(( فتح باب الحوار ))
|
ثم فتح باب الحوار وكان السؤال الأول من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي حيث سأل قائلاً: |
- دأب بعض الأدباء والمترجمون العرب على نقل الشعر، والأدب الفرنسي، والإنكليزي، والإسباني، إلى اللغة العربية، فبتنا نحن العرب نعرف عن الأدب الغربي بينما لا يعرف الغربيون عن أدبنا العربي، نأمل إفادتنا برأيكم وماذا نفعل لتحقيق هذه الأمنية؟ |
ورد الضيف قائلاً: |
- لا شك إنَّ نقل الثقافة الغربية إلى المجتمع العربي يفيدنا الشيء الكثير، وأعتقد أنَّ هناك أدباً غربياً - سواء كان إنكليزياً أو ألمانياً أو فرنسياً - ترجم إلى اللغة العربية وقد أفاد.. وقد لا يفيد.. لأنَّ الشعر صنيعة البيئة، فالبيئة الغربية لا تتفق مع بيئتنا، فإذا نقل لنا شعر غربي بحت، وأذيع بين الشعراء وبين الشباب وغيرهم، قد يؤثر على أخلاقهم؛ ولكن الشعر إذا كان شعر حكمة، أو اجتماعيات، وغير ذلك، فلا شك أننا نستفيد من خبراتهم وثقافاتهم المتسعة، وقد نظمت قصيدة ترجمتها عن شاعرة إنكليزية قالتها عند احتضارها، وعند آخر بيت قالته وتوفيت.. فترجمت هذه القصيدة لتأثري بالحالة التي رأيتها، هي ليست هنا لكنها في ديوان: "هديل". |
|
وسأل الأستاذ علي المنقري قائلاً: |
- يلاحظ على الأدباء العاملين بالقطاعات العسكرية الزهد في نشر إنتاجهم الأدبي من حيث الكم، فهل يرجع ذلك إلى ارتباطاتهم العملية وعدم توفر الوقت الكافي لديهم، أم إلى تحفظهم نتيجة حساسية أعمالهم ومراكزهم، أم أن هناك أسباباً أخرى؟ |
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- كنا نقول: إن العسكريين إنتاجهم قليل، أولاً: أسأل هل هذا الإنتاج الَّذي قدمته في ثلاثة دواوين ويعقبها ديوانان، في ما يقرب مجموعه أكثر من سبعة أو ثمانية آلاف بيت، فهل هذا يعتبر قليلاً؟ على أي حال الشعراء العسكريون قلة، وبالتالي فإنَّ شعرهم - أيضاً - قليل؛ وبالنسبة لي: إذا كان السؤال يقصدني فأنا أعتقد أنَّ قصائدي الطوال تربو الواحدة منها على المئة بيت، وتعدل بذلك عشر قصائد من شعر يقال؛ أما مسألة التحفظ.. فهذا بلا شك مأخوذ بعين الاعتبار، وليس كل ما يعلم يقال..، وأعتقد أنني أوفيت الجواب. |
|
وسأل الأستاذ عبد الله ترجمان قائلاً: |
- كيف استطعتم الجمع بين الشعر والعمل العسكري وكلاهما له اتجاه مغاير؟ |
وكان جواب المحتفى به هو: |
- هذا ما نسمعه باستمرار، أنا في رأيي أن الفروسية - أي العسكرية - والشعر، توأم.. نجد أن فرسان الجاهلية هم شعراء، وشعراء المعلقات كلهم فرسان؛ فطبعاً في مقدمتهم عنترة بن شداد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة بن العبدو غيرهم..، والشعر في نظري أعتبره سلاحاً، وكما تعلمون أنَّ الشعر كان في يوم من الأيام سلاحاً تعتمد عليه القبائل، وإنَّ بيتاً من الشعر يرفع قبيلة أو يخفضها..، وإن الملوك في جميع دويلاتهم العربية كانوا يخشون هجاء الشعراء، وهم فرسان في نفس الوقت؛ في العصر الإسلامي كان المتنبي فارساً وشاعراً، وكان يفتخر بفروسيته وشعره كما تعلمون في قوله: |
الخيل والليل والبيداء تعرفني |
والسيف والرمح والقرطاس والقلم |
|
|
- وقد كان هذا البيت سبباً في قتله، لأنه تحدى الناس كلها؛ وطبعاً لا بد لكل إنسان أن يموت، ولا بد لكل فارس من كبوة.. والشعر كما قلت سلاح؛ والشاعر في العصور المتقدمة كان له تأثيره القوي في رفع شخصيات ووضع آخرين، فإذا قلت: إنَّ الشعر في وقتنا الحاضر إذا تملكه أي ضابط عسكري، فأعتقد أنَّه سيكون قد أضاف سلاحاً جديداً إلى أسلحته المادية: البندقية، والرشاش، والصاروخ، والدبابة..؛ وأعتقد أنَّ شعري قد أفاد الجيش كثيراً بالطلبات التي كنت أطلبها من المسؤولين، لرفع مستوى أفراد الجيش، فكان الشعر له دور، وأقسم - غير حانث - أني بعد أن طلبت من أحد المسؤولين تزويد الجيش بالدبابات التي كان يفتقدها الجيش، فعلاً زوَّد الجيش بالدبابات، فالشعر كان مفيداً للفارس الشاعر. |
- أما كيف يتمّ الجمع بينهما؟ فالشعر موهبة، والقيادة هي - أيضاً - موهبة وفطرة؛ فخالد بن الوليد لم يكن خريج كلية، وعمرو بن العاص، وأبو مسلم، وطارق بن زياد، وغيرهم.. لم يكونوا خريجي الكليات العسكرية، لكنها فطرة وسليقة وتجربة؛ ويحقق اجتماعهما تفوقاً ونصراً. |
|
ومن فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني ورد السؤال التالي: |
- سيكون سؤالي في هذه الأمسية شعراً، ولكن الخيار في الإجابة عليه شعراً أو نثراً: |
أعليَّ زينِ العابدينا |
زانَكَ الله يقينا |
طرقَ الشِّعْرَ أناسٌ |
في ثياب المبدعينا |
زعموا الشعر المقفَّى |
من أحاجي الأولينا |
فتنوا الناسَ بقولٍ |
فيه عَجْمُ الأعجمينا |
أوجدوا شرخاً كبيراً |
في تراث الأقدمينا |
جددوا فيما ادعوهُ |
باسم شعر المحدثينا |
هل بحقٍّ هو شعرٌ |
أم غَثاء المفلسينا |
إن يكن عزَّ دواءٌ |
فاسألوا الله المعينا |
|
|
وأجاب الضيف قائلاً: |
- الواقع لا أستطيع أن أقول الآن فوراً، وأنا ألاحظك تكتب منذ ساعة!! إن الشعر الحداثي طال الجدل حوله كثيراً جداً، ودارت حوله معارك طويلة لمن تابعها في ملحق الأربعاء، فهو رأي.. وأصحابه يقولون: إنهم يقولون الشعر، وأصحاب الشعر العمودي يقولون: إنهم هم أصحاب الشعر الحقيقي، لأن العرب عندما ابتدعت الشعر ابتدعته عمودياً، ولم تبدعه على هذا النمط الَّذي لا يعرف هل هو شعر أم نثر. |
- فهناك في الشعر الحديث نوع آخر وهو شعر يتبع التفعيلة، يعني لا يخرج عن الشعر، إلاَّ أنه خرج عن بعض القيود، تخلص من القافية، وأعتقد أن الَّذي يتخلص من القافية عاجز، لأن القافية - كما قال بعض النقاد - تحرج الشعراء؛ والقافية هي محك الشعر، فأما أن أقول بضع ألفاظ وأكتب دواوين وتطلع دواوين بالشعر الحداثي البيت الواحد في صفحة، فهذا في رأيي أنه ليس بشعر يعتد به، أما الشعر الحداثي ذو التفعيلة تعجبني تفعيلته، وإن كانت تنقصه القافية المستمرة. |
|
وسأل الأستاذ نبيل عبد السلام خياط - مدير العلاقات العامة بنادي مكة الثقافي الأدبي - قائلاً: |
- هل التفرغ يحقق الإبداع والابتكار، ويدفع الحركة الثقافية والأدبية بصفة عامة؟ |
ورد اللواء علي زين العابدين على السائل بقوله: |
- لا أدري هل يقصد السائل بالتفرغ.. التفرغ للشعر، أم التفرغ بصفة عامة؟ أعتقد أن سيادة الأخ يقصد التفرغ للشعر والأدب.. فإذا كان الأمر كذلك فالجواب: نعم. إذا أمكن للإنسان أن يتفرغ تفرغاً كلياً.. لكن من أين يأكل إذا تفرغ للأدب وللشعر؟ ونستطيع أن نقول: يمكنه أن يتفرغ جزئياً، أي يقوم بوظيفته أو بمهام عمله بما يضمن له قوت يومه، ولديه ليل طويل يستطيع أن يتفرغ فيه؛ والتفرغ الَّذي أتصوره أي لا يشتغل بأي عمل آخر؛ هذه كلمة تفرغ التي أتصورها، فإذا استطاع إنسان أن يتفرغ للشعر تفرغاً كاملاً في كل أوقات فراغه، فلا شك أنه سيبدع وينتج ويمتع. |
|
وسأل الأستاذ محمد بن فالح الظاهري قائلاً: |
- هل للشاعر ذكريات خاصة أو مواقف خاصة طريفة مع الملك عبد العزيز، ومن بعده أنجاله من الملوك والوزراء أو خلافه؟ ولك الشكر. |
ورد المحتفى به قائلاً: |
- أولاً: أنا لم أبلغ من السن أني زاملت الملك عبد العزيز - رحمه الله - نعم أدركت جزءاً من حياته، ولكني لم أسعد ولم أتشرف بالقرب منه، نظراً لأني كنت في ذلك الوقت طالباً ثم ضابطاً صغيراً، ولم أحظ بالوقوف أمامه إلاَّ مرة واحدة عندما كنت في السنة الرابعة الثانوية، أي ما يسمى الآن السنة الثانية الثانوية، نظمت قصيدة ممثلاً فيها الكشافة، وكانوا يقولون لي شاعر الكشافة، وكان الزميل المرحوم علي حسن الغسال شاعر البعثات، نظم قصيدة، ومثل كل منا جهته التي انتدبته، وحظيتا بالقبول؛ وعند فراغي من الإلقاء قابلني السيد - المؤسس الأول للنهضة - السيد طاهر الدباغ - رحمه الله - وقال لي: باكورة جديدة يا زين العابدين، وكررها مرات.. والتقطها طلاب المدرسة الثانوية، يعني طلاب فصلنا وصاغوها صياغة تحريفية، وكنا في حصة الأدب، وكان الأستاذ هو أستاذنا - أطال الله عمره - عبد الله عبد الجبار، وقالوا له: علي زين العابدين قصيدته أحسن من قصيدة فلان، وهكذا بدؤوا في التحريش بيننا وكنا أصدقاء؛ قال الأستاذ ليلقي كل واحد منكما قصيدته، فألقى كل واحد قصيدته، واصطخب الفصل وعلا الصياح من مناصر لهذا ومناصر لهذا..، فحسم الأستاذ الشيخ عبد الله عبد الجبار، وقال سواء كانت قصيدة زين العابدين ناجحة..أو علي حسن غسال ناجحة، فكلا الشاعرين مفخرة للسنة الرابعة الثانوية. |
- هذه ذكرى فرعية لم تكن تخص الملك عبد العزيز إلاَّ الإلقاء، وأما أنَّ لي ذكريات مع جلالة الملك سعود، فهي ذكريات كثيرة، لأنني عملت رئيساً لهيئة العمليات الحربية، وكانت لي به صلة قوية ومستمرة؛ - رحمه الله - وأذكر أنَّه كان يشجعني عندما يسمع قصيدة يلتقط منها أبياتاً؛ بعض الناس لا يتصورون ما أقول، لكنه كان يلتقط ويحفظ بعض الأبيات من الإلقاء؛ كذلك في النواحي العسكرية أنابني - رحمه الله - أن أقوم باستعراض الجيش في اليوم الثاني للعيد، وكنت قد أعطيت الجيش كله إجازة، فكيف العمل؟ لا أعلم ولا بد من تنفيذ أمر القائد الأعلى، فعملت كل الجهد وجمعت من ذهب إلى الإجازة في مكة، والمدينة، والطائف، ببرقيات وتهيئة الطائرات لسفرهم، حتى حضروا وقمت بالتدريب في الأيام الثلاثة التي سبقت العيد، ثم ألغيت إجازة العيد، واستمر الجنود يتدربون؛ وطلب جلالته أن آتي بالقوات من الخرج إلى الرياض، وأتينا بها وأسكناها في المكان الَّذي فيه الآن فندق زهرة الشرق، وأقاموا هناك تحت تدريب مستمر، ونجحنا في إقامة الاستعراض العسكري أمامه، وسر سروراً بالغاً، وعند نزوله من المنصة.. أذكر أنه تلفت يمنة ويسرة كأنه يبحث عن شيء، وعندما وجدني خلف العربة التفت وابتسم وقال: استعراض موفق؛ والكلمة هذه بالنسبة للرجل العسكري تعني الشيء الكثير جداً، ملك يقول لضابط: استعراض موفق.. يعني تأخذ لها صفحتين أو ثلاث صفحات. |
- وذكرياتي مع الملك فيصل كانت ذكريات طيبة، وكانت لي قصائد فيه، والذكريات تروى بالقدر الَّذي تسمح به السرية، ليس كل شيء يقال. |
|
|