شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفتوّة في بغْدَاد
كنتُ كتبتُ قبل اليوم وبمناسبة شهر رمضان عن السُنَّة التي سنَّها الخليفة الناصر لدين الله في مثل هذا الشهر المبارك ودعا لتأسيسها في حواضر الإسلام.
تلك هي سنة نظام الفتوة الذي اقترحه بعض أشراف بغداد بدافع من غيرتهم على الشاب المسلم الذي غمرته المدنية يومها فماع في ترفها وكاد يفقد أصالة العربي المسلم المعروف بإقدامه وبسالته.
ويهمني هنا أن أشير إلى ما رواه التاريخ عن الحماس البالغ الذي بدا به الخليفة الناصر. فقد ذكر أنه سجل اسمه بين جماعة الفتيان في بغداد، وفرض نفسه أن يبرز أمام الجماهير في أكثر من مناسبة وهو يرتدي شعار الفتوة الذي التزم به الفتيان في مجتمعاتهم.
ونستطيع أن نستمع إلى الرحالة المعروف بابن جبير وهو يصف الناصر لدين الله، ويقول ابن جبير بعد أن وصف ما شاهده في مجلس الناصر لدين الله إنه كان لابساً ثوباً أبيض شبه القباء مُحلّى بخيوط ذهبية وعلى رأسه قلنسوة مطوقة بوبر أسود. وكان القباء المطرز وكانت القلنسوة المطوقة شعاراً اتخذته جماعة الفتيان وكانت بعض الجماعات تضيف إليه حذاءً طويلاً من الجلد ليقوى على الحركات الخشنة التي كانوا يمارسونها، وأعتقد أن فكرة الحذاء الطويل انتقلت بعد هذا العهد إلى الجيوش النظامية في أكثر الدول.
وجاء في كشف الظنون لحاجي خليفة أن الاحتفال بدخول الشاب في سلك الفتوة كان يقضي أن يشرب الشاب كأس الفتوة ماءً نميراً وأن يلبس سراويل خاصة بها.
وكان المفروض على أصحاب السلك من رجال الفتوة أن يتدربوا تدرباً متواصلاً على فنون الرياضة كوسيلة لتقوية أجسامهم وإعدادها للأعمال الشاقة.
وإذا كان فتيان العرب قد مارسوا قبل هذا العهد التدريب على ركوب الخيل وطعن الرمح وضرب السيف والرمي بالسهم فقد أضيف إلى نظام الفتوة في هذا العهد رمي البندق.
وليس هو البندق الذي نعرفه اليوم بشكله الماثل، وإنما هو كرات دقيقة كانوا يصنعونها من الطين أو الحجارة أو الرصاص ويرمونها بالقوس بصورة لا يحذقها إلاّ من طال تدريبه عليها وأعتقد أن بندقنا اليوم استعار اسمه من كراتهم التي كانوا يصنعونها.
وقد استفادت بلاد الإسلام كثيراً يومها من نظام الفتوة واستطاع الشباب في جميع الحواضر التي كانت معرضة لغزو الصليبيين أن تحمي حماها، وأن تنتصر بفضل ما تهيأ لها من الإعداد الجسمي والروحي في أهم المواقع الحربية.
إننا للمرة الثانية نتمنى على القائمين بأمور الإسلام في سائر أقطار الأرض أن يدعوا شبابهم إلى نظام الفتوة ليعدوهم إعداداً قوياً يحمون به بلادهم من كل طامع، ويصونون به استقلالهم الذي ضحوا في سبيله بمئات الألوف من الضحايا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :393  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج