شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَا كُلُّ غَزل للغنا
قال صاحبي: أراني لا أطرب لكثير من ألوان الشعر الذي يغنيه بعض الفنانين عندنا، رغم أنه شعر غزلي رقيق الحاشية يتحدث عن الحب وأحوال المحبين.
قلت: لا أرى أن كلّ أشعار الغزل صالحة للغناء. فالشعر الغنائي لون له سماته الخاصة وله لغته المألوفة. ولست أعني اللغة الشعبية فمترادفات الفصحى غنية بالفصيح العذب الذي يجري على ألسنة الناس فيما ألِفوا من شجون الحياة.
لقد كان جرير من أبرع مَن يتغزل ولكنه غزل لا يطاوع الألحان أو يذوب فيها ذوب الغزل الذي يشجيك في شعر عمر بن أبي ربيعة أو عبد الله بن قيس الرقيات.
ربما كان لبيئة الشعر، أو ملابسات الشاعر ما يهيئه للشعر الغنائي ويوحي إليه بالمألوف من عذب الألفاظ ورقيق المعاني التي تنساب بانسياب الألحان وهذا ما افتقده جرير. فقد عاش بعض حياته في البادية بين الرمال السافية، والعيش الشظف. فجاء غزله -حتى الرقيق منه- مذكراً لا يسيل سيلان الغزل في شعر ابن أبي ربيعة وابن قيس الرقيات.
وعاش بعض حياته في بغداد وكانت بغداد يومها تعاني من شدة الحياة وقسوة ظروفها ما شدها إلى ألوان من الجد لا تتناسب والحياة الحالمة الرخوة التي تتفتح للفن الغنائي وتذيب فيه شاعرها كما كان شأن مكة في نفس الفترة التي عاشها جرير في بغداد.
لقد مرت بمكة في عهد ابن أبي ربيعة وهو عهد بني أمية فترة عاش المكيّون فيها حياة حالمة ملؤها الطرب والموسيقى والغناء.. كانوا في هذا العصر يقولون إذا عجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة.
هذه الحياة الحالمة الطروب تنفست عن شاعر يذوب في بيئته فكان هذا الشعر الغنائي الذي يسلس للمغنّي فلا تدري وأنت تسمعه أهو فن الملحن أم هو ظرف الشاعر.
لا أريد أن أقول لك إن مكة ترفت يومها بفعل الغنى الذي شاع في أوساطها فأنت تعرف أنها ندبت شبانها وشيبها على رأس الفتوحات الإسلامية فعادوا يحملون إليها من الغنائم ما لا يحصيه رقم. وإن خلفاء الإسلام شعروا أن عليهم أن يمدوا لقريش وأقيال مكة في النعيم وأن يغدقوا عليهم من المنح ما يغمرهم ليكسبوهم سياسياً.
لا أريد أن أقول لك هذا فأنت تعلمه ولكني أريدك أن تحقق قصة هذا النعيم، الذي أنساهم جد الحياة وتركهم يعيشون حياة مترفة لا همَّ لهم فيها إلاّ أن يطربوا ويطربوا للغناء، وما يصاحب الغناء من شعر يذوب في الألحان، ويمتزج بها امتزاج الماء بالراح.. بذلك كان الشعر الغنائي الذي لمع فيه شعراؤها لذلك العهد غنياً بالرفيق المعذب الذي يمثل ما يجري على ألسنة الناس من شجون الحياة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :336  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج