شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عِنْد الصّباح يحمد الناس السُّرَى
قال صاحبي: خيّم القلق على أحد معارفي بشكل يثير الحزن، وقد قيل لي إن القلق كان عاماً في الأسرة كبارها وصغارها، ذلك أن وحيدهم سقط اسمه من بين الناجحين في الاختبار وتكرر رسوبه لعامين متتابعين عاماً بعد آخر.
قلت: أرى أن رسوب الفتى الناشئ في امتحانه صدمة تبادره بها الحياة قبل أن يخرج إليها، وليست الحياة إلاّ صدمات تتوالى غداً بتوالي عيشه فيها فإذا لم يثبت أمام التجربة الأولى استهانت به الأحداث واستبدت برجولته وهزت قواه على الاحتمال.
إذا قيل إنّ الامتحان شر لا بد منه فيجب أن يُقال إن في هذا الشر احتكاكاً يعيّن مدى قدرة الشخص على الثبات ويحدد كفاءته على مواجهة الصعاب..
لا بل يصح أن يُقال إنه درس يمارس فيه الحياة على حقيقتها ويتدرب على منازلتها ويتعلم الصبر على أحداثها. فإذا استطاع أن يثبت نجاحه في قوة الاحتمال فبشره بما تبشر به كل عامل ناجح يجالد الحياة ولا يجزع لقسوة صروفها.
لا أعني بهذا أن ينشأ الفتى لا أبالياً يهمل واجباته ويتراخى عنها ولا يهتم بنجاحه فيها كما لا يهتم كل بليد فاشل فذلك أسلوب العاجز الذي لا يحقق ظفراً في الحياة.
وإنما أعني أن يثابر، الفتى على واجباته في دأب متواصل ويعطيها من عنايته كل ما تستحقه من جهد وما عليه بعد هذا أن يخيب فأله.
عليه أن يقنع نفسه بما ثابر وأن يرضي ضميره بما بذل، وأن لا ينسى مع هذا أن للحياة مفارقات وأن من مفارقاتها ما يذهب بصبر الحليم، وأنه أمام هذه المفارقات أكبر من أن يجزع أو يتضاءل.
عليه أن يفهم أنه يواجه في غرفة الامتحان أول درس في حياته العامة وأن رسوبه إن رسب يشكل أول صفعة ينالها من الحياة، فإذا وثق من نفسه كرجل لا يبالي الصفعات وأبى إلاّ أن يجعل منها ما يحفزه لاستئناف الجد في غير توانٍ أو تراخٍ فقد هيأ نفسه للكثير الذي يرشحه لعظائم الأمور ويساعده على ركوب الصعاب في سبيل مراميه البعيدة..
إن أكثر قادة الأمم وأصحاب الأثر الخالد فيها مر بهم من تجارب الفشل ما صمدوا لقسوته ولم يتخاذلوا فاستفادوا من صمودهم مراناً حفزهم للنتائج الباهرة التي خلدت آثارهم على مر الأيام.
يا صاحبي.. قل للمحزونين الذين خالفهم الحظ فرسبوا في نتائج الامتحان إن لكل جواد كبوة، فلا تأسوا على ما فاتكم ولا تحزنوا على ما أصابكم واستأنفوا سيركم بأقوى مما فعلتم ولا تيأسوا. فعند الصباح يحمد القوم السرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :479  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.