شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
عريف الحفل: شكراً للدكتور عبد الله مناع على ما تحدث به إلينا من بعض مما دار في (بعض الأيام وبعض الليالي)، نترك لكم متعة البقية في دفتي هذا الكتاب اطلاعاً وفحصاً وتمحيصاً، أما الآن أيها السيدات والسادة دعونا ننتقل قبل أن نبدأ بطرح الأسئلة على ضيفنا أو على كتاب ضيفنا الذي استعرضه لنا مؤلفه الدكتور عبد الله مناع ننتقل الآن إلى قسم السيدات والأستاذة نازك الإمام.
الأستاذة نازك الإمام: شكراً لك أخ محسن.. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.. أصحاب المعالي أصحاب السعادة السيدات والسادة الحضور الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شخصية الليلة هو رجل عاش معنا دائماً في أمسيات الاثنينية فهو ليس بغريب عن هذا المكان مشارك وناقد ومتحدث وهو اليوم بيننا يستعرض كتابه (بعض الأيام بعض الليالي).. فمن الطفولة الهادئة على حد تعبيره، عبر الخاسكية وقصبة الهنود إلى حارة الشام لتمضية الليالي، وصولاً لهذه الليالي بعد سنين وأيام إلى يوم الوفاء والحب والتكريم، لهذا المبدع لسعادة الدكتور عبد الله سليمان مناع. فمرحباً بك خليط من إنسان وطبيب وكاتب وأديب وقاص، ويسعدنا أن نبدأ طرح الأسئلة، لديّ العديد من الأسئلة من هنا في قسم السيدات.
السؤال الأول من سعادة الكاتبة الأستاذة انتصار العقيل:
الأخ الدكتور عبد الله مناع نبارك لك هذا الإطار الجميل بأسلوبك الراقي والهادئ ولكنني أرجو منك أن توضح لنا لماذا قسوت على الأستاذ عبد المجيد شبكشي، رغم أنك في كل مرة تذكر اسمه وتطلب له الرحمة من الله، فلماذا لم ترحمه أنت بقلمك، والأمثلة كما ذكرت عنه، أنه كان يعمل ما بوسعه لمضايقتك وتصحيحك ولكنك كنت تعرف دوافع حججه وألاعيبه، السؤال هو: هل هذه القسوة سببها أنك كنت تطمح إلى رئاسة تحرير جريدة (البلاد)، فقد كانت حلمك الضائع الذي ما زال على ما هو وإلى الآن وشكراً لك.
الدكتور عبد الله مناع: الحقيقة ما عادت رئاسة تحرير (البلاد) تشكل حلماً منذ تلك الأيام حتى يبقى، لكني أنا كنت أسجل ذكريات بأمانة والحقيقة أني التزمت هذه الأمانة في ظني بشكل دقيق لأني أيضاً أنا أنصفت الأستاذ عبد المجيد الله يرحمه، وذكرت أنه معني بالأدب وأنه قارئ جيد بل من أميز الناس في معرفة الكتاب، أنا كان يدهشني بالفعل، وكانت بيني وبينه صلة دائمة ومستمرة، وكان يراني كإبن من أبنائه ولكن كما ذكرت أنه يراني إبناً ولكنه ليس زميلاً في المؤسسة، وعلى أي حال هذه قضية أخرى، لكني أنا لم أقسُ على الأستاذ عبد المجيد لكنني بقدر ما وصفت الحالة التي كنا عليها، لك أن تتصوري ذلك الشاب الذي اسمه عبد الله مناع وعمره خمس وعشرون أو ست وعشرون عاماً، رشح لرئاسة تحرير جريدة (البلاد)، بالرغم من وجود عبد المجيد شبكشي رئيس التحرير، نحن هنا وإلى جواري الدكتور محمد عبده يماني اتصل بي المرحوم الأستاذ البوقري في ذلك الوقت، ورجاني أن أسحب اسمي من الترشيح، وهذه كانت مفاجأة لكني قلت له حاضر، وسحبت اسمي من الترشيح وانتهت المسألة بأن الشيخ المارد كما ذكر لي فيما بعد والله أنا خذلتك وأعطيت صوتي للأستاذ عبد المجيد وقد كان هو الصوت المرجح، حتى أني أعلم أنك إذا أصبحت رئيس تحرير ستثير عليك الكثير من المشاكل بالنسبة لك وقد تكون بالنسبة لجريدة (البلاد)، والله يا أستاذ الشيخ محمد مغربي له وجهة نظر، لكن شبكشي كنت أحبه بل كنت أرى فيه خفة دم غير عادية، بل وأنا ذكرته بكثير من الإنصاف عن البرنامج الذي كان يعمله في الإذاعة عن حبه للأدب، لكنه الحقيقة وهذا لازم تعرفيه يا أستاذة انتصار، أنه كان صحفياً هياباً كان يريد الصحفي يضرب سلام من الصباح إلى المساء. وأنت تعرفين يضرب سلام يعني إيه، أي لا يسمح نسمة هواء في الجورنال، ماذا تريدين أن أفعل، هذا الذي قلت هو الحقيقة، فإن أعجبتك فأهلاً وسهلاً وإن ما عجبتك يمكن أن تكتبي وتردي، بما تعلمين إذا كان لديك علم آخر غير الذي سمعتيه مني الآن.
عريف الحفل: سؤال من معالي الدكتور مدني علاقي يقول فيه:
الدكتور عبد الله (بعض الأيام وبعض الليالي) وربما ما في كان أعظم في هذه السيرة، هل نرى لك كتاباً بعنوان (كل الأيام كل الليالي)، لنرى فيه شخصية الدكتور عبد الله مناع الحقيقة كاملة.
الدكتور عبد الله مناع: والله أعتقد يا معالي الدكتور أن (بعض الأيام بعض الليالي) هو جزء مقترح لكل الأيام كل الليالي.
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الدكتورة أفنان الريس:
الدكتور عبد الله من غرف العمليات وأدواته وشجاعة الطبيب إلى الأوراق والأقلام وجرأة الصحفي وعشقك للكلمة وتجاذب وتنافر في آرائك وتركك لجريدة (البلاد)، وأنت من أبنائها برأيك ما هو الذي يشدك إلى هذا الاتجاه؟
الدكتور عبد الله مناع: أولاً أود أن أعمل تصحيحاً الكتابة عندي سبقت الطب بمراحل فقد بدأت وأنا طالب في الثانوية في الأولى ثانوي (أخربش) بعض (الخربشات) وأرسل هذه (الخربشات) وهذه جرأة كانت مني الحقيقة، أرسلها إلى مكة، جريدة (البلاد) كانت في مكة، وكان الأستاذ عبد الغني قستي الله يعطيه الصحة والعافية كان ما زال فيها، وكنت أرسلها لجريدة (البلاد). فطبعاً الجريدة تحتفي بها تضعها في الصفحة الأولى تنشر المقال، كانت هذه (خربشة)، بعد (الخربشة) الأولى عملت (خربشة) ثانية، استمرت (الخربشات) ثلاث أربع خمس (خربشات). هذه الأربع خمس ست (خربشات)، كان بينها واحدة بعنوان (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس)، هذه (الخربشات) انتهت بي الثانوية إلى أن جئنا إلى مرحلة فاصلة ما بين القسم العلمي والقسم الأدبي، في المدرسة الثانوية، ما كان كما نحن الآن كان عندنا عدد من المدارس الثانوية يتنقل الطالب من واحدة إلى أخرى خاصة وحكومية لا.. الأمور كانت.. مدرسة الفلاح والمدرسة السعودية فقط، المدرسة السعودية الثانوية كانت تنشأ سنة بعد سنة، معنا في هذه الأمسية الدكتور الزميل الصديق العزيز الدكتور محمد صحصاح وقد كان معي في السنة الأولى ثانوي وفي السنة الثانية ثانوي، فكانت تنشأ المدرسة عاماً بعد عام لنا نحن الطلبة، وبالذين سبقونا أنشأوا الإعدادية ثم نحن لحقناهم وعملنا الثانوية، فجينا في السنة الأولى ثانوية خيرنا مديرها قال والله أنتم مخيرون بين أنكم تلتحقون بقسم علمي أو بقسم أدبي، فأنتم فكروا مع بعضكم وقد كنا ستة، تريدون قسم علمي أم تريدون قسماً أدبياً. أجمع الإخوان على القسم العلمي لأنهم كلهم يريدون الطب أو الهندسة أو الصيدلة إلى آخره، وأنا كنت الوحيد الذي كنت أريد قسماً أدبياً، فعلم المدير الأستاذ حسن مندورة رحمه الله بأني أريد قسم أدبي فقال لي أنت يا فلان تروح مكة هناك تكمل في ثانوية قسم أدبي، ولكن أنا ما أقدر أفتح قسمين في وقت واحد، قلت له أنا والله مكة بالنسبة لي مشوار طويل، وصعب جداً، وأنا ساعتها أنا شاب يتيم ولا أملك لا سيارة ولا أملك مالاً، ولا أملك الأصدقاء الذين ينتظروني في مكة، فقلت أدخل معهم القسم العلمي، دخلنا القسم العلمي، المفاجأة الدكتور صحصاح لم يكمل معنا للثانوية كان معنا عاماً واحداً، ثم انتقل لبيروت في الثانوية جاءنا بقية من طلبة كانوا يدرسون في مصر وبيروت، بعد الخلاف السياسي في 56، وجاؤوا من هناك، فصارت التوجيهي التي كنا ندرسها كان فيها 15 طالباً لكن 9 من الذين قدموا من القاهرة ومن بيروت وستة هم نحن، دخلنا الامتحان التسعة، أو الثمانية نجحوا، الغرباء كلهم نجحوا، واحد من هؤلاء اللي هو أنا، وقعت الفأس في الراس، إذاً أنا الناجح الوحيد في القسم العلمي في ذلك العام في المدرسة السعودية الثانوية، طلعت الباصات، كانت الحكومة تحضر الباصات حسب حاجتها من الطاقات الشابة، أطباء مهندسون تجارة علوم حقوق آداب إلى آخره، فأنا طلعت طب، والآخرون كان زميلي الدكتور زهير السباعي زميلي من مكة، الصيدلة، وأنا طب أسنان، والدكتور حسن بخش أيضاً كان من زملائنا في تلك المرحلة إلى التجارة، يعني أيضاً وزعنا، وذهبت إلى الطب، اليتيم ليس له من خيار، اليتيم لا يملك من خيار، إلا ما هو أمامه، الظروف لا تسمح له بالخيار، كان في الخيار هذا لا يعرفه إلا القادرون والأغنياء، أنا ما كان أمامي سوى أن أذهب إلى الأمام، أياً كان الأمام، حتى لو كان جهنم الحمراء، إلى الأمام.. رحنا كلية الطب دخلنا كلية الطب، لكني لم أنقطع عن الكتابة، وكان عجيباً أيضاً أن أنجح في الطب في سنة الإعدادي وهي من أصعب السنوات وأرذلها على كل طلبة الطب، ونادراً ما ينجحون في العام الأول، في العادة ينجحون بعد سنتين أو ثلاث سنوات وبعضهم يترك الطب لأنه لم ينجح في الإعدادي، أنا أكملته وأكملت الكتابة، وبعد عام عملت هذا الكتاب ليس هذا الكتاب الذي نتحدث عنه وإنما كتاب (لمسات)، كتبت كتاب لا أدري كيف يعني لكن كتبت كتاباً، كنت أريد، كانت طبعاً سنوات الخمسينات، طالت الإجابة عن السؤال، لكن علشان أقول أن العلاقة بالكتابة أسبق بالعلاقة مع الطب، ولذلك سرعان ما عدت، لأنه أذكر أيضاً الدكتور عبد الرحمن لنجاوي عندما قابلني وأنا طالب في الثانوي، قال لي أنت أين تدخل كلية الآداب قسم لغة عربية، قلت لا لغة عربية لا، لكن هو لا يملك لا يدخلني ولا يخرجني لكن أنا لأني طالب صغير قلت لا لا.. أنا دافعت قلت لا أنا أريد كلية الآداب قسم علم نفس واجتماع، قسم فلسفة واجتماع، ذلك القسم الذي أردته هو الذي قرأته، طوال حياتي فأنا أقرأ في الاجتماع وفي الفلسفة وفي السياسة، أكثر مما أقرأ في اللغة وفي الأدب، قراءاتي معظمها في السياسة معظمها في الفلسفة معظمها في الاجتماع، على أي الأحوال دخلنا في هذا، فأنا قصدي أقول أن علاقتي هي مع الكتابة وليس مع الطب، ولكن على أي الأحوال الطب أفادني ودراسة الطب أفادتني، أفادتني علمياً وذهنياً صرت لا أقدم نتيجة بلا سبب، لا أقدم خطوة بلا سابقتها، صارت الكتابة عندي منضبطة، ضُبط قلمي، ضُبط فكري، الحقيقة الدراسة العلمية لا شك أنها تساعد ويمكن أن تستغرب أنت، أن أعظم كتاب القصة هم أطباء، شايكوف مثلاً، يوسف إدريس، فقصدي أنا أقول أن دراسة الطب، وليس الطب حتى العلوم قد تكون الصيدلة قد يكون الجانب العلمي فيه السبب يعتمد على النتيجة، هناك رابطة بين النتيجة والسبب، لكن الأدباء، كده يكتبون، فأنا أعتقد أن العلاقة كانت وثيقة مع الكتابة ولذلك أنا عدت إليها، أما حكاية جريدة (البلاد) فكانت تلك مرحلة وكان طبيعي أن أفكر فيها، أن أكون رئيس تحرير، وإذا كنت رئيس تحرير وقد كنته بعد فترة قام بإجازة الأستاذ عبد المجيد ومسكت الجريدة بحكم أنني عضو أو سكرتير لجنة الإشراف على التحرير، ومسكت الجريدة وأحدثت فيها تطوراً كبيراً جداً في خلال ستة أشهر، وأعتقد أن من كانوا حاضرين في تلك المرحلة يعرفونها ويمكن أن يتحدثوا عنها أو لا يتحدثوا عنها.
الأستاذة نازك الإمام: الدكتورة أفنان تقصد في سؤالها:
عن رغم حبك الكبير للجريدة، لماذا تركت الجريدة وتمسكت برأيك؟
الدكتور عبد الله مناع: جريدة (البلاد) في تلك المرحلة وأنا أتحدث عن هذه المرحلة التي نحن فيها وذكرت هذا في الكتاب أيضاً، كانت جريدة أشبه ما تكون بجريدة رسمية، فما كنت أحبها، كنت أحب جريدة (المدينة)، أكتب في جريدة (المدينة) بانتظام، ويمكن جريدة (المدينة) هذه التي وصلتني لمساحات من القراء، وكنت أكتب في هذه الجريدة في باب اسمه الباب المفتوح أرد فيه على مشاكل القراء وأنا كنت شاب في السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من عمري، فكنت أكتب فيها أشياء ذكرها الدكتور المغربي الآن، وتوسعت العلاقة باليوميات ثم بصفحة الباب المفتوح ثم بالعمود يوم الجمعة على ما أعتقد، كنت أكتب بغزارة في جريدة (المدينة)، وكنت أعتقد وما زلت بأن رئاسة التحرير بجريدة (المدينة) في ذلك الوقت الأستاذ محمد علي حافظ هي رئاسة في موقعه وفي موضعها فقد كان صحفياً بالدرجة الأولى، وكان صحفياً بحق وحقيق يعلم أن جريدة (المدينة) جريدة كل الناس، فكنت أكتب في هذه الجريدة، وبين الحين والآخر يستدعيني الأستاذ عبد المجيد كي أكتب عنده، ويمكن ذكرت التفاصيل، إذا ذكرت بعض التفاصيل أذكر مثلاً انقطعت ما أكتب في جريدة (البلاد) حتى سافرت إلى إيطاليا في رحلة، ولم أعد من رحلة إيطاليا، وقد التقيت في الرحلة بالكاتب الإيطالي الشهير ألبرتو مارابيا وكان لقاءً جميلاً جداً جداً، الحقيقة فهو دهش بأن هناك كاتباً من العربية السعودية كما يسميها، ومن جدة يأتي لزيارتي، وقد كنت قرأت له رجل سأم، وسحرتني الحقيقة، لا لم تعجبني حقيقة بل سحرتني فالمقدمة في ستين صفحة أكلتها أكل، أكلتها شربتها شميتها تغمست فيها، المهم، عندما رجعت كتبت حلقاتي عن زيارة إيطاليا في جريدة (البلاد)، أعطيكم عينة على جريدة (البلاد) في تلك الأيام فكنت ذكرت أني والله زرت حديقة الخالدين، وفعلاً زرت حديقة الخالدين، فيلا بورجيزي، لمن يعرف روما هناك حديقة كبيرة اسمها فيلا بورجيزي، وفيها تماثيل لمشاهير الشعراء والأدباء والكتاب من جميع أنحاء العالم وكذلك تمثال لشوقي، عمر سجيني كما كنت أعرف، وذهبت لبورجيزي كي أرى تمثال أحمد شوقي، كتبت هذا الكلام قال المراقب أن الخالدون ما ينكتب يا عمي اسمها المتداول بين الناس هو كده، اسمها الخالدون قال لا.. قلت له كيف نفهمهم أن هذا المكان بورجيزي هو الخالدين؟ العالم كله يعرف كده، قال لا هذا يخدش (بالنبيي)، هذه من عينات في الخلافات في (البلاد)، لكن نشرت بقية المقالات ونشر الحديث مع الأستاذ ألبرتو مارابيا، بل نشر مرة ومرتين وثلاث مرات، بنصه نقلاً ألبرتو مارابيات والمشكل كان هذا يعني الخلافات حول الحقيقة خلافات الحرية، تحبني أيوة لكن لا بد أن تسمح بمساحة من الحرية عشان الكاتب لا بد أن يتواصل مع القراء، القارئ هو في النهاية أذكى من الكتاب بكثير وأقرأ وأفهم، فالكاتب هو يحاول أن يقدم له أفكاره، فإذا أنت تعترضها بأنك تقيد المساحات وتصغر المساحة وتختصر المساحة، فأنت تجعل الصورة أمام القارئ مشوهة.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ يحيى باجنيد يقول:
في رأي كاتبنا هل من الأنسب أن تكون السيرة الذاتية على شكل اعترافات أم تضخيم الذات أم انتقاص ممن نختلف معهم من الأحياء والأموات؟
الدكتور عبد الله مناع: طبعاً الغرض ليس تضخيم الذات، لأنه ما أعتقد أن الكاتب يكتب سيرته لكي يضخم ذاته، لأنه على أي الأحوال الكاتب يكتب السيرة الذاتية ومثل ما كتبت في المقدمة لأنه في العادة لا يكتبها في أول العمر، وتضخيم الذات مطلب دنيوي، لكن يكتبها وعمره خمسة وسبعين أو ثمانين عاماً، ما الذي يريده، فقط لكي يقدم الحقيقة التي عاشها هذه النقطة الأولى، النقطة الثانية أنه والله طبعاً الاعترافات هنا أيضاً نقطة تماس ما بين الاعتراف وبين قصة.. طبعاً هناك كتاب قدموا اعترافاتهم جون جاك روسو دي اعترافات لكن أوسكار وايد عندما كتب مذكراته قال لا تنشر إلا بعد مائة عام، لأنه ذكر فيها من الفضائح يعني لا يليق المقام بأن تذكر أما الحضور الناس أنواع، الفضائح التي عاشها أوسكار وايد وقد كان عاشقاً ومعشوقاً كما تعلمون، فقال بعد مائة عام لأنه لم يستطع حتى يكون الزمان تغير وهو تغير ولم يعد في الممنوع، لكني أنا أقول أن المسألة ليست تضخيم للذات إنما لا بد أن نعترف في البداية والنهاية أن الناس يبدأون صغاراً ثم يكبرون ثم تنتهي محطة المنتصف إلى أن نجد أعلاماً كباراً ونجد أقلاماً صغاراً، طبيعة الحياة، فقط تبدو الصورة أمام الآخرين إنه والله تضخيم للذات وقد تكون الحقيقة هي هذه.
عريف الحفل: أيضاً ذكر أنه هناك بعض الانتقاص ممن نختلف معهم.
الدكتور عبد الله مناع: والله ليس انتقاصاً إنما هي وجهات نظر، وطبعاً أنا الكتاب هذا كتبته وكما ذكرت في البداية أنني قدمته للأستاذ قينان بحكم أنه رئيس تحرير ولديه قدرة على تمييز ما يصح وما لا يصح في النشر أيضاً، ولديه إحساس ولديه خبرة وقد كان نائب رئيس تحرير (عكاظ)، وكان رئيس تحرير (البلاد)، واكتشفت أنه كيف يرى ممكن توزيعه ولا ننسى الموضوع، قال لا وزعه وقلبك قدك، المهم إن هذا ليس الموضوع إنما أردت أن أقول أنه ليس انتقاصاً بقدر ما كان إيراداً لحقيقة رأيتها، قد أنا لا أصادر حق الآخرين بأن يروا الحقيقة من زاوية أخرى من زاويتهم، غير هذه، لكن من زاويتي هذه هي الحقيقة، بل وترفعت عن كثير مما يمكن إيراده لكن جنبته وقلت هذا ما يصح، حفاظاً.. ولم أذكر أحداً لا إهانة ولا تحقيراً أنا ذكرت الاختلاف المهني معهم فقط، أما قصة حياتهم أما منهم أما كيف هم أما ما يفعلون هذا ليس شأني، أنا فقط ركزت على جانبهم المهني وتكلمت على الجانب المهني فقط، الشيء الجميل الجانب المهني والغير جميل من الجانب المهني وليس غير ذلك. هذه وجهة نظري فقط ولا أعممها يختلف معي كل الناس بعض الناس، لكن هذه وجهة نظر وكتبتها.
عريف الحفل: السؤال لدى قسم السيدات:
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الأستاذة فريدة فارسي:
الأخ الدكتور عبد الله ذكرت في كتابك السيدات الرائعات اللاتي عشت وسطهن في طفولتك، ماذا كان أثرهن عليك، هل المرأة أكثر جرأة وتنقل، فتنقل جرأتها وأبناءها؟ وشكراً لكم.
الدكتور عبد الله مناع: والله أنا عشت نعم وسط عدد من السيدات، عدد كبير أولهن السيدة حسينة عشن وهي سيدة من سراري بيت عشن، وسراري هذه كلمة مهذبة وهي جواري لكنها هي كلمة مهذبة يتداولها المجتمع وهذه السيدة متعلمة وقد تجوزت برب الأسرة أو رب البيت أو سيدها وأصبحت حرة ويبدو من رؤيتي لها ومعايشتي لها وقد عشت معها منذ بداياتي الأولى حتى ماتت، وقد كنت أحبها إلى ما لا نهاية، السيدة حسينة عشن هذه علمتني أشياء كثيرة أولها فن أن تروي حكاية، وقد كانت تروي لنا كل ليلة كما ذكرت في الكتاب، ونحن مبهورون بتلك الحكايات والقصص التي ترويها، والتي كنا لا نعرف معظمها أو كلها، كنا نعتقد أنها حكايات حقيقية أو غير حقيقية لا نعلم لكنها كانت تشدنا وأنا ذكرت أيضاً أنني تعلمت دراما الكتابة يمكن من السيدة حسينة عشن لأنها كانت تحثنا لحد أننا لا نستطيع أن نتنفس أو نتكلم في أثناء حديثها صامتين مبهورين مأخوذين بالرغم كنا أفواهنا مفتوحة ونحن نسمع القصص التي ترويها لنا كل ليلة، ليالي الخوف وليلة الوحشة والليالي التي تخلو فيها جدة من كل أو معظم شبابها ولا يبقى فيهم غير الشيوخ والأطفال والنساء، هذه السيدة الأولى، السيدة الثانية جدتي، جدتي وهي ليست جدتي، هي زوجة جدي وهي عامودية واسمها رحمة عامودية، وهذه السيدة علمتني أمرين، علمتني أنها تقرأ في كتابين لا ثالث لهما، في البخاري وفي دلائل الخيرات، والبخاري هذا لم أكن أعرفه ما يعني (البخاري)، بعدين عرفت أن هذا هو أهم كتب الحديث وأكبرها ومرجعيتها الأولى، وحتى ما كانت تقول لي البخاري إذا الحرامي جاء وسرق من البيت لا يمكن أن يخرج في الصباح يحسب على الباب حتى أهل البيت في الصباح يمسكوه بإيدهم، يا الله البخاري له سر، فهذه علمتني القراءة والجانب الديني، دلائل الخيرات أيضاً جانب يروي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام بتفاصيلها، فهي كانت لا تقرأ إلا في كتابين، إلى جانب القرآن طبعاً، هذه السيدة علمتني وحتى كنت أساعدها في الكتاب، يعني أجيب موية للأولاد ما في أولاد بنات، لأنه أنا كان عمري سبعة أو ثمانية أو تسعة أعوام، أجيب الموية للبنات أجيب الطباشير كدا، أساعد في هذا، الست هذه رحمة عامودية وقد كانت عامودية لكنها عجيبة، هي التي قالت لي عن جدة قالت لي جدة قالت لي المثل الجميل ولأول مرة، مكتوبة على بابها (ترقي الغريب وتجلس أصحابها)، أنا أعرف أن الست دي ما هي من أهل جدة عامودية هي لكنها حتى الحضارم يعتقدون أن أبناء جدة بدليل أن جدة هذه ترقي الغريب وتجلس أصحابها، أنا كنت أستغرب كيف تقول الكلام هذا، لكن على أي الأحوال كانت جدة هذه رحمها الله وطنية تعتز بالوطن حقها وأنها بنت هذا البلد وأنها صاحبته وليس هناك جدال ولا بحث هذه العامودية، المرأة الثالثة هي عمتي، عمتي علمتني الأناقة لقد كانت أنيقة بشكل مفرط، بشكل أننا نعرف أنها جاءت أو خرجت من السلالم من رائحة العطر الذي تتركه خلفها، إلى هذا الحد، وحذاؤها اللامع كانت جميلة جداً وملابسها جميلة جداً وأيضاً كانت فنانة مطبخ تعلمت الأناقة منها، السيدة الرابعة وهي الأولى وهي والدتي، والدتي بديعة حامد نحاس، هذه سيدة مهما حكيت فلن أفيها حقها.. الحقيقة كانت على قدر من الذكاء كبير جداً، حتى أني لما صحبتها إلى لندن للكشف عليها عند الأطباء في لندن كي يعرفوا كيف وضعها الصحي، ورآها الدكتور نظر في وجهها وقال لي هذه المرأة فيها الذكاء، يكلمني بالإنجليزي وأمي ماهي عارفة، وقال لي والله نعم، قال لي أنها شديدة النظافة، وأنا أعرف أن أمي في حكاية النظافة هذه حكايتها حكاية، تغسل الفاكهة بالصابون، أقرب إلى الهوس أو الوسوسة أو الجنون في موضوع النظافة، فهذه السيدة هي أمي وقد كانت دائماً معي الحقيقة وقد كانت مستشارتي وصديقتي والصحفي الذي أتحدث معه ليل نهار وهي لا علاقة لها لا بالصحافة ولا غير صحافة، وكنت أسألها عن أخبار الناس، العائلة الفلانية وبيت فلان وبيت باعشن وبيت شعبان وبيت بكر وبيت وبيت، أسألها عن أخبارهم، أنا أريد أعرف الأخبار والحقيقة معرفتي بالأخبار وسط مجتمعي يجعلني متواصلاً، يجعلني عارفاً أخباره، هن يعرفن أخباري على أي الأحوال هؤلاء السيدات يضاف لهن خالتي التي ذكرت عنها بأنها تتحلى بأناقة الأثرياء، وأناقة الأثرياء سببها لا خوف عندهم من غد ليست خايفة من بكرة الوحيدة من بين النساء من حولي التي لا تخاف من بكرة كانت هي خالتي خديجة حامد نحاس، هذه أيضاً في بيتها تعلمت فن الحياة كيف يكون البيت عندك جميلاً تسكن فيه، فيه لوحة، فيه راديو، في أسطوانة في جرامافون، فيه لوحات وكؤوس جوائز بطولات، سلة وتنس، فن الحياة أنا تعلمته في بيت خالتي هذه وتعلمت فن الاستماع للراديو والذي أصبح صديقي منذ كان عمري سبع سنوات إلى يومنا هذا، كثيرون لا يستمعون إلى الراديو أنا ما زلت حتى يومنا هذا لا بد أن أستمع إلى الراديو، ولو على الأقل نشرة واحدة، في BBC نشرة إما سبعة إما تسعة إما إحدى عشر، وأنا إلى يومنا هذا أعرف مواعيد نشراتهم أو نشرة مونتكارلو حتى أسمع وجهة النظر الفرنسية في الأحداث.
عريف الحفل: نظراً لزحف الوقت حقيقة سنكتفي بهذا السؤال وهو السؤال الأخير الذي يطرح على ضيفنا هذه الليلة وهو من الأستاذ خالد المحاميد من جريدة الوطن، يقول:
سعادة الدكتور عبد الله مناع بينما كتبته (في بعض الأيام في بعض الليالي) وبين صورتك ككاتب في أذهان القراء، هناك فجوة يمكن أن تكون في غياب أدبية النص، هل تفكر بردم هذه الفجوة مستقبلاً؟
الدكتور عبد الله مناع: والله أنا كنت فاكر أن الفجوة على غير ما ذكرت يمكن الكاتب تتشكل له صورة عند القارئ، قد تكون مختلفة مائة في المائة عن الصورة الحقيقية، وقد تكون قريبة منها، وقد تكون أحلى منها، حسب علاقة القارئ مع هذه السطور، وأنا الحقيقة لا أدري ما هي بالضبط صورتي عند القراء في مجملهم أو معظمهم، ولكن أعتقد أن لي صورة مقبولة إلى حد ما، يمكن بعضهم يراني متعجرفاً، بعضهم يراني معقداً فيما أكتب، بعضهم يراني أطيل فيما أكتب، بعضهم يراني أتفلسف كثيراً فيما أكتب، يمكن كله هذا.. وبعضهم يراني والله أنني كاتب يعبر ليس عن نفسه بل يعبر عن غيره فيما يكتب، لكن صورة الإنسان قد يرسمها لنفسه، ولكن من الصعب أن ينقلها بدقة إلى الآخرين، ستنقل لكن مع إضافات قد تكون بالأقل أو قد تكون بالأكثر لكن على أي الأحوال صورة الكاتب أصلاً تشكل هماً كبيراً ويمكن صورة الكاتب شاباً لأحد الكتاب الآن أنا ناسي اسمه يعتبر من أجمل الكتب وأعظمها عن كيف صورة الكاتب في شبابه عند قرائه وما هي أحلامه وما هي مآسيه وما هي آلامه، على أي الأحوال أنا أعتقد أن صورة الكاتب تشكل نقطة صعبة في حياة الكاتب ويحرص هو بكل تأكيد على أن تكون صورة واضحة ويكون واضحاً فيما يقوله وفيما يكتب وفيما يطالع به الناس من كلمات أو آراء أو مساهمات أو مداخلات، لكن أحياناً يوفق في أن يصل إلى تلك الصورة التي ترضيه والتي أرادها أن تصل للناس، وأحياناً لا يوفق وتبقى صورة لدى القراء مختلفة تماماً حقيقته، بعضهم يراه يقول لك "يا أخي داه يا أخي إيه الكلام اللي بيكتبو داه"، لكن على أي الأحوال يبقى كلمة جليلة من الخير أن يسألك القراء لماذا لا يكتب فلان؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :438  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج