شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هيئة الأمم مقصُوصَة الجناح
قال صاحبي: حاولت أن أفهم الحكمة من تأسيس هيئة الأمم فتعذَّر عليَّ ذلك.. لقد كنت أحسب أن مهمتها الأولى فرض أحكامها في كل خلاف بين الدول، وأن تكون لكلمتها أذن مسموعة وأمر نافذ، وإذا الأمر على غير ما فهمت. فمشاكل الدول لا تزال هي مشاكلها! ربما عُرضت على الهيئة جلسة بعد أخرى.. ربما قتلتها بحثاً ودراسة، وربما انتهت في شأنها إلى أمر وأصدرت في أمرها قراراً ولكنها قرارات لا تتخطى أقسام الأرشيف، فما حكمة وجودها وفيمَا هذا الإنفاق الهائل على جهازها الواسع الذي لا يجدي فتيلاً إذا أدلهمت الأمور وتفاقمت الخطوب؟؟
قلت: وما عساك تريد من باز مقصوص الجناح أن يفعل؟ لقد خُلقت هيئة الأمم يوم خلقت مقصوصة الجناح.. فهي لا تملك إذا ملكت أكثر من أن تتلقى شكاوى المغلوبين لتحقق فيها، وتدرس ظروفها وملابساتها ثم تصدر قراراتها بالإدانة أو البراءة.
وليس في طبيعة تكوينها إذا أدانت ما يعطي قراراتها صفة الإلزام على غرار ما يفعل كل حاكم يتولّى أمر طائفة من الناس، فالحاكم في كل طائفة يملك من أسباب التنفيذ القوية ما يضمن احترام كلمته وتنفيذها وليس لهيئة الأمم ما يضمن لها ذلك أو شيئاً من ذلك.
إنها لا تملك قوة فعّالة مزوّدة بالعدد والعدة تقف على أهبة الاستعداد لدعم قراراتها وتنفيذ ما تراه في أمر الخاطئ أو المعتدي وإلاّ كان شأنها غير هذا الشأن الذي رأيته وتراه ماثلاً في مئات القضايا العالمية التي عجزت إلى اليوم عن إقامة العدل فيها.
إنك لا تستطيع أن تفرض لها مثل هذا الاستعداد فهو يحمل موانع التنفيذ.. ذلك أن استعدادها إذا أريد لها الاستعداد يجب أن يبلغ مداه إلى أوسع ما يتسع له الخيال. عليك أن تفرض خلافاً تفاقم أمره بين دولتين من كبريات الدول التي باتت تستخدم القنابل الذرية والهيدروجينية وأن قراراتها صدرت لتدين إحداها وتلزمها إلزاماً بما حكمت عليها، أفلا يتعين على هذه الهيئة -هيئة الأمم- أن يكون لها من الجيش والعدّة ما يقوى على دحر من أدانت لتمتثل طائعة صاغرة لقرار الهيئة وحكمها؟
فهل تتخيل أن في استطاعتها أن تكون لها مثل هذه الإمكانيات أم هو ضرب من الخيال يحمل موانع التنفيذ؟
ستظل هيئة الأمم يا صاحبي لا تملك إلاّ أن تصدر القرارات وتشفعها بما تستطيع من توصيات ولا أكثر.. على أن الأمر لو عاش لا ينقصه إلاّ ما رأيت من عجزها عن التنفيذ. إذن لقيل إنه لا بد مما ليس منه بد ولكن في الحنايا خفايا هي أدق مما تتصور.
من أهم هذه الخفايا مشكلة النفوذ عندما يسيطر على اتجاهات الهيئة فالدول المشتركة في مجلس الهيئة ليست كلها ذات مستوى واحد.. إن من بينها الضعيف والأضعف، كما أن من بينها القوي والأقوى.. الأقوى الذي لا تنتهي قواه عند حد محدود وكنتيجة لهذه الفوارق استطاع الأقوياء أن يتقاسموا نفوذ الهيئة فكان لكل قوى فلك واسع المدار تدور فيه عشرات الدول فلا تصدر في نقاشها أو تعليقها أو تصويتها إلاّ في إطار المدار الذي تقيدت به، وبذلك باتت الهيئة هيئة أقوياء الأمم وباتت سياستها تتجه باتجاه ما حشد الأقوى. هي ذي مأساة هيئة الأمم المستتبة على مسرح حياتها ليت المعنيين بها يعالجون داءها عساها تؤدي بعد ذلك بعض ما عليها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :368  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج