الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

هَل نقضي على شرُور العَالم؟

(1)

قال صاحبي: بُليت بجارٍ لي غضوب، لا يكاد يعقل ما يفعل إذا تملكه الغضب فنحن نعايشه في خطر ولا نأمن على أنفسنا وأولادنا إذا ثارت به ثائرة الغضب، وهو مع هذا رقيق الحاشية، ودود إلى أبعد حدود الود إذا زايله الغضب.. إلى أن قال: وأحلف أنني لو ملكت بسطة في الرزق وتهيأ بي من يحسن علاجه لما بخلت عليه بأثمن ما أملك براً بجيرته وتقديراً لوداده.

قلت: لقد سبق للعربي القديم أن قال:

لكل داء دواء يستطب به

إلاّ الحماقة أعيت مَن يداويها

وليس الغضب بمثل هذا المنوال الذي تصفه إلاّ نوع من الحماقة.. فالحماقة فساد في العقل ولا فساد في العقل أبرز مما تشاهد من تصرفات جارك الغضوب.

ولكن مع هذا فليس لك أن تيأس -إذا جادك الرزق- من علاج صاحبك الغضوب. فقد مضى العهد الذي يئس فيه الشاعر العربي من علاج الحماقة أو الجنون وأعلن أنها أعيت من يداويها.

مضى ذلك العهد ونحن اليوم نعيش في عصر الذرة وغزو الفضاء وإطلاق الصواريخ.

لقد نوقشت أمثال هذه الأدواء وما يدور في فلكها من معاني الغضب والاعتداء والحقد في مؤتمر باريس دعا إليه اليونسكو تحت عنوان أبحاث الدماغ.

وتداول العلماء آراءهم في الموضوع فأكد بينهم مَن أكد أن ثمة دورات في الدماغ تنتج لدى تحريكها سلوكاً عدائياً. وقال: إن في استطاعة البحوث الجديدة أن تتحكم في هذه الدورات فتسلط تياراً كهربائياً على منطقة معينة من الدماغ عندما تنتابه انفعالات مؤثرة فيقضي التيار على بواعث الانفعال، فلا تلبث حرارة الانفعال أن تهبط إلى درجة تحت الصفر فيبدو الشخص وكأنه إنسان عادي يتمتع بأقصى درجات الهدوء ويتجاهل كل مؤثر كان يثير حنقه قبل ثوانٍ من إيصال التيار.

ويؤكد هذا أنه بتجربة التحريك الكهربائي في دماغ حيوان ثائر شعر أن انفعالاته بدأت تتضاءل. ثم ما لبث أن تملكه هدوء غريب أشبه ما يكون بهدوء المخدر ولكن مفعوله لا يتطاول إلى مفعول المخدر في الجسم؛ لأن حواس الحيوان ظلت حية على حالها ولم تتغير فيه إلاّ عوامل الثورة التي كانت كما يؤكد تتفاعل في منطقة معينة من دماغه.

وبعد فإذا صحت نتائج هذه التجارب فهل سيظلنا يوم نقضي فيه على شرور العالم، ونستل سخائم المجرمين والآثمين وموقدي نار الحروب في كل أقطار الأرض؟