ماذا يُريدُون بنا؟ |
(1) |
قال صاحبي: ألا ترى أن ما حدث أخيراً في فلسطين كان في صالح بعض دول الغرب مثلما كان في صالح إسرائيل؟ |
قلت: هو ذاك على ألا تنسى أن المستفيد في الدرجة الأولى قبل الدول التي تعنيها في الغرب بل وقبل إسرائيل نفسها هم الروس. |
ولا أحسبك تسألني؟ فأنت تعلم أن ما قيل عن عزم إسرائيل مهاجمة سوريا كان خبراً مصدره موسكو. |
وهو الخبر الذي أثار مصر، ودفعها لتعلن فجأة إغلاق المضائق وتفتيش السفن التي تمر بقناة السويس تحاشياً أن تنقل ما تنقله لإسرائيل وأن تطلب سحب قوات الأمم المتحدة من الحدود الفاصلة، وأن تأمر جيشها بعبور قناة السويس في طريقه إلى إسرائيل. |
ولست تجهل أن روسيا أيدت كل هذه الخطوات سلفاً إن لم تكن قد أشارت بها. |
ولا تشير روسيا بهذه الخطوات أو تؤيدها، بل ولا تهيئ الجو لها بالخبر الذي أشاعته إلاّ لتخدم مصالح خاصة بها. |
فهي تريد قبل كل شيء أن تكشف دول الغرب أكثر ممّا كانوا مكشوفين لأمة العرب وتضع عيونهم على مبلغ العطف الذي تتمتع به إسرائيل وكأنها بهذا تريد أن تقول ليس لكم إذا جد الجد غيري. |
وهي بالتالي إذا انتصر العرب سيكون لسلاحها ومعداتها فضل لا تؤمل أن ينساه العرب لها، وستجد دعايتها الشيوعية منفذاً قوياً إلى صفوف كثير من العرب الذين عاشوا يستاؤون من أية علاقة تربطهم بها. |
كما أنها خطوة مضمونة سوف تقصي فريقاً كبيراً ممن يحتفلون في بلاد العرب بصداقة الغربيين وتقضي على جزء هام من علاقاتهم بهم. |
وهي إذا هزم العرب استطاعت أن تمكن لعلاقتها بهم، وأن تؤكد لهم أنها ملاذهم الوحيد، وأنها بما تكن لهم من حب ستعوّض خسارة الخاسرين وتهيئ له من جديد ما يضمن لهم استئناف الكرّة ومعاودة القتال. |
أنا لا أقول إن مَن يدّعي صداقتنا بين دول الغرب يخلصون لنا إخلاصهم لإسرائيل أو يؤيدون قضايانا العادلة ضد قضايا إسرائيل الباطلة. |
لا أقول هذا ولكني أقول إن التجاء العرب بروسيا بعد أن ادلهمت أمورهم سيكون له خطره الذي لا يُقاس بأي خطر تجرع العرب مرارته قبل اليوم. |
فروسيا التي خططت لتجر العرب إلى ما جرّتهم إليه لا تنوي بكل ما فعلت إلاّ خدمة مصالحها. |
فليتنا نكتفي بما جرّبنا ولا نغذ السير قبل أن نتبصر مواقع أقدامنا، وأن نقف حيث وقفنا دون أن نعتمد إلاّ على سواعدنا وإلاّ أسلمنا عواقبنا لأسوأ ما نعاني اليوم، ورحم الله الشاعر العربي الذي يقول: |
ما حك جلدك مثل ظفرك |
فتولَّ أنت جميع أمرك |
|
|
|