شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بين العبقريّة والجُنون
(2)
قلت لصاحبي: كنت تحدثت إليَّ قبل أيام عن المعتوه الذي صادفته يشجيك بأنغامه على الناي وكنت رأيت في هذا ما أثار عجبك وهالك أن يصدر مثله من مجنون.
وكان من رأيي أن الحواجز بين المعتوهين والعباقرة أرق من أن نستبينها، وذكرت لك ما أعرفه عن بعض الباحثين الذين تعمقوا في دراسة الحدود الفاصلة بين النبوغ والجنون فلم ينتهوا إلى ما يصح الأخذ به.. إلى أن قلت لك إن في أوروبا اليوم مجانين تجلّت مواهبهم في الرسم أو التصوير أو الموسيقى، وإن أطباءهم باتوا يعنون بهذه التجليات ويهيئون لأعمالهم الفنية معارض خاصة يعرضون فيها رسومهم ولوحاتهم الزيتية.
وأزيدك اليوم أنني قرأت عن معرض متجول يزور المدن الراقية في أوروبا وأمريكا يعرض جديداً من هذه اللوحات والرسوم، وأكبر ظني أنهم بهذا العرض المتجول العام يخدمون فكرة لها قيمتها العلمية. إنهم يتوخون من وراء ذلك أن يصادف العرض بعض الباحثين من كبار العلماء فيستطيع أحدهم أن يبني على ما يرى نظرية تفسر ما يتجلى من مواهب المجانين في لوحاتهم.
ومن طريف ما قيل عن أكثر هذه اللوحات أنها تعرض رسوماً لا تختلف عن غيرها مما عرف من لوحات الفنانين العاديين، وأن بعضها ربما تفوقت على مستوى رسوم الفنان العادي.
ومما لوحظ على مجموعة الرسم المعروضة أنها تمثل الفن على مختلف مراحله سواء كان ذلك الرسم كلاسيكياً يرسم الأشياء على حقيقتها الأصلية أم رمزياً يتباعد شيئاً فشيئاً عن الأصل، إلى أن يبلغ الفن التجريدي الذي شاع أخيراً ورأينا بعض نماذجه هنا في بلادنا بريشة فنانينا الجدد الذين تعشقوا الهوسة التجريدية وأسميها هوسة لأني إنسان كلاسيكي فيما يبدو أتعشق رسم الطبيعة كما خلقت بينما يرى فنانونا الجدد أن يطلقوا العنان لخيالهم وتصوراتهم البعيدة حتى ليشكل على مثلي أن يفهم ما يقصده الرسام قبل أن يصور لي فكرته ويضع يدي على الخطوط التي أرادها ليعبر عما تخيله.
ومما لفت نظر بعض المشاهدين أن بعض الرسوم زادت فيها الألوان الفاقعة القوية وأن بعضها بالغ الخيال في أشكال تدخل الهلع على النفوس، أو تبدو عليها مسحة غريبة غير معهودة في لوحات غيرهم من أصحاء العقول ما جعل بعضهم يستنتج أنها في واقعها تعبر عن أشياء خفية مدسوسة في العقل الباطن الذي يهيمن على ريشة المجنون في أكثر أحواله.
إنها دون شك ظواهر لها معانيها الدقيقة وهي لا تزال إلى اليوم قيد الدرس وهم يؤملون ألاّ يعجز العالم في ضوئها أن يحدد الحدود الفاصلة بين العباقرة والمجانين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :313  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.