شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَكتَبة المثقف عنوانهُ الصّادق
قال صاحبي: ما جمعني جامع بصديقك فلان إلاّ رأيته يتأبط كتباً اشتراها من يومه.. ربما مر بي في الشارع أو رأيته في مكتبة أو صادفته وهو يركب سيارته، ولا أذكر مرة أني شهدته خلواً من مجموعة كتب تصحبه، كما لا أذكر أني سألته مرة إلاّ ليجيبني أنه اشتراها لوقته.. فأي وقت يتسع أمامه لقراءة كل ما يشتري؟ وأي دخل يكفيه لتغطية كل ما يشتري.
قلت: أمّا أن وقته لا يتسع لقراءة كل ما يشتري فهو لا يشتريها ليقرأها في يومه، وإنما هي ذخائر يكنزها لفراغه على مدار العام وما يتلوه من أعوام.. وأمّا موضوع دخله فمدى علمي أنه ينظم موازنته بشكل مقدر مضبوط وهو يعطي منها بند شراء الكتب أوفى رقم يستطيعه.. والطريف في أمره أنه ألغى في سنيه الأخيرة عادة شرب الدخان، وألغى كثيراً من كماليات الحياة التي رأى أن في استطاعته الاستغناء عنها ليوفر بنودها الخاصة فيضيفها إلى البند الخاص بشراء الكتب وقد سمعته مرة يقول: إن حاجتي إلى الغذاء الذهني لا تعادلها حاجة في سائر شؤون الحياة.. وهو من أجل هذا لا يجلس إليه جالس ليناقشه في أي فرع من فروع الفكر إلاّ وجده ضليعاً نادر المثال وما عنّ له قط أن يحاول كتابة بحث من هذه البحوث التي تعود كتابتها إلاّ استطاع أن يوفيه شمولاً وغزارة لا تتهيأ لكاتب عادي.
ثم لا أرى وجهاً للغرابة, فالمثقف الضليع لا يواجه الحياة بسائر ألوانها إلاّ من خلال مكتبته العامرة بصنوف الأفكار والمفاهيم. إنه وهو يقتعد مقعده من غرفته أو مكتبته في ظل رفوفها وخزاناتها يستطيع أن يحلّق في أبعد أجواء الفكر الإنساني وأن يحتك بأحدث مفاهيمها الحية ويخالط آخر تطوراتها.
إن صاحبنا لم يفعل جديداً فقد عاش العقاد رغم دخله المحدود -إذا قيس بأصحاب الأرباح الكبيرة- ينفق شهرياً على شراء الكتب ما يقدر بثلثي مكاسبه كما يقول بعض العارفين. استغنى عن كل أنواع المكيفات، وتحاشى جميع الكماليات، وأبى على نفسه أن يكون له أسرة ترهقه نفقاتها؛ ليصبح كسبه بعد كفاف العيش وقفاً على اقتناء الكتب! وبذلك توافرت له مكتبة قل أن يضاهيها مثلها حتى في الدور العامة التي تشيدها الحكومات للمطالعة.
وبهذا استطاعت مكتبة العقاد أن تجمع تكويناً هائلاً وأن تهيئه لقيادة الفكر في بلاد الشرق العربي، وأن تعده ليناقش من فلسفة الحياة ما لا يضاهيه فيها منازع حتى أثبت وجوده بين فلاسفة العالم، وأصبح أكاديمية قائمة بذاتها يعترف بها أساطين الفكر في أمريكا وأكثر بلاد أوروبا، وبات وثيق الصلة بمشاهير العلماء والفلاسفة في أشهر البلاد الراقية. وكان بريده اليومي يرهق سعاة البريد لكثرة مراسليه في الآفاق من طلاب المعرفة وهواة النقاش وكبار المؤلفين الذين يبادلونه هدايا الكتب والمؤلفات.
إن مكتبة المثقف هي عالمه الذي لا تحده حدود، وهي جهازه الكوني الذي يصله بكل ما في الكون من معارف الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :401  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 143 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج