شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بَينَ الحضَارتين العَربيّة والأُوروبيَّة
(1)
قال صاحبي: ما بال بعض الأوروبيين ينكرون على العرب مركز الأستاذ الذي علّم أوروبا يوم كانت أوروبا غارقة في جهلها، ممعنة في بداوتها لا تكاد تتصل بأي نموذج مبتكر ممّا صنع العرب حتى تظنه لوناً من السحر نفث فيه الشيطان.
قلت: ليس هذا دأب كل الأوروبيين: فبينهم مَن لا ينسى فضل العرب على حضارة أوروبا، ويعترف لرجال الفكر العربي بأثرهم في كل ما تميزت به أوروبا اليوم.
وأحسبك قرأت مؤخراً ما ناقشه الأستاذ الفرنسي مونتيل في محاضراته التي أُذيعت من باريس ونقلتها عدة صحف بعدة لغات منها العربية.
لقد قال الأستاذ فيما قاله عن أثر العرب في حضارة أوروبا.. إن بيننا معشر الأوروبيين وبين العرب أواصر رحم روحية وعقلية، وليس من يتفحص الحقائق ويتمعنها إلاّ أن يدرس خيال الظل في كل ما أنتج الفكر الأوروبي ليدرك مبلغ الصلة بين الحضارتين العربية والأوروبية.
وقال: إن علينا أن نفسر المدى الحضاري الذي بلغته بغداد في عهدها الزاهر والمجال العقلي الواسع الذي احتلت قرطبة صدارته في عصرها الرائع لنتبين مبلغ الأثر الذي انتهى مداه إلى أقصى بلاد أوروبا.
ذلك الأثر الذي جعل أحد الباباوات يعلن في تذمُّر نعيه اللغة اللاتينية في خطاب قال فيه إن اللغة اللاتينية كادت تنطمس في الأوساط الدينية فكلهم يتكلمون باللغة العربية ويكتبون اللغة العربية.
إلى أن يقول المحضر: إن القرون الوسطى المسيحية كانت غارقة في قراءة نوابغ الفكر العربي، فإن كتب ابن سينا والفارابي وابن رشد نقلت إلى اللاتينية وأصبحت أوروبا من حدودها في الشمال إلى أقصى الجنوب تفكر بعقلية العرب وتناقش في مفاهيم العرب.
ولقد كان الأوروبي المطَّلع إذا قرأ ما ترجم من كتب الفقه الإسلامي يستطيع أن يعتز بثقافته بين جماهير معاصريه، وإذا قرأ ترجمة مقدمة ابن خلدون تكشفت له من حقائق الاجتماع ما يذهل له مستمعوه.
وقلت لصاحبي لعلّك لا تستغرب عناية الأستاذ مونتيل ببغداد وقرطبة بين مئات المدن الإسلامية العربية التي ازدهرت فيها حضارة الإسلام.
ولكن سوف لا يطول عجبك وأنت تعلم أن أمهات المدن الإسلامية والعربية كانت جداولها تصب في بحر بغداد وأن كثيراً من نوابغ الفكر الذين ازدحمت بهم بغداد شعروا بضرورة البحث عن منأى قصي يجدون فيه مجالاً لا يزدحم بغيرهم فكانت قرطبة التي فتحت صدرها لكل نابغة طارئ حتى جارت بغداد في زحامها بالنوابغ، وحتى قيل إن بعض نوابغها ورّث خلفه تسعين كتاباً مخطوطاً تناولت شتى ألوان المعارف وأن أحد خلفائها كانت مكتبته الخاصة تحوي أربعمائة ألف كتاب أباحها لكل مطلع ورتب لها من كبار المؤلفين والفلاسفة في عصره من يتزود من معينها لمؤلفاته ومذكراته فكانت نهضة نادرة المثال فاضت جداولها على أكثر مدن أوروبا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :402  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج