شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المبَادئ الحَديثة الثابتة
قال صاحبي: ما عجبت لشيء عجبي لأصحاب المبادئ، يثبتون عليها مهما نالهم في سبيلها، ويقفون لعقائدهم محتسبين ما يصيبهم دون أن يبالوا بما يتعرضون له من إحن.
قلت: إن الثبات للعقيدة احتساباً لله ذكّرني بثبات ابن حنبل للعاصفة الهوجاء التي كادت أن تزلزل عقائد الجماهير يومها، وأن تبيح للفلسفة مجالاً واسعاً على حساب مبادئ الدين الصحيحة.
وأنت تعرف من هو ابن حنبل علماً وفضلاً واستمساكاً بما ورث من صحيح الحديث.
كما تعرف أن حركة الاعتزال كادت أن تقوم في عصره بدعوى حرية الرأي والتوسّع في مجال الفلسفة على أنقاض المبادئ الدينية التي ورثها كبار العلماء وضخ وهجها في صدور الجماهير المسلمة التي توارثت إيمانها عن مصادره اليقينية وأنه لولا ثبات ابن حنبل على رأس بعض أصحاب اليقين من أمثاله لانصرف معظم المسلمين عما ورثوا من الكتاب والسنّة وقلدوا نظريات تقليدية لا يقرها عقل سليم.
لقد صدرت الأوامر يومها عاتية صارمة بأن يشايعوا فلسفة خلق القرآن أو يعذبوا فانهزم أمام هذه الصرامة علماء كان لهم شأنهم ولزم آخرون بيوتهم ينشدون السلامة أما ابن حنبل فقد وقف للمحنة وقوف الهزبر الشجاع، فقد أرادوه إلاّ أن يقول بما لا يعتقده من قولهم فأبى إلاّ أن يحتسب ما يلاقيه في سبيل عقيدته وإيمانه.
أمروا بأن يثقل عليه بأغلال وأن يرحل من بغداد إلى طرطوس فلما أنيخ الجمل لركوبه تعذر عليه أن يستوي فوقه وهو في قيده من الأغلال فأبى المشرف على رحاله أن يساعدوه في الركوب فحاول المستحيل حتى استوى على ظهر الجمل بعد أن قاسى من الآلام ما لا يطاق واحتسب أكثر من هذه الآلام طيلة أيام المرحلة حتى انتهى إلى طرطوس حيث ترك فيها يتلظّى بوقدة الشمس الحارة وهو مع هذا صائم فلم يرحموا صيامه ولم يرأفوا بضعفه بل زادوا في نكالهم عندما وكلوا به بعض الحرس يتناوبون على جلده بالسياط حتى سالت الدماء من ظهره وهم مع هذا ينادونه أن يعتق نفسه من العذاب، فيعترف بخلق القرآن فلا يزيد عن أن يهيب بهم: (أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله حتى أقول به).
ورأى المشرف أن يستعين بكبير من أصحاب القول بخلق القرآن لعلّه يقنعه بسداد النظرية فشرع يناظره بما حذق من علم الكلام فصاح به ابن حنبل: (إنني لا أدري ما تقوله فأعطني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله حتى أقول به) فقال له بعض الحاضرين بعد أن شهد ما يقاسيه من آلام العذاب: إن غيرك لم يتعصب كما تعصبت أنت في هذه المسألة فردّ عليهم (إن هذا ليس دليلاً على صحة المسألة أعطوني ما أستدل به من الكتاب والسنة).
ثبت ابن حنبل عند عقيدته بصورة غريبة المثال، فقد كان يغمى عليه من شدة الضرب حتى إذا أفاق تقدموا إليه ببعض الماء ليشرب فكان يرفض لأنه ممسك على صيامه، وعندما يئسوا منه لم يروا بُداً من تركه لينطلق إلى بيته على أن يظل حبيساً فيه! هذا هو الثبات ميزة المؤمن الصادق فما أحوجنا أن نجعل من قصته مثالاً لأنفة المؤمن وصبره على لأواء المحن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :348  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 130 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج