الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

يبذلون أرواحهم في سَبيل الإنسانية

قال صاحبي: ما هذه الفدائية التي قرأت عنها أخيراً في قصة الدكتور العربي نزيل أمريكا الذي جرّب مصل الحمّى الصفراء في نفسه ليدرس أعراضها ويكتشف أثر العلاج الذي ابتكره لتخفيف آلامها والقضاء على جرثومتها تدريجياً، فما لبث أن اغتالته الحمّى وقضت على حياته؟!

قلت: إنها فدائية كبار العلماء ونوابغ المخترعين في أكثر من مجال. فقد جاء في إحصائية العام الماضي أن مختبرات التجارب في أوروبا قضت على 65 عالماً من علماء البحث والاختبار كان أكثرهم منصرفاً إلى بحوثه وتجاربه، فقضت البحوث على حياته أثناء مزاولته العمل فراح ضحية العلم.

إن أكثر المخترعات التي ننعم بفوائدها في أكثر مجالات الحياة ابتداء من قصة الطيران إلى فكرة الكهرباء إلى موضوع الإشعاع إلى حكاية الذرة إلى مجال الطب إلى مئات البحوث في غير هذه الميادين لم تبرز إلى حيز العمل إلاّ بعد أن عرّضت علماءها لأهول الأخطار وقضت على فريق كبير منهم بالموت الرهيب.

وقد جاء في إحصاء معهد علمي أميركي أن مرض الحمّى الصفراء التي هالك شأن ضحيتها الدكتور العربي أنه من أخطر الأمراض التي يتعرض لها المعنيون بأبحاثها ذلك أن جراثيمها كما يقول بحث المعهد كثيراً ما تتسرب إلى المراكز العصبية فيلتهب الدماغ بصورة يتعذر علاجها ولا ينفك الباحث يعاني آلاماً مريرة حتى يقضي على حياته.

وفي أخبار هذا المعهد الذي نشرت بحوثه مجلة طبية تصدر في العراق أن إحصاء شمل عدة مختبرات في الدول الإسكندنافية أظهر قصة 30 نوعاً من أنواع الجراثيم الفتاكة أحدثت أثرها في 78 من رجال البحث بينهم ثلاث سيدات قضت عليهن قضاءً نهائياً كما قضت على 24 من صنف الرجال ونقل 19 منهم إلى المستشفيات ربما نجحا منهم ثمانية أو عشرة أما الباقون فلا أمل لشفائهم.

وأنت إذ تذكر هؤلاء كفدائيين تعرضوا لأخطار الجراثيم في سبيل مصلحة الإنسان يتعيّن عليك أن تذكر إلى جانبهم شهداء بحوث الفضاء والطيران وأعماق البحار والذين أوغلوا في مجاهل الأبعاد المجهولة في الأرض والصحاري المقفرة التي لم يطأها إنسان والتجارب الكيميائية على تعدد أخطائها وأخطارها.

لا بل يتعيّن عليك أن تذكر بائعي أرواحهم في ميادين الحروب ومجال المقاومات الشعبية في كثير من البلاد المحتلة ولست اليوم بعيداً عن فدائيي فلسطين فإن منهم من يحزم المفرقعات على بطنه ويتعرض للدبابات والمعدات لتلفه تحت عجلاتها فتقضي عليه وعليها بما حملت في آن واحد.

إن السخاء بالروح في سبيل الإنسان سجية قديمة عرفتها مئات الأحداث لمئات الألوف من أصحاب التضحيات في عشرات المجالات وعشراتها.