((كلمة فضيلة الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان))
|
أيها السادة والسيدات: |
كل الإجلال والتقدير والتهاني القلبية لمحفل يحتفي بالعلماء والأدباء والمفكرين كل الإجلال والتقدير لراعي الاثنينية سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه ابن مكة البار الذي يرفع للعلم مناراً، وللعلماء، والأدباء، والمفكرين عزاً وفخاراً. |
هذه ليلة من ليالي العمر كنت أتحراها كما يتحرى المسلمون هلال عيد الفطر المبارك في لهف وشوق. |
إنها ليلة تكريم علم من أعلام الأمة، كوكب دري من جامع الزيتونة المبارك يحل بيننا ضيفاً في مشكاة النبوة، مهد الإسلام. |
إنه ثالث ثلاثة من مصابيح الزيتونة وضعوا بصماتهم الطاهرة على تاريخنا العلمي المعاصر إنهم رموز العلاقة الأبدية بين بلاد الحرمين الشريفين وجامع الزيتونة كان للاثنينية شرف تكريمهم: |
معالي الأستاذ الدكتور محمد بن الحبيب الخوجه أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة خلال خمسة وعشرين عاماً، وقد كانت رئاسته للمجمع الفقهي مدرسة فقهية متميزة، والعلامة الفقيه المحقق الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان مدرسة في التحقيق العلمي، وتخريج أجيال من الفقهاء المنهجيين المحققين، وثالثة الأثافي الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة، عالماً مثابراً، ومؤرخاً منصفاً متميزاً في حضوره الأكاديمي. |
اليوم يأتي أوان تكريم جمانة هذا العقد الكريم من علماء الزيتونة. الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة. |
كان لي شرف الجلوس إلى هؤلاء الأعلام، والتعرف على فضائلهم عن كثب، في الرحاب الطاهرة، في رحاب العلم المقدسة، جمعتني بهم مجالس العلم، وندوات، ومذاكرات. |
أيها السادة والسيدات: ضيف هذه الاثنينية: عالم معتز بعلمه، لا يداخله الخيلاء، متواضع في رفعة. قدوة في أخلاقه وتعامله، أينما حل في محافل الشرق وجامعاته، أو في الغرب أستاذاً زائراً في أروقته ومجالي معارفه، دقيق في أحكامه، حريص على وقته، وَفِيّ في ودّه، دؤوب في عمله. |
مورد سهل، ومنهل عذب فهنيئاً للمحتفين به، وهنيئاً للحضور. |
تمثل هذه الليلة الأواصر العلمية الممتدة بين البلد الحرام وبلاد جامع الزيتونة، إنها العلاقة الأزلية بين مركزين من مراكز العلم والثقافة في البلاد الإسلامية عبر التاريخ. |
تتجلى مظاهرها هذه الليلة: المكيون يمثلهم ابن مكة البار الأستاذ عبد المقصود خوجه يحتفي بابن جامع الزيتونة العلامة المؤرخ، الفقيه، المحقق أ.د. محمد الحبيب الهيلة، شجرة علم مثمرة آتت أكلها خيراً ونفعاً على أبناء هذه البلاد، علامة بارزة في تاريخنا الثقافي والعلمي المعاصر، خطت أنامله الكريمة بصماتها على حياتنا العلمية، مآثره العلمية شواهد صادقة، وأدلة باهرة. |
مكة المكرمة ممثلة في جامعتها أم القرى الذي مضى على تأسيسها ثلاثون عاماً، ضمت إلى أحضانها المقدسة أجلّة العلماء في كافة العلوم النظرية والتطبيقية، مركز علمي فريد استقطب أعلام الأكاديميين في العالم الإسلامي الذين أثروا الحياة العلمية في المملكة العربية السعودية. بخاصة، والعالم الإسلامي بعامة، وفد هؤلاء الكبار إلى ساحة العلم الطاهرة في جامعة أم القرى، مضى الكثير منهم، وغادر هذه الأرض الطاهرة، وترك آثاراً خالدة لا يمحوها الزمن، إن رحلوا عنا إلى أوطانهم، يظلون أحياء في الذاكرة، وعلى صفحات التاريخ الخالد. |
الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة يحفظه الله أحد هؤلاء الذين يذكرهم التاريخ المكي في حب، وإعجاب، وتقدير، لم يكن منطوياً على نفسه، بل عاش مكة المكرمة، عرف الكثير من حياتها العلمية في الماضي والحاضر، اختلط بأهلها اجتماعياً، أحبه المكيون وأحبهم. |
لم تعزله مسؤولياته الأكاديمية عن المجتمع المكي، قدم أعمالاً جليلة تطوعية في خدمة تراث مكة المكرمة، وإبرازه في صورة مشرقة مشرفة. |
الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة كان بحق أثراً من آثار دعوة أبي الأنبياء الخليل عليه السلام وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم: 37)، ثمرات العقول، هي أعظم الثمرات. |
إني هنا أعدد مآثره، ولكني لا أحصرها.. |
بذل جهوداً مشكورة مع فريق من أساتذة جامعة أم القرى في فهرسة المخطوطات النفيسة لمكتبة مكة المكرمة (المولد النبوي الشريف)، وكان عمله أول فهرس مطبوع لهذه المكتبة (فهرسة مخطوطات قسم القرآن وعلومه)، أعقبه بفهرس (قسم التاريخ) من طبع ونشر مؤسسة الفرقان بلندن، عام 1414هـ/1994م، واشترك حفظه الله في إعداد الفهرس العام لمخطوطات هذه المكتبة اليتيمة. |
كانت إقامته بمكة المكرمة نشاطاً علمياً متواصلاً في الندوات العلمية، والمذاكرات الشخصية مما أثرى الوسط العلمي. |
الأستاذ الدكتور محمد الحبيب العالم الأكاديمي: فريد في أسلوبه، مجيد في عرضه، ماهر في مناقشاته. |
في مجال التاريخ: تدريسه بجامعة أم القرى بما يقارب عقدين من الزمن صنع من أبنائها في قسم التاريخ والحضارة أجيالاً من علماء التاريخ، بل علماء متخصصون يقودون المسيرة. في التاريخ المكي عبر محاضراته في قاعات الجامعة، وعبر توجهه لإخراج التراث المكي، ونشره فكان هذا جهداً مشكوراً يغبط عليه. يحمده عليه رب البيت، والمؤمنون، والمكيون منهم بخاصة. |
إشرافه على الرسائل العلمية الجامعية المتخصصة في التاريخ المكي، وتشجيعه طلاب الدراسات العلمية لإخراج كنوز التاريخ المكي أنجز من خلاله الكثير المهم من تاريخ مكة المكرمة بما لم يسبقه إليه أستاذ جامعي. |
له الفضل الأول بعد الله عزّ وجلّ في اكتشاف المدرسة التاريخية المكية ذات الخصائص العلمية والمنهجية، وهو إنجاز علمي كبير في دنيا العلم، إنصافاً لمكة والمكيين، ولإعطاء المدرسة التاريخية المكية حقها بين بقية المدارس. |
لم نكن نسمع من قبل من يتحدث عن هذه المدرسة، والإشادة بعلمائها، وتراثها الخصب، وخصائصها المنهجية، أثبت هذا وبرهن عليه من خلال عمله العلمي الفريد: |
(التاريخ والمؤرخون في مكة المكرمة من القرن الثالث إلى القرن الثالث عشر الهجري)، فكان هذا العمل فتحاً جديداً للدارسين والباحثين في تاريخ مكة المكرمة عبر العصور. |
الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة الفقيه المحقق: |
بحكم تكوينه بجامع الزيتونة صاحب اهتمامات، ومعارف متنوعة، فهو منذ عقد من السنين، يخصص شطراً من نشاطه العلمي لإخراج النفائس والدرر من المدونات الفقهية الكبيرة في المذهب المالكي، أخرج للمجتمع العلمي فتاوى الإمام الفقيه أبو القاسم بن أحمد البلوي التونسي، المعروف بالبرزلي (ت 841هـ) كتاب: (جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتيين والحكّام) في سبعة مجلدات ضخمة، وهو الآن -حفظه الله- يعكف على تحقيق، وإخراج فتاوى العلامة أبي الفضل قاسم عظوم التي يقال إنها بلغت نحو الثلاثين مجلداً محررة مع إطناب.. ولا أخاله إلاّ في اللمسات الأخيرة منه، إن لم يكن قد أنجزه طباعة. |
أعمال جليلة، يقف المرء أمامها إعجاباً وتقديراً لا يستطيعها إلاّ أولو العزم من العلماء، المحتسبين الأجر والثواب: |
علم كان عليه من شمس الضحى |
نوراً ومن فلق الصباح عموداً |
|
هذا قليل من كثير مما أعهده في ضيف الاثنينية الكبير، التي كانت إقامته بيننا في بلد الله الحرام عطاءً سحاً، ونفعاً مباركاً. |
أيها السادة والسيدات: |
آخراً وليس أخيراً: لكل امرئ مفتاح يستدل به على شخصيته: |
مفتاح شخصية ضيف الاثنينية هذه الليلة، الأستاذ الكبير محمد الحبيب الهيلة الوفاء الوفاء لمبادئه، الوفاء للعلم، الوفاء لتراث الأمة، الوفاء، ثم الوفاء. |
هذا هو مفتاح شخصية هذا الضيف الكبير فجزاه الله خيراً الجزاء، وبارك للأمة في جهوده وأمده بالصحة، ليظل عطاؤه العلمي المعرفي مستمراً، إنه سميع مجيب. |
أيها السادة لعلنا نستمع إلى بعض حديث الحاضرين، فأرجو من الأستاذ عبد الله الشريف أن يتفضل خلال خمس دقائق، فليتفضل مشكوراً. |
|