! يا بنتي!! تعالي هنا يا قمر 14 يا بنتي!
أتدرون ما ابنتها هذه؟؟
لعلّكم تحسبونها فتاة، رقَّت أعطافها، ودقَّت أطرافها، ودار القمر في وجهها الفاتن!
لو كان الأمر كذلك لهان الخطب.. ولكن حبّوبتها هذه هي ولدها.. ولدها الذكر بكل ما في الذكورة من جفاف!!
إنها تريد أن تدلِّلَهُ، فلا يكفي أن تسمّيه حبيبها، بل تأبى إلاّ أن تؤنِّثه: حبوبتي!! ثم لا يُرضيها إلاّ أن تردف: يا بنيتي.. كأنها تخشى ألاّ تتأكد معاني الأنوثة بغير هذا الترادف.
هذه خسارة لا تعوضها الأُمة في فتاها الحبوب.. أو الحبوبة إذا تحرينا تصحيح العبارة الواردة.
داست أمه من حيث لا تشعر على رجولته المبكرة، وأوحت إليه بجميع المعاني التي تتنافى مع النضج، فإذا به وقد استوى مائعاً، سائل الأعطاف، ضعيفاً عن مواجهة الحياة.. فلا تثريب عليه لأنه (حبيب أمه.. أو حبوبتها المدلع).
وليس في الأمم الناهضة أم تدلل ابنها بمثل هذه المعاني المائعة.. لأنهم يتحاشون الإساءة إلى رجولته، ويأبون إلاّ أن يحاولوا بناء أطفالهم بأساليب فيها من مظاهر القوة والبأس أكثر ممّا فيها من معانٍ أخرى.. ((بكرة تسير عسكري.. وريني كيف تحط البندقية.. إرفع صدرك يا شاطر.. أيوه كمان إضرب برجلك، وامشِ زي ما يمشوا الضباط.. بكرة أشتري لك بدلة طيار؛ وأعلق لك النياشين!!)).
مثل هذه المعاني توحي إليه الكثير من حقائق الرجولة؛ وتبث في روحه ألواناً من البأس والقوة، وتساعد على تنشئته محكم البنيان متين القواعد؛ وتعده إعداداً ممتازاً لمواجهة الحياة.
وإذا عدنا مرة أخرى إلى طفلنا الحبّوب!! (حبيب أمه)، رأيناها لا تكتفي بإعداده المائع الذي أسلفناه، حتى تحوطه بالكثير من دلالها الفاشل: ((صمد راسك يا واد من البرد!! زرر صدرك يا حبيبي لا يصفقك الهوا!! لا تمشِ في الظلام يا واد.. خذ الفانوس في يدك!! بطِّل الكورة لا تعوِّر رجلك! غط راسك من الشمس لا تصرعك!!)) مع آلاف من أمثال هذه النصائح التي لا يوفيها حصر، ولا يحصرها عد. تنثال في معانيها إلى واعيته الخفية، فتترك أثرها الذي لا يمحى مع الأيام.. فينشأ ضعيفاً أمام البرد، هياباً من الشمس، يخاف الظلام ويتخيل وراءه الأهوال، ولا يجرؤ على الحركة النشيطة التي تجدِّد الدم وتدفعه قوياً في شرايينه.
إذا تعود الطفل هذا نشأ عليلاً تذوي نضارته الشمس، ويسيء مرور الهواء إلى صحته. وشب خاملاً لا تستخفه فكرة، ولا تغريه حركة، ودرج على الأوهام التي تتسع آفاقها للعفاريت والأشباح، وتضيق عن تصوير الأشياء بحقائقها المجردة.
فإذا رأيتني اليوم رتيباً أميل إلى الدعة، وأخلد إلى السكون في حدود وظيفتي، أو على مقعد دكاني الوثير، أو في ظل دهليز قصري؛ لا يستخفني تجديد، ولا أجرؤ على الحركة فيما يخرج عن نطاقي، ولا يتسع ذهني لغير ما ألفت في أفقي..
إذا رأيتني على مثل هذه الوتيرة، ورأيت غيري من الناهضين في الحياة يتكلّف الصعاب في سن ضاحك، ويجوب الآفاق إلى ما وراء المجاهل دون أن يهاب الحر أو يبالي بالقر.. ورأيته يقحم حياته في أشد الزوايا ظلاماً، ويمتحن كفاءته في أكثر الأمور غموضاً، لا يتعلل بفانوس أو شمعة، ولا يخشى على رِجله أن ترتطم..
إذا رأيتني كما أسلفت، ففتش عما تحت أثوابي.. إنك ستجد أمي، وستسمع صوتها يهيب بي: ((وه يا ولدي، وه يا حبيبي.. صمد رأسك من البرد.. زرر صدرك من الهوا.. لا تمشِ في الظلام قبل ما تاخذ الفانوس.. بطِّل الكورة لا تعوِّر رجلك)).
وإذا رأيت صاحبي الناهض فيما رأيت، فتطلَّع خلفه لترى أمه، وتسمع صوتها يدوي: ((ارفع صدرك يا شاطر.. أيوه كمان اضرب رجلك)).. ألا فليهنأ بصدره المرفوع، ورجله الضاربة.. وألف رحمة لرأسي المصمَّد وصدري المزرَّر!!
ولم تقتصر أمي على صيانتي من الحر والبرد، وحيازتي بعيداً عن مناطق الظلام المجهولة، بل تفضلت المسكينة فغذت خيالي بمئات القصص التي تمثِّل البعبع، وهول الليل، والدجيرة، في أساليب أخّاذة، وصور مثيرة تركت أثرها في نفسي.
فإذا رأيتني اليوم أتخيّل البعبع وراء كل خطوة لم أتعودها، وأخشى أن يفاجئني الهول مختبئاً خلف كل فكرة أرتادها في شؤون حياتي، ورأيتني أتصور الدجيرة آلاف الصور كلما غشيتني غاشية من صعاب الأمور ومدلهماتها..
وبالجملة.. إذا رأيتني اليوم أتردد في المواطن التي يعوزها الإقدام، وينتابني الوجل في كل خطوة أخطوها إلى ما لا أعرف..
وإذا رأيتني لا أطمئن إلاّ إلى ما اطمأنت إليه أمي قبلي..
فثق أنني لا أستحق لومك.. لأن حياتي لا تزيد في نظر الفلسفة الصحيحة عن كونها امتداداً طبيعياً لحياة أمي!!
فهل يرضينا اليوم ونحن على أبواب نهضة جديدة أن ننشئ أبناءنا مثل هذه النشأة العقيمة؟
إننا إذاً لغافلون.
نريد يا سيداتي الأمهات أن ننشئ أولادنا أقوياء أمام الشمس، أشداء في مواجهة العواصف، لا يثنيهم ضعف عن أشد الحركات عنفاً، ولا يخيفهم وهم في أحلك المناطق ظلاماً، وأبعد الأمور غموضاً.
نريدهم ليكونوا رجالاً بكل ما في معنى الرجولة من نضج واستواء. لتقوى سواعدهم على بناء المجد الذي نتمناه!!
فانهضوا للفكرة.. ودعونا.. نمشِ!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :823  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج