((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
الأساتذة الأفاضل |
السيدات الفضليات |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يسعدني أن أرحب الليلة بالأديب، والشاعر، والمربي، الأستاذ إبراهيم بن عبد الله مفتاح، قادماً من "جازان" تلبية لدعوة "اثنينيتكم" التي تمد يدها لكل أرجاء الوطن، تكريماً للمبدعين.. وتطوف العالم تواصلاً واحتفاء ببعض الذين أسهموا في الحراك العلمي والفكري والثقافي.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به بين محبيه. |
ضيفنا الكريم تربوي فاضل شارك في بناء جيل من أبناء الوطن الذين يتحملون مسؤولياتهم في مشوار النهضة والبناء.. وهو شاعر رقيق، محب للمكان، يلتصق به فيترك جزءً من كيانه على أديم الأرض، ويحمل إهابه ذرات من ترابها.. نجده دائماً يحرص على تسجيل مشاعره شعراً يرتبط بالمكان، وبعض المناسبات.. وفاء للأرض، والتحاماً بمن سكن الديار.. فهو سهل في تعامله.. يألف ويؤلف.. وينساب شعره رقراقاً ليرسم لوحات تنبض بالحب والجمال وسكينة النفس. |
لم يكتف ضيفنا الكريم بدائرة تخصصه وعمله، بل امتدت يده بالعطاء لتشمل آثار منطقة "جازان" وجزيرة "فرسان".. فلهما جذور ضاربة في التاريخ.. وآثارهما تعود لحقب ما قبل الإسلام.. ويجمعني بفارس أمسيتنا الاهتمام المشترك بالآثار.. فقد كنت عضواً بمجلس الآثار الأعلى.. وسعدت بنشر كتاب بعنوان "أحجار المعلاة الشاهدية -في جزأين" عام 1425هـ/2004م، أعده مجموعة من المختصين على رأسهم الأستاذ الدكتور سعد الراشد، والأساتذة خليفة الخليفة، وعبد الله الهدلق، وعبد العزيز النفيسة. |
إن الدراسات القيمة التي أنجزها ضيفنا الكريم للتعريف بمختلف النواحي الاجتماعية، والاقتصادية، والسكانية، والجغرافية والتاريخية، بمنطقة "جازان" وجزيرة "فرسان" تمثل نموذجاً للعمل المناطقي الصحي إذا جاز التعبير.. فالمناطقية منبوذة بصفة عامة إذا كانت تدعو للتشرذم والنعرات القبلية والعرقية.. غير أنها مكان تقدير إذا ارتبطت بالتنافس الشريف في مجال الثقافة والعلم، وحتى الرياضة لها مردود إيجابي في توظيف العمل المناطقي وصولاً إلى لحمة وطنية لا انفصام لها. |
يدرك الكثيرون أن توهج المبدع بعيداً عن المراكز الحضرية المعروفة يحتاج إلى جهود مضاعفة.. فالمدن الكبيرة تستقطب الأدباء والشعراء والعلماء، بينما لا يجدون المتكأ المناسب في المدن الصغيرة والقرى، لذا نجدهم يهاجرون نحو مرافئ الضوء ومراكز الإعلام المسموع والمقروء والمرئي.. ولا يلبثون أن يصيروا نجوماً بالمجتمع الذي يحتضنهم وينسى أو يتناسى جذورهم التي استمدت بريقها من المدن النائية في أطراف الوطن الكبير.. وهذه الهجرة الصغيرة تقابلها هجرة أكبر حيث نجد بعض المبدعين يهاجرون من بلدانهم إلى عواصم النور في العالم، وتجذبهم هالات أكبر من الضوء تنسجم مع توجهاتهم العالمية.. ويستمر نزيف العقول المبدعة مما يشكل خسارة على المستوى المحلي والإقليمي لكنه مكسب للحركة العالمية والإنسانية بصفة عامة.. وأحسب أن ضيفنا الكريم ممن تمسك بجذوره، ومسقط رأسه، وملاعب صباه، ومرابع أنسه.. لعله يجد فيها دفء العاطفة، واتساق التغريد ضمن سربه، والزناد الذي يقدح ذهنه وروحه لمزيد من العطاء والإبداع. |
إن العاطفة الجياشة التي يحملها ضيفنا الكريم بين جوانحه للوطن ممثلاً في مسقط رأسه وما حوله، تؤكد عمق أصالته وسعيه الدؤوب ليجعل من الخوافي قوة للقوادم.. ذلك أن بقاء بعض المبدعين في مناطقهم يشكل ظاهرة صحية تسهم في حفظ التراث ورفع المستوى الثقافي والحضاري بالمنطقة المعنية.. إذ يمثل هؤلاء الأفاضل قدوة للأجيال الصاعدة، يلتمسون عندهم المشورة، ويواكبون تحركاتهم وإنجازاتهم، ويحاولون التأسي بهم في كثير من أنماط الحياة التي قد تخرج عن دائرة الإبداع وتدخل في نواحي الحياة الأخرى من ملبس، وعلاقات اجتماعية، وأسلوب حياة ينم عن درجة من الوعي الذي ينعكس سلوكاً إيجابياً ينهض بالمجتمع، وينبذ العادات البالية كالعنف، واضطهاد المرأة، والجور على البيئة الطبيعية. |
فالمبدع وسط دياره يمثل شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين.. ولا شك أن انتزاعه من تلك البيئة يشكل خسارة ملموسة، فالأجدر بالجهات المعنية أن توفر لهؤلاء المبدعين إمكانات التطور والوصول إلى العالمية من خلال الإغراق في تكوينهم المحلي الصرف.. وليس ذلك بغريب، أو بدعاً بين الناس.. فقد صعد نجيب محفوظ سلم العالمية من خلال المحلية.. وترجمت أعمال الأستاذين الطيب صالح، وأحمد بادهمان، إلى عدة لغات حية وهي في الأساس تفاصيل حياة نسجت خيوط تفاصيلها أحداث من صميم البيئة بكل نقائها، وعفويتها، وفطرتها السليمة. |
إن كل منطقة في الوطن الشاسع تتمتع بإمكانات سياحية تتكامل فيما بينها لترسم لوحة مميزة مترعة بالجمال.. غير أنها قد تبقى مثل لؤلؤة مخبوءة في صدفتها.. يجهلها القريب، ولا يفكر فيها البعيد.. وهنا يأتي دور المبدعين أمثال ضيفنا الكريم ليرفعوا الستار عن تلك المناطق البكر، المتلفعة بسحر الطبيعة، وأسرار الزمان والمكان.. وكم قارئ سيطرت عليه روح النص فوجد نفسه منجذباً لا إرادياً للبحث عن أصل التجربة التي خاضها المبدع، والوقوف في أحضان البيئة التي أفرزت ذلك الينبوع المستطاب.. مما يفتح آفاقاً واسعة للسياحة وجذب الآخر، إذا ما توفرت العناصر الملائمة لتلك النهضة.. وما يترتب على ذلك من نمو اقتصادي قد يؤدي في النهاية إلى تغيير جذري في نمط حياة المواطنين، ورفع مستوى معيشتهم بصورة غير مسبوقة. |
إن ارتباط المبدع بأرضه ومواطنيه ليس ترفاً أو تقصيراً منه للبحث عن منصات انطلاق نحو المستقبل.. إنه يؤدي أمانة كبيرة إذا أحسن القيام بها.. وقد أجاد ضيفنا الكريم هذا الدور، ولا أزكيه على الله.. فله منا الشكر والتقدير، مثمنين أداءه المميز، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفقه لمزيد من العطاء الخير. |
أتمنى لكم أمسية ممتعة مع فارس أمسيتنا.. سعيداً أن يرعى هذه الأمسية معالي الأخ الدكتور مدني علاقي، عضو مجلس الوزراء السابق، والأكاديمي المعروف.. وعلى أمل أن نحتفي الأسبوع القادم بالأستاذة غريد الشيخ، الكاتبة اللبنانية المعروفة، وصاحبة ومدير عام مؤسسة النخبة للتأليف والترجمة والنشر، والتي ألفت وحققت ستة عشر كتاباً عن الأعلام، والمعاجم المختلفة، وقواعد اللغة العربية، وهي أيضاً عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين، وعضو المجلس العالمي للغة العربية.. وستقدم خصيصاً تلبية لدعوة اثنينيتكم.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بها، وبكل من يتعامل مع الكلمة.. وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير. |
والسلام عليكم ورحمة الله،،، |
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجة وقد ألقى كلمة ترحيبية بهذه المناسبة، ألقى فيها الضوء على الأسباب التي وضعت ضيفنا المحتفى به على كرسي التكريم بما له من علم وفضل وكتب وأبحاث وغيرها، حسب ما قدم لأمته وما أسهم به في الحراك الثقافي والعلمي، أيها السادة والسيدات الكلمة الآن لمعالي راعي الأمسية عضو مجلس رعاة الاثنينية معالي الأستاذ الدكتور مدني علاقي وزير الدولة السابق والأكاديمي المعروف، فليتفضل. |
|