شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مفَاهيم الرُّجولة
قال صاحبي: ألا تعجب لفلان وقد عاد إلينا يحمل شهادة عالية ترشحه للعمل الوظيفي في مرتبة جد عالية؟ ومع هذا أبى إلاّ أن يشغل نفسه بأعمال حرة، ولكنها في رأيي لا أحسب أنها تقيم أود شاب متطلّع يحلم بحياة تضاهي حياة أترابه من شباب العصر.
قلت: وماذا تعني بشباب العصر؟ أهو الشباب المترف الذي تدلج سيارته به إلى مكتبه الوثير ليقضي فيه ضحوة النهار، ثم يستأنف عودته ليسترخي أو يقرأ أحدث ما أنتجته دور القصة، حتى إذا أمسى هرع إلى سيارته يمتطيها إلى الأصيل الجميل بين المزارع وقد جللتها أشعة الشمس بلونها الذهبي، أو مهابط الوهاد وقد سالت على شطآنها جداول صافية من بقايا السيول، حتى إذا غابت الشمس وراء أفقها البعيد أستأنف عودته ليقضي سمره بين لداته بين لهو الحديث أو حديث اللهو!
لا تحسبني أعني كل شبابنا بهذا العبث المترف، فبيننا شباب يعرف واجبه للحياة وفروضه لبلاده، ولكنهم أقلية لا تكفي سواعدهم لبناء المجد الذي نحلم به لبلادنا.
أمّا فلان الذي تشير إليه وتنعى عليه عصاميته التي هيأته ليترك سبيله المعبد إلى الكرسي الوثير ليخوض مجال العمل الجد فتلك أصالة نتمناها لسائر شبابنا من أصحاب الشهادات العالية.
إن بلادنا لم تنفق على هذا العدد الهائل من أصحاب الشهادات هذا الإنفاق العريض ليملأوا كراسي الوظيفة فقط ويتمتعوا بدخلها الواسع.
لا.. فهي تنتظر منهم إلى جانب هذا أن تظفر بالمهندس الذي يبني المصنع، والميكانيكي الذي يصهر الحديد، والجيولوجي الذي يمسح الجبال، والفيزيائي الذي يتفرغ للمختبر، والكيميائي الذي يحيا لبحوثه وتجاربه، والطبيب الذي يهب نفسه لبناء المصحات والمستوصفات في أقاصي القرى وبين أكتاف الجبال والبحاثة الذي لا يستأنف ركوب الحمير إلى أوعر الطرق بحثاً عن آثارنا المطمورة، والأديب الذي يجرد قلمه لدراسة مقدراتنا من كافة نواحيها ليستثير الهمم ويوقظ ما عفا من ضمائرنا.
أعرف شاباً عجز عن مواصلة دراسته الجامعية، فاندفع تحت تأثير بأسه ليتصل بمصنع أوروبي لصهر المطاط ويحيله إلى آلاف الأجهزة والأدوات المنزلية. فرابط تحت إدارة المهندسين في ثبات وجلد حتى إذا حذق مهارتهم شد رحاله إلينا، وما لبث أن اتصل ببعض المموّلين فأقنعهم ليبنوا مصنعاً يشرف اليوم على إدارته عملياً فينتج عشرات الأجهزة وعشراتها في صورة غطت الأسواق المحلية وأغنتها عن الاستيراد، وحققت أرباحاً للمموّلين كما درت عليهم كسباً تحسده عليه رواتب الكراسي في أحسن المراتب.
إلاّ أنه درس له ثمنه الغالي.. ما أحوج شبابنا إلى أن يستوحي مفاهيم الرجولة ومعانيها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :378  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 111 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج