شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هَل نقضي على شرُور العَالم؟
(3)
قال صاحبي: كنت تحدثت إليَّ قبل اليوم عن دورات في الدماغ طبيعية تنتج لدى تحريكها سلوكاً عدائياً. وقلت إن البحوث الجديدة تحاول اليوم أن تتحكم في هذه الدورات عندما تسلط تياراً كهربائياً على منطقة معينة من الدماغ فيقضي التيار على بواعث الانفعال فلا تلبث أن تهبط حرارتها إلى ما تحت الصفر.
وقلت إن ثمة محاولات أخرى تستهدف علاج أدواء الشر وما يدور في فلكها من معاني الغضب والاعتداء والحقد وهي تتلخص في إعطاء جرعات من هورمون معين تقضي على بواعث الغضب والشر وهي محاولات لا أنكر عظيم فوائدها لمرضانا من الحمقى والغضوبيين وأصحاب المزاج الحاد.
ولكنك قلت إن البحوث عندما اتسعت أوشكت أن تنتهي إلى ابتكار مفاعلات مضادة للعداوة، وأنه سيصبح في الإمكان إيداع هذه المفاعلات خزانات مياه الشرب العامة إلى أن قلت ما أحلى أن يشرب العالم كل العالم ماءه ممزوجاً بهذه المفاعلات المضادة للعداوة لتلغي سائر أنواع الحروب. ويعيش الناس آمنين قابعين في أوطانهم.
فهل يعني هذا أن عمران الكون يتفق وهذا السكون الوادع الذي يقضي على الانفعالات النفسية؟
قلت إنك تتفلسف منذ اليوم، وفي فلسفتك كثير من العمق. فالواقع أن القضاء على كثير من التفاعلات النفسية قضاء على روح التنافس في الحياة.
ولست أشك أن القضاء على التنافس مجبنة تتقاعس لها الهمم وتتخلف بأسبابها مقدرات الأمم التي عاشت تتسابق في مجالات التقدم.
لست أنكر أننا ونحن نقضي على تفاعلات النفس ربما قضينا على كثير من طاقات العقل وتركنا نوازع الطموح الشخصي تسترخي في هدوء رتيب لتحلم بأحلام الكسائي.
لست أنكر هذا ولكنني أنكر في الوقت نفسه أن يعيش العالم -كل العالم- تحت رحمة مزاج دعاة الحرب.. نتركهم لأعصابهم تتوتر في أدنى مناسبة وتحتد لأول بادرة ينفعلون فيها فيشعلونها ناراً تأكل الأخضر واليابس.
ويمتد لهيبها إلى البعيد والأبعد، فإذا هي أتون لا حد لسعته يقاسي لظاه البريء كما يقاسيه الجاني وتعاني مرارته الثكلى واليتيم والعاجز وتتسع مساحته باتساع أكبر رقعة ينالها اللهب المتصاعد ويقضي على أهلها بالفاقة والتشرد والجوع.
إذا ساءك يا صاحبي أن يقضي العلاج على بواعث الشر بصورة جماعية شاملة خشية أن تقضي على روح التنافس فلا أقل من أن نبتر رؤوس الشر من دعاة الحروب بجرعات من علاجنا الجديد لنستل سخيمة العداء من نفوسهم فنخفف بذلك ويلات الحروب ونهدي ولو بعض الاطمئنان لحياتنا في الأرض عسانا نأمن بذلك ولو بعض الغوائل الفاجعة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :397  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 154 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج