شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أَلا نستخلص الأَدوية من أعشابنا
قال صاحبي: يبدو أن الكثرة الكاثرة من الأدوية التي تقدمها الصيدليات في شكل أقراص أو أشربة أو مساحيق أو دهان يمكن أن نستغني عنها أو أكثرها بما ينبت في جبالنا وودياننا من أعشاب. فما يمنعنا أن ندرس خواصها ونستخلص منها ما نحتاجه لعلّنا نستغني عن كثير ممّا نستورد من شركات الأدوية ولا سيما وقد بدأت طلائع شبابنا من خريجي كليات الصيدلة يثبتون وجودهم بيننا.
قلت: هذا ما نرجو تحقيقه في نهضتنا الجديدة. فقد عاشت الأعشاب أحقاباً طويلة من عهد الآشوريين والبابليين إلى عهد قدماء الفراعنة والهند والصين إلى أن تألقت حضارة العرب.
عاشت الأعشاب مصدراً لتحضير الأدوية في صور وأشكال كانت تعالج ألوف الأمراض وألوفها، وعندما انتقلت أسرار الأعشاب ووسائل تحضيرها إلى بلاد الأندلس استطاعت أوروبا أن تحتك بصنّاع الأدوية فيها وكانت ثمة مدارس في حواضر الأندلس لتخريج الصيادلة.. اتصل بها بعض الإيطاليين والفرنسيين ونفر من أهالي أوروبا الوسطى فتخرجوا فيها وهم يجيدون أسرار أكثر الأعشاب ووسائل تحضيرها ثم كانت الحروب الصليبية فاختلط المعنيون بأكثر أعشاب الشرق وأدركوا كثيراً من أسرارها واستطاعوا أن ينقلوا إلى بلادهم كثيراً من أنواعها وبدأوا في تحضير أدويتهم منها حتى لقد جاء في تاريخ الصيدلة أن أول صيدلية عرفتها أوروبا بدأت أعمالها في القرن الثالث عشر وشرعت تبيع الأدوية مستخلصة من أعشاب شرقية على طريقة ما كان يجري في الأندلس.
ومن المسلَّم به أن خصائص الأعشاب فن لا نهاية لبحره الزاخر. فقد أثبتت التجارب أن عشبة واحدة تنبت عفواً في منحدر صخري أو يباب قفر ربما جمعت من الخواص النافعة ما لم تجمعه عدة قناني في دكان الصيدلة! وأن منقوع زهرة ممّا تكتظ به السفوح ومشارف الوديان عندنا ربما نفع في علاج أكثر من مرض بصورة لا يقدرها إلاّ باحث عميق الدرس.
إن أوروبا بعد أن أخذت عن الشرق تجاربه في علم الأعشاب ما لبثت أن توسعت في دراستها حتى تهيأ لها من نحو قرن وبعض القرن أن تحلل المواد الفعّالة في أكثر الأعشاب، وبذلك بدأ علم الأعشاب يتضاءل لتحل محله عمليات التركيب الكيماوي. ومع هذا فلا تزال بعض الحالات المرضية تستعصي عليهم فيعودون إلى تجاربهم في الأعشاب ليستخلصوا منها ما تعذر عليهم استخلاصه من تركيبهم الكيماوي.
لا أعني بهذا أن علينا أن نربط مفاهيمنا بتجارب قرون مضت دون أن ننفك عما استنتجت تلك القرون.. لا.. ولا أعني أننا يجب أن نعيش عالة على ما انتهت إليه أوروبا في مصانعها الكيماوية، ولكنني أعني أن بلادنا مفروشة بأنواع من الأعشاب لا تعرفها أوروبا في أشكال لا يوفيها عد ولا حصر. فما يمنع شبابنا من خريجي كليات الصيدلة أن يستأنفوا الشوط من حيث انتهى الأجداد ليستنتجوا دراسات جديدة ويستخلصوا من الخواص ما لم يهتدِ إليه غيرهم من قبل فيبتكرون من أنواع العلاج ما يثبت وجودهم ولا يعجزهم بعد هذا فيما أعتقد أن يُحللوا المواد الفعّالة في أعشاب لا تنبتها قفار أوروبا ليعملوا على تركيبها في معامل كيماوية بصورة نغزو بها بلاداً عاشت تغزونا بمنتوجاتها. فقد آن أوان الجد وحمّت الحاجات والليل مقمر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :416  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 151 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.