(( كلمة سعادة الأستاذ عبد الله بن إدريس ))
|
وممن جاء من الرياض للمساهمة في تكريم ضيفنا سعادة الأستاذ عبد الله بن إدريس الأديب المعروف ورئيس نادي الرياض الأدبي، الكلمةُ له فليتفضل: |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. |
أولاً أقدم شكري للأستاذ الكريم عبد المقصود خوجه لاتصاله بي في أواخر الأسبوع الماضي ودعوته إياي لحضور تكريم الدكتور إبراهيم العواجي، وأن أكون أحَد المتحدثين عنه بحكم أني أول من كتب عنه كشاعر في كتابي شعراء نجد المعاصرون، كنت في أول المكالمة ممنوناً للدعوة للحضور، لكنِّي أَقلّ حماسة في التحدِّث عنه، لأن ذلك يتطلب مني مراجعة لشعره، وتقييمه من نواحٍ عديدة فنية وموضوعية، وهو ما لا يتيسر لي إعداده خلال يومين أو ثلاثة، لكني في الأخير رأيت أن عدم حماستي للتحدث عنه هو الخطأ بعينه، ولكن ليس من منظور تحليل تقييمي لشعره بل للتحدُّثِ عنه إشارياً لا تكلُّف فيه ولا تصنع. |
وقد استغربت تأخر تكريم الدكتور العواجي إلى هذا الزمان من قِبَل اثنينية الأستاذ عبد المقصود، لكنّي وجدتُ ما وسع العذر لكل من المكرِّم والمكرَّم، قياساً على ما مرّ بي عندما كان الأستاذ خوجه يدعوني لتكريمي وامتناعي عن ذلك عدة سنوات، وإلقائي العذر بعد العذر حتى نزل بساحتي بطريقة عجزتُ معها أن أرفض ذلك التكريم المشكور جداً، الذي تم في شهر ربيع الآخر عام 1412هـ، ومِنْ هنا حملتُ تأخر تكريم العواجي إلى هذه الليلة النيِّرة بأن هنا تشابهاً طَبَعياً بيني وبين الدكتور العواجي، ربما بقَدْر جعله يعتذر مرة بعد أخرى، حتى أدركه الذي أدركني. على أن الأستاذ عبد المقصود قال لي إن تأخر التكريم راجع إلى مركزه الحكومي الهام والخوف من التأويلات التي تسبق دائماً إلى أذهان كثير من الناس، أما الآن وبعد أن أصبح كل منا حراً طليقاً دَعَوْته لتكريمه هذه الليلة.. قلت نعم هنا تتضح الصورة وينجلي غبار التأويل. |
ولا شك أن تكريم الرجل وهو على رأس عمل كبير وحسَّاس ومؤثر يستطيع من خلاله أن ينفع أو يضر لو أراد ذلك هو مظنَّة لتأويل كل متأول، أما تكريمه بعد ترجُّله من كرسي المسؤولية فهو أشبه ما يكون بقصيدة تقولها في رجل انقطع رجاؤك في نفعه أو ضره ولم يبقَ من حافز لها إلا الوفاء المجرد والذكر الحسن، ومن فضائل الحرية أو التحرر من المسؤولية الوظيفية يبدأ رصيد النقط في حياة الرجل المتحدَّث عنه إن سلباً أو إيجاباً في حالة تقييمه أدبياً أو اجتماعياً أو هما معاً، ولست أريد هنا أن أقيِّم نَتاج العواجي الأدبي أو قيمته الاجتماعية، فلعل من هو أكثر مني نشاطاً وأشدّ حيوية يتولى القيام بذلك، وليس تجاه العواجي وحده بل تجاه كل رجل أعطى أمته ووطنه ما يستطيع عطاءه من الحياة وفي أي مجال، على أن المقام يقتضيني هذه الليلة أن ألِمَّ إلمامة خاطفة عن الدكتور العواجي كشاعر وعنه كرجل مسؤول إبَّان مسؤوليته الكبرى حتى بعد تخلِّيه عنها. |
|
عرفته شاعراً مبتدئاً من خلال قصائده القليلة التي زوَّدني بها مع ترجمة موجزة عن حياته قبل 36 سنة، فكتبت عنه في كتابي (شعراء نجد في العصر الحديث) فقدَّمته بتلك الترجمة والتعريف الموجز مع نماذج من شعره، بل ربما هي كل شعره ذلك الوقت، تعريفاً يتفق في رأيي مع مستوى شعره حينذاك، فقلت عنه ما يلي: "شاعر ناشئ، لم تتبلور شخصيته الشعرية بَعْدُ، إلا أن بوادر الشاعرية فيه تبشر بمستقبل شعري متفتح وموهبة شعرية جيدة، حيث أنها تحتاج منه إلى تركيز وربط متساوق بين ما يجنح من خيال وما يقتضيه التصوير للتجربة الشعرية المعاشة". |
|
أما الآن فقد تبلورت شخصيته الشعرية، وأصبحت له عدة مجموعات شعرية، وأصبح من أكثر شعراء المملكة غزارة نتاج وجَوْدة عطاء. يتمتع الدكتور العواجي بميزات نغبطه عليها حتى الحسد، وهي استثماره الوقت والإفادة منه بقدر كبير، وأستغرب كيف وفَّق بين مسؤولياته الكبيرة وملفاته الوفيرة التي ينقلها إلى منزله إذا لم يستوعبها وقت الدوام لإنجازها، ومع ذلك لم يفرِّط في صداقته الحميمة مع شيطان شعره الذي يلحُّ عليه دائماً بالإيحاء والإلهام الشعري، ولكن برؤى وأفكار غير شيطانية إن شاء الله. |
|
أما ما عرفته عن إبراهيم العواجي وكيل وزارة الداخلية الرقم الأول فيها بعد سمو الوزير ونائبه، فهو كان محل التقدير وثناء الناس ورضاهم، ويشهد الله أنني لم أسمع أحداً يذمُّ العواجي أو يتأفف من تعامله مع الناس على ضخامة مسؤولياته وحساسياتها وتشعبها، لقد كانَ يَلْقَى الناس هاشاً باشاً سمحاً كريماً، يقضي حاجة مراجعيه إن كان بالإمكان قضاؤها، أو يخرجون من عنده بقناعة أن ليس بالإمكان أبدع مما كان. |
|
أيها الاخوة آمل أن تسمحوا لي باقتطاف فقرات صغيرة جداً من مقال طويل بعنوان "سيهجرك أصدقاء المصلحة فلا تبتئس" كتبها الابن ادريس مدير تحرير اليمامة في جريدة الرياض في 20 صفر موجَّه إلى صديقه إبراهيم العواجي، وهو كما يعرف الذين قرأوه ودهشوا لجرأته وصراحته هو مقال إسقاطي ينطبق على كل من تسنَّم منصباً حكومياً كبيراً ثم ترجل عنه. أنا طبعاً لا أريد إلا أن أوجز لكم نقاطاً صغيرة جداً من آخر المقال، يقول بالنسبة للشعر فليكن معلوماً لديك.. هذا كلام إدريس.. ليكن معلوماً لديك وقد صار لديك بَرَاح من الوقت قد تعمد فيه بتركيز غير مسبوق إلى جمع وتنقيحِ بعض مسوداتك الشعرية وكتاباتك المتراكمة وجمعها في ديوان أو أكثر أو كتاب أو اطول، فإن عزمتَ ثم فعلت يقيناً لا تنتظر لكتابك أو ديوانك هذا نفس القبول والاهتمام الذي توفر لما أصدرته قبله عندما كنت وكيلاً للداخلية، هذا رغم أن ما قد تنتجه بعد الراحة أولىَ بالتجويد والإبداع والإتقان مما سبقه، فلا تبتئس إن رأيتَ إشارات خَجْلي في أقفية الصفحات على الديوان أو ذاك.. يقول: |
|
حاولت أخي بهذه الكتابة أن أسرِّي عنك وأجعلها حِرزاً لمستقبل الأيام، مع أن كل هذا أو بعضه معلوم لديك، لكنني أخشى أنني أمعنت في تكئيبك ومشاءمتك وما أردت ذلك علم الله، لكنني استعنتُ بحالتك لكي أسقطها على كل الحالات المشابهة وأعني أصحاب المناصب والمسؤوليات ممن يستقيلون ليعي كل مغرور بمنصبه - ما أنت كذلك - أن كل شيء إلى زوال، وهذا قدر الكون وناموسه، وأنها لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك.. |
|
أخي إبراهيم العواجي: حتى لو أنفض عنك هؤلاء ذوو المصلحة فأنت الكاسب، وحتى لو ذَوَى حجم الاهتمام بقصائدك ودواوينك فالكاسب شعرك، إنها فرصتك السانحة لترى إبراهيم العواجي أكثر من وكيل وزارة الداخلية وللآخرين أن يروك أنت لا معالي الوكيل. أخي إبراهيم العواجي لقد أحسن ولي الأمر حين اختارك قيِّماً على هذا المقعد زمناً طويلاً، كنت خلاله بشهادة المحبين خير واجهة، كنت دائماً الرجل البشوش الحفي الحازم، تخدم قدر الاستطاعة، وتسهِّل ما أمكن التيسير، وتجزم ما أحسن البت، تفوض ما تراكم وتحلل ما تعقَّد، تنجز ولا تُعَجِز، تُسَرِّع ولا تتسَّرع، قد تمهل فلا تهمل، تستجلب رضا الأكثرية وتعلم أن رضا الكل غاية غير ملحوقة.. ولا أريد أن أطيل أكثر من ذلك ومعذرة والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
|