شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفِدائيُون الفلسْطينيُون
قال صاحبي: يسألني عن رأيي في العمل الفدائي الفلسطيني.
قلت: أنت في سؤالك يا ابن أخي شبيه بمن يسأل ما رأيك في الفوائد التي نجنيها من الشمس!
ثق أنني أعجز من أن أحصي لك فوائد ما نجني من الشمس، كدأبي وأنا أتهيأ لإجابتك عن رأيي في أعمال فدائيّي فلسطين بعد أن نذروا أنفسهم لبلادهم وباعوها في سبيل الله.
أتراني أحسن الإشادة بقوم وضعوا رؤوسهم في أكفهم، وتقدموا بها في بسالة لا يبغون من وراء جرأتهم إلاّ أن يموتوا أو تعيش بلادهم حرة؟
أتراني أحسن التعبير وأنا أصف ليوثاً أبوا إلاّ أن يثيروها جذعة في وجوه الغاصبين، وقد استطاعوا رغم قلتهم ورغم فقرهم إلاّ من إيمانهم بحقوقهم أن يقضّوا مضاجع العابثين، وأن يسلبوهم أمنهم وهناءتهم.
صدقني يا ابن أخي أن ما فهمته من بعض أعمالهم لا يُقاس بما أعرفه عن أشد الحروب ضراوة وأقساها مرارة.
إنها أعمال جن مستنفرة فرّت من قسورة. لقد قيل إنهم أبطال ولكنهم ليسوا كالأبطال.. وقيل إنهم رجال ولكنهم ليسوا كالرجال.
قيل إن لهم كياناً ولكنه ليس ككل كيان.. وإن لهم تكتيكاً ولكنه ليس ككل تكتيك، وإن لمسيرتهم رعباً ولكنه ليس ككل رعب.. وإنهم مع هذا وبكل هذا لا يكادون يُعرفون إلاّ بآثارهم وما تركوا خلفهم من خراب ودمار في حصون المعادين ومعاقلهم.
أتدري يا ابن أخي أنهم لا يضعون عيونهم على منطقة حتى يهبطوها هبوط الليل، وينسلوا خلالها انسلال الأشباح، يبثون الألغام ويشعلون الحرائق، ويدمرون أقوى العتاد.. ثم لا يلبثون أن يتبخروا كما يتبخر الغاز في الهواء الطلق.
أتدري أن لهم خرائط مدروسة تشير إلى المواقع التي تسلكها دبابات العدو، وأن لهم تعليمات دقيقة تحدد ساعة الصفر، وأن بين جنوبهم أرواحاً لا تعرف الهزيمة، ولا تقر التراجع! فلا تكاد مسيرة الدبابات العاتية تنطلق في طريقها حتى تنطلق معها متفجرات المترصدين من كل صوب، فإذا دويٌّ هائل يمزق الصمت، وإذا قطع من الحديد تتطاير في الأفق وإذا غمامة كثيفة من الدخان تحجب الشمس ولا يكاد ينجلي الغمام حتى يتكشف عن أوصال الدبابات وقد تناثرت بين معارج الطرق. وأشلاء الظالمين.
إن أبطالك الفدائيين أحالوا ليالي العدو إلى قلق دائم تتراءى لهم فيه أشباح مخيفة وخيالات مروعة، وليس كالقلق ما يثير الرعب ويحقق الهزيمة.
ألا فاصبر وما صبرك إلاّ بالله.
ثق يا ابن أخي.. إنهم بعون الله عائدون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :447  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 150 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج