الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

عَليْنا ألا نتشاءم

(1)

قال صاحبي: ما بال قوم يتشاءمون فلا يرون في ملابسات أمة العرب ما يطمئن على مستقبل يؤكد كيانهم ويمنحهم الفرصة لإثبات وجودهم بين الأمم الحية على وجه الأرض.

قلت: إنهم سلبيون عديمو الثقة بأنفسهم وليس كالسلبية وانعدام الثقة شيء يثبط العزائم ويغري بالتراخي والكسل.

ألم يأتهم نبأ العرب قبل وثبة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وما كانوا يعانونه من جهل وتفرقة في صور لا تبشر بما يحقق أملاً في حياتهم، فما كاد النبي يخطو خطواته حتى قالت الأيام آمين.. فإذا التفرقة تتداعى لتجتمع أطرافها في كتلة واحدة، وإذا غيوم الجهل تنزاح لتسطع الشمس من ورائها وهاجة قوية، وإذا إخوان الصحراء من بدو الخيام وبدو القفار يسيحون في نصف الكرة الأرضية ليملكوا زمامها ويفرضوا مبادئهم وأحكامهم على دولتين من أكبر دول العالم يومها.

ثم أين هم من ماضي هذه الأمم التي تعاصرنا والتي تهيمن اليوم على أكثر قارات الأرض؟ ألم يقرأوا تاريخها يوم كان يسودها الجهل وتحكمها الفوضى ويسيطر عليها الإقطاع والهمجية في أبشع صورها؟

فهل منعها هذا من أن تستيقظ لتجمع شتاتها.. هل منعها هذا من أن ينادي المنادون بين أرباضها ليأخذوا بيدها إلى العمل الجاد المثمر الذي أهلَّها للحياة الصحيحة، ومكّن لها لتسيطر على مقدرات عشرات الأمم وعشراتها وتفرض حتى ترهاتها ومباذلها على أكثر الشعوب التي تعاصرها.

إنها لو منيت في عهود تأخرها وجهلها بمتشائمين يفتّون في عضدها وينكرون أهليتها للتجمع والتقدم لظلت في مكانها مستكينة لجهلها تستمرئ النوم، ولما استطاعت أن تخطو خطوة في دروب المجد الذي باتت محسودة عليه.

ألم يأتهم أن العزائم تفعل ما لا يفعله السحر؟ وأنه ليس بينك وبين أن تحقق أقصى أمانيك إلاّ أن تثق بنفسك وأن توحي إليها أنك أقوى من أن تُغلب؟!.

لا أرى أي معنى لهذه السلبية التي مُني بها بعضنا، ولا أفهم كيف أفسر تشاؤم المتشائمين؟ فلسنا أول أمة تأخر بها الحظ أو عاندتها الأيام. فتأريخ الأرض مفعم بآلاف القصص وآلافها تلك التي تحكي أدوار الأمم التي دارت بها الأيام من ضعف إلى قوة، ومن عجز إلى إقدام.

لا.. لا يا صديقي ليس لنا أن نتشاءم وقد بدأنا نشق الطريق، وبدأ روّادنا يرسمون الخطط، وبدأ وعينا يستوحى من معاني الحياة على حقيقتها.. إننا يا صديقي سائرون.