شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الليث بن سَعد
(1)
قال صاحبي يحدّثني عن ثري إيطالي أوقف ثراه على مساعدة العلم والعلماء وأنه عاش ينفق على نفر من طلاب الجامعات بصورة سخية هيأتهم لأفضل المراكز.
قلت: إن في هذا ما يذكّرني بعشرات وعشرات من أصحاب الثراء في تاريخ الإسلام عاشوا يبذلون أموالهم في خدمة العلم وطلاب العلم.
ويحضرني اليوم من هذا القبيل قصة الليث بن سعد، وليس مَن يجهل الليث بن سعد علماً وفضلاً وثراءً واسعاً. فقد كان دخله السنوي يقدر بمئات الألوف، ومع هذا فقد قِيل إن الزكاة ما وجبت عليه قط، ذلك لأنه ما حال حول وفي خزانته ما يبلغ نصاب الزكاة!!
كانت منزلته العلمية قلَّ أن تُقارن، وكانت شهرته في علوم الحديث والفقه قلّ أن تُجارى حتى لقد قارنه بعض عارفي كفاءته ببعض أئمة المذاهب الأربعة، وميّزه بعضهم على بعض من ذكرت وشهد له جمهرة من الفقهاء والمحدّثين بعلو كعبه وميزاته على أكثر من نبغ في عصره من فطاحل الأئمة في القرن الهجري الثاني.
وهو مع هذا بالغ الفطنة لامع الذكاء. ذكروا أن الرشيد غضب من زبيدة مرة وهي تناقش بعض تصرفاته فقال لها أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم بدا له أنه قد تسرّع فعرض الأمر على أشهر علماء بغداد فلم يجد مَن يفتيه، إلى أن قِيل له إن الليث بن سعد يزور بغداد من أيام فلو أرسلت إليه فأمر بحضوره وقص عليه ما حدث.
فقال للخليفة: لي سؤال لا تجبني عليه إلاّ إذا حلفت بصحة ما تجيب.
فكبر على بعض الجالسين أن يستحلف الخليفة بمثل هذه الجرأة الغريبة، وظهرت على ملامح الخليفة بعض آثار الغضب.
ولكنَّ الليث أبى إلاّ يحلف الخليفة ليفتيه أو ينفض يده من الأمر فلم يسع الخليفة إلاّ أن يجيبه إلى ما طلب.
فقال الليث: ألست تخشى الله؟.
قال: نعم.
قال عليك أن تقسم بالله على ما قلت.
فحلف الخليفة يميناً مؤكدة أنه يخشى الله.
قال: إذاً فلك جنَّتان لا جنة واحدة، بدليل قوله تعالى وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن: 46).
وإذاً لا طلاق فيما قلت! فهتف به الخليفة أنت أعلم مَن رأيت، وأمر له بمال بالغ الرواة في تقديره، ولكن صدى القصة كان لها دويها الهائل في محافل بغداد العلمية إلى زمن طويل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :386  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.