ماذا يُريدُون بنا؟ |
(2) |
قال صاحبي: ألا تستغرب تصريحات بعض الناطقين من دول الغرب وهم ينفون عن إسرائيل أنها أداة استعمار للغرب، وأنها مخلب هجوم لصالح الغرب، وأن عطفهم عليها ليس إلاّ عطفاً على مضطهدين يجب أن يعيشوا. |
قلت: إن اليهود لم يضطهدهم إلاّ الغرب فما ذنب العرب فيما حدث، وإذا كان في الغرب مَن يرى حق اليهود في العطف فلماذا لم يمهدوا لهم منتجعاً من بلادهم وفي أوروبا وأمريكا متسع لإنشاء الصهيونية في أوسع مدى؟ |
إننا لا نستطيع دائماً أن نفسر هذا الحماس البالغ لنصرة إسرائيل ظالمة أو مظلومة بأنه عطف إنساني على مضطهد يجب أن يعيش. |
إن أحداث السنوات التي مرت منذ وعد بلفور في عام 1917م إلى اليوم أثبتت جميعها بصورة لا تقبل الشك أن إسرائيل ليست إلاّ معقلاً لدول الغرب، وإن شئت فقل قاعدة حربية هيأتها الدول المعنية وشحنتها بأحدث الذخائر والأسلحة لتكون منطلق هجوم على بلاد العرب عند الاقتضاء. |
وهي بما فعلت لم تفقد صداقة العرب رغم تأييدهم في أحرج المواقف، بل هيأت الفرصة واسعة لعدوها التقليدي في موسكو فمن المعلوم أن سياسة موسكو تحاول من عهد بعيد أن تسيطر على دول العالم ولكن يمنعها من ذلك أنها لا ترى مواجهة الحرب بالحرب، بل تخطط لسياستها ما تستغل به الفرص دون أن تكبد جيوشها خسائر تُذكر. |
حسبها أن تثير القلاقل في كل بقعة تتصل بنفوذ الغرب، وأن تمد الثائرين بأموالها وسلاحها وتنادي بهم كدعاة للحرية، وتؤيد ما يدعون لأنفسهم في كل مؤتمر أو مجلس بينما تضطر دول الغرب أن تقحم نفسها وجيوشها في مثل هذه المواقف، فتخسر شبابها المقاتل وتثير على نفسها نقمة العالم الذي يراها تقتحم ميادين لا صلة لها ظاهرة بما يدور فيها من أحداث. |
لقد دبرت روسيا أزمة فلسطين لترقص من وراء الكواليس، فماذا فعل الغرب لتلافي عواقب ما سموه عطفاً على اليهود المضطهدين. |
لقد أعطوا الفرصة لروسيا وتركوها تدّعي نصرة العرب وليس في العرب من يجهل أنها كانت أسبق من اعترف بإسرائيل وأنها في أكثر من مناسبة مدت إسرائيل بمساعداتها، وأباحت لليهود رعاياها أن يهاجروا إلى إسرائيل ليدعموا مركزها على حساب العرب. |
وحتى عندما فرضت هيئة الأمم المتحدة حظر إرسال السلاح إلى المحاربين في فلسطين بعد وقائع عام 1948م، كانت روسيا تمد إسرائيل بالكثير من السلاح الذي قضى على كثير من حقوق العرب. |
إن دول الغرب بعطفهم المصنوع على إسرائيل أثاروا في الشرق فتنة عجزوا عن تلافيها وسيظلون عاجزين ما أتاحوا الفرصة لروسيا لتزيدها وقوداً وتشعلها سعيراً. |
لقد عاش العرب طوال تاريخهم الإسلامي يعاملون اليهود معاملة قل أن يكون لها نظير فلم يضطهدوهم كما اضطهدتهم أوروبا، بل إن اليهود عندما كانوا يئنون من اضطهاد أوروبا كانوا يجدون ملاذهم عند العرب ويجدون أمانهم. |
فماذا حدا فيما بدا؟ ليس في الأمر إلاّ ألاعيب السياسة التي أرادت أن تستغل إسرائيل كقاعدة لنفوذها في الشرق فأبت القاعدة إلاّ أن تزج بهم في أتون لا يدري إلاّ الله إلى أي مدى سيتسع لظاه. |
إن روسيا وقد سنحت الفرصة لها سوف لا تتركها دون أن تحقق ما تصبو إليه من ربح.. وهكذا جنت على نفسها براقش. |
|