شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عُلوم الإسلام في آسيَا الوسطى
(2)
قال صاحبي: كنا في صدد حديث ثقافة الإسلام في داغستان وبخارى وسائر بلاد التركستان وما حولها فهلا أتممت؟
قلت: إن معاهد العلم ما لبثت أن انتشرت في سائر ربوع تلك البلاد النائية حتى وصفها بعض الرحالين في عصر بني العباس بأنها كانت تضاهي معاهد بغداد والأندلس، وأنهم وجدوا بين حلقات الدروس الدينية في المساجد من فطاحل العلماء من لا تقل كفاءاتهم عن أمثالهم في حلقات مساجد مكة والمدينة والفسطاط وبغداد والشام.
ويذكر بعضهم أن الأمر لم يقتصر يومها على الاختصاص الديني، فقد نبغ بينهم مَن تبحّر في علوم العربية، وأنه نبغ من بينهم أدباء وشعراء كانت لهم ميزتهم في الأدب العربي كما ذكر بعضهم أن معهداً في طاشقند كان يعنى بدراسة الفلسفة والطب العربي، وأن مثله في مدينة بخارى أنجب من الفلكيين والمتفوقين في دراسة علم النجوم وبناء المراصد عدداً لا يستهان به وأنه شهد طلاباً من الشركس يواصلون دراستهم في أكثر من معهد شهدهم في أكثر من بلد من بلاد أواسط آسيا وأن أكثر هؤلاء الشركس لا يتخاطبون إلاّ باللغة العربية كما لو كانوا قد نسوا لغتهم الأصلية وأنه في مروره بمدينة بخارى وجد في معهد لعلوم الفقه والحديث طلبة كان بينهم الصيني والهندي والأفغاني والتبتي والسرخسي والفرغاني، وأن اللغة العربية كانت تجمعهم على لسان واحد. كما شهد وفداً قدم من الصرب يجمع نحو ستين طالباً كانت أعمارهم تتراوح بين العشرين وأقل منها وأكثر وأنه فهم من كبيرهم أنه ينوي توزيعهم على بعض المعاهد الإسلامية. فقد دخل آباؤهم في الإسلام ورأوا أن يندبوا أولادهم إلى بخارى ليتفرقوا بين معاهدها ويتزودها من علوم الإسلام ما يصلح أن يكون نواة لبناء معاهد جديدة في بلادهم تُعنى بعلوم الإسلام وتنشر ثقافته بين طلاب المعرفة منهم.
وقد حفظت لنا كتب التأريخ مئات الأسماء اللامعة من أصل تركستاني أو بخاري أو طاشقندي أو سمرقندي كانوا يحتلون مراكز الصدارة في كثير من فروع العلوم الإسلامية. وحسبك أن تعلم أن على رأس من ذكرت عالمين جليلين هما الإمام البخاري والعلاّمة الترمذي.
وممّا يذكره مؤرخو مكة أن من بين الأعلام الذين كانوا يتصدرون للتدريس في المسجد الحرام رجالاً يرجعون بأنسابهم إلى أصول تنحدر من آسيا الوسطى، وأن طلبة من التبت كانوا ملتحقين بمدرسة كانت بجوار باب النبي كانت تدرس الفقه الحنفي.
كل هذه الحقائق تدل على المدى الذي تغلغلت فيه تعاليم الإسلام في ذلك الجزء البعيد من بلاد العرب، كما تدل على مبلغ الروابط التي توثقت بيننا وبينهم في أزهى عصور الإسلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :521  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.