((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته الميامين. |
الأستاذات الفاضلات |
الأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
تحدونا الأشواق إلى أرض الكنانة بعد طول غياب لنلتقي الليلة بالدكتور محمد سليم العوّا.. المفكر الإسلامي، والحقوقي، والأكاديمي الذي قدم إلينا خصيصاً لنسعد بالاحتفاء به والإسهام في توثيق مسيرته كفاء ما قدم لأمته ووطنه ومواطنيه. |
ضيفنا الكريم نذر حياته لكثير من القضايا المهمة ومن أبرزها دوره الأكاديمي كأستاذ جامعي في مواد القانون الدولي بفروعه المختلفة، وما واكب ذلك من موقعه كتربوي عهدنا إليه بفلذات الأكباد تقويماً، وتوجيهاً للأساليب المنهجية في التعليم الجامعي بما يكتنفه من اختلافات جوهرية بينه وبين التعليم العام الذي يسبق المرحلة الجامعية.. فكان العضد والسند في مسيرتهم العلمية وصولاً لآفاق أرحب في فضاءات العلم والمعرفة. |
وفي طليعة اهتمامات ضيفنا الكبير اشتغاله بالكلمة: فكراً، وحواراً، ورافداً ثقافياً.. وليست ترفاً استهلاكياً وتزجية فراغ، في زمن أصبح الاهتمام بالكلمة الجادة يمثل مفصلاً محورياً في نهضة الأمة وتوجهاتها الحضارية.. ومما لا شك فيه أن من ينبري لمثل هذه المهمة سيجد نفسه في مواجهات صريحة مع خصوم في الرأي منهم الموضوعي ومنهم دون ذلك، وتلك طبيعة الأشياء.. فضيفنا الكريم مكان خلاف بين جمهرة من المعنيين بقضايا الثقافة والفكر، وكل له الحق في إبداء رأيه طالما أنه يتسق ومعايير النقد البناء والصراع الفكري الذي يقود في النهاية إلى جلاء الحقيقة وتكريس الجهود لخدمة قضايانا الملحة لحاقاً بركب العالم في شتى ميادين التطور العلمي والاجتماعي والتقني. |
ومن علامات الاستفهام المطروحة ما يتعلق بالاتحاد العام لعلماء المسلمين الذي يتولى فارس أمسيتنا أمانته العامة، وقد جاء في تعريفه إنه مؤسسة إسلامية تأسست عام 2004م يرأسها الشيخ يوسف القرضاوي، وينوبه من السنة العلامة عبد الله بن بيه، ومن الشيعة العلامة آية الله التسخيري، ومن الإباضية مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي.. وقد أقيم مؤتمرها التأسيسي في لندن.. فهو من ناحية يمثل نهجاً مستقلاً عن التوجهات الرسمية للدول الإسلامية، بيد أنه يسعى لفتح نوافذ التعاون والمشاركة لما فيه خير المسلمين والأقليات المسلمة أينما كانت.. هذا النوع من المؤسسات عادة ما يكون عرضة للاستقطاب والاستحواذ من قبل أصحاب الفكر الذي لا يقبل الاختلاف، ويعتبر نفسه وصياً على الآخر، وبالتالي فإن وضع العصي في دواليب عملها ليس مستبعداً في دروب يكتنفها الكثير من الضبابية في عالمنا الإسلامي الذي يصارع في جبهات متعددة ووسط قنابل موقوتة وبؤر توتر نرى ملامحها في معظم الدول الإسلامية دون استثناء -إلا ما رحم ربك- وهي جبال من المسؤولية التي تنوء بها حكومات العالم الإسلامي والمنظمات التابعة لها.. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة من أين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتمويل اللازم للتصدي لهذه الفتن التي يأخذ بعضها بتلابيب بعض.. وهل تكفي المؤتمرات والشجب والإدانة والزيارات للقيام بالدور المنشود في هذا الصدد؟ وهل قصرت الكيانات الموجودة أصلاً في القيام بهذه الفعاليات التي ظل إسهامها دون تطلعات الشعوب الإسلامية. |
إن الغلالة الفضفاضة التي يعمل تحتها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تتيح له إصدار بيانات في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعضها بالتأكيد لا يتماشى مع كل التيارات الموجودة على الساحة، الأمر الذي قد يدعو إلى إعادة النظر في تأطير هذه المؤسسة بما يحفظ لها مصداقية التعامل مع مسائل تتفق وتوجهاتها وتتيح لها في ذات الوقت اتخاذ خطوات عملية بناء على ميزانية معتمدة تستطيع بموجبها وضع تصوراتها موضع التنفيذ كنافذة خير على الأمة الإسلامية وليست ظاهرة صوتية تضاف إلى الظواهر الصوتية الأخرى التي يعاني منها الشارع الإسلامي. |
إن لضيفنا الكريم مشروعه الخاص في ترقية العمل الإسلامي الذي يرى بموجبه أن تتجه القوى الوطنية العربية الصادقة إلى طريق واحد ذي شعبتين: ترشيد الصحوة الدينية، لا حربها.. وترسيخ الوحدة الوطنية بين أتباع الأديان المختلفة وبين أتباع الدين الواحد، وترسيخ الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن جميعًا أياً كانت دياناتهم، وترسيخ الوحدة الوطنية بين أصحاب المذاهب الفكرية والثقافية والعلمية مهما تكن رؤاهم متباعدة، وحتى لو بدت متناقضة.. إن هذه (الزاوية المنفرجة) التي ينظر من خلالها ضيفنا الكريم تحمل مضامين سامية، وأفكار رائعة، لكنها قد تكون أقرب إلى "المدينة الفاضلة" من واقع الحال الذي نكتوي بناره باستمرار.. فمتى تلتقي النظرية والتطبيق؟ |
ومن المحاور المهمة التي عني بها ضيفنا الكبير مسألة الحوار الديني: الإسلامي، المسيحي، اليهودي.. وهو حوار تكرر حوله الحديث بينما نرى هجمة مركزة مدعومة من هيئة الكنائس العالمية ممثلة في "رابطة الرهبان لنشر الإنجيل" وهي واحدة من عدة أذرع تعمل في مجال تنصير المسلمين، ووسائلها المعهودة لهذا الغرض بناء المدارس، ومرافق الخدمة العامة.. ويعمل في خدمة المنظمة (850) ألف قس وكاهن، و (450) ألف موظف إداري، يساندهم جيش آخر مكون من (مليون) فرد ينتقلون بين القرى والمدن الإسلامية حاملين لواء التنصير على جناح ميزانية لا تقل عن (500) مليون دولار أمريكي.. فهل يظل العالم الإسلامي رافعاً أجندة الحوار وشعاراته أمام هذا السيل الجارف؟ |
المحور الأخير الذي أود إلقاء الضوء عليه في مسيرة ضيفنا الحافلة بالعطاء، اشتغاله بالعدالة باعتبارها النبراس الذي يضيء طريق التضامن والوحدة، ونزع فتيل القهر والشعور بالدونية والطبقية المقيتة بين أبناء الوطن الواحد، بل بين سائر الملل والنحل.. لأن العدالة وحدة لا تقبل التقسيم أو التجزئة أو التلوين، ساطعة بذاتها، مستمدة قوتها من قول الحق سبحانه وتعالى وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ (النساء: 58) والنصوص التي أنزلت العدالة مكاناً رفيعاً في حياة الأمم إذ تمثل قطب الرحى الذي تدور حوله حقوق الإنسان، والمساواة الاجتماعية، والتنمية، والاستقرار، والأمن، وهي وشائج التقدم والازدهار التي لا مندوحة عنها. |
شكراً لضيفنا الكريم، متمنياً لكم أوقاتاً طيبة وأن نسمع عن مشاريعه الفكرية، وجهوده في خدمة قضايا الأمة.. سعداء أن يرعى هذه الأمسية بما له من علم وفضل معالي الأستاذ الدكتور محمود محمد سفر، وزير الحج الأسبق.. مع ضيفنا الكريم. |
آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم لنحتفي بسعادة الأستاذ الدكتور محمد الحبيب الهيلة، الأكاديمي والمؤرخ التونسي المعروف، أستاذ الدراسات العليا بالجامعة التونسية ثم بجامعة أم القرى سابقاً، والذي صدر له أكثر من أربعين مؤلفاً في التحقيق والدراسات التاريخية والحضارية.. فأهلاً به وبكم، وبكل من يتعامل مع الكلمة. |
إلى لقاء يتجدد وأنتم بخير،،، |
الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه: في ختام كلمتي، سعيد يا دكتور بتشريفكم، ولي أن أقول قولة أهل مكة عند استقبالهم واحتفائهم بضيفهم، على بيتنا نور، وأنستنا، زارنا الغيث، بوجودكم الليلة سعادتنا بتشريف معالي الأخ الكبير الشيخ أحمد زكي يماني، منتهزاً هذه الفرصة لنسعد بكلمة منه، ولكم الشكر جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل: شكراً لسعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، والكلمة الآن أيها السيدات والسادة، لمعالي الدكتور الشيخ أحمد زكي يماني. |
|