شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
عريف الحفل: والآن يبدأ حوارنا مع الضيف الكريم وسؤال من المهندس "عبد العزيز الكريدا" يقول:
بسبب قلة المراكز العلمية في مجتمعاتنا الإسلامية ووهن نتائج البحث العلمية في مؤسساتنا التعليمية لعدم تطبيق خطوات البحث العلمي كما ينبغي، ما أثر ذلك على الهيمنة والسيادة الدولية؟
البروفيسور سليم الحسني: الحقيقة الإستعلاء الثقافي والحضاري كان له بالغ الخطر في مسيرة التاريخ البشري واستخدمت الاكتشافات العلمية والتكنولوجية على مر العصور للإمعان في مسألة الاستعلاء والسيطرة والإستعمار، فهذه الحقيقة موجودة في التاريخ بكثرة والمشكل أن بعض الأحيان التمكن من هذه الآلات والمعدات يدفع بقوم أنهم لم يكونوا يتحلوا بأخلاق سامية يؤدي بهم بالإفراط في الاستعلاء والقتل والتشريد للآخر، يحضرني في ذلك أسوأ مثل حدث في البشرية وهو هجرة الأوربيين إلى أمريكا التي قضت باسم الثقافة والحضارة على الملايين ويقال عشرون مليوناً بل حتى بعض الناس يبالغون ويقولون مئات الملايين من الهنود الحمر، وعلمونا جميعاً على أن نحترم هذا الكوبوي (راعي البقر) الذي يمسك البندقية ويحصد مئات من الهنود ونحن نصفق له، كلنا وكنا أطفالاً نحب أفلام (cow-boy and Indian) وهذه نشأنا عليها في أوربا وأمريكا هذه الروح التي تعلل أنه يحق لهذا الأوروبي أن يقتل الهندي الأحمر يعلل فقط باسم الحضارات وباسم الثقافة، وأبيدت هذه الأمة وكذلك أمة (الإنكا) في جنوب أمريكا، في الحقيقة نحن إذن يجب علينا أن ننتبه لخطورة هذا العلم أو هذا التقدم العلمي إن كان بيد أقوام قد لا يكون لها مستوى أخلاقي رفيع، أو لم يكن لها مثلاً تحدد من تصرفاتهم في استخدام تلك العلوم والتكنولوجيا، وكما تعرفون الإنهيار الإقتصادي الذي يعزى الآن للجشع وغيره، ويحضرني أيضاً أن اللورد بودن وذلك إذا جاز للمسلم أن يترحم على غير المسلم، رحمة الله عليه، لأن هذا الرجل أنا عرّفته على الشيخ حسن آل الشيخ رحمة الله عليه وكانت صحبة بينهما، حيث كان وزيراً للصناعة والتكنولوجيا عندنا بعد أن كان رئيساً لجامعتنا، تعرف على شيء غريب حيث قال: نحن لكي نحافظ على الإقتصاد الرأسمالي الغربي لا بد لنا من أن نتعظ بفكرة قالها ألفرد مارشال وهي أنه لا بد أن نقيس بمؤشر هو حفنة حنطة ممسوكة بيدين مفتوحتين والذي نسميه الصاع، فحينما قال هذا الكلام كنت حاضراً فقلت له يا فلان يا لورد، هذا الكلام ليس من كلام ألفرد مارشال، هذا نحن المسلمين نستخدمه في زكاة رمضان وله قيمة في بغداد تختلف عن قيمة مانشستر، وله قيمة كل سنة تتغير، فسألني هل هذا صحيح؟ فقلت له نعم، فذهب وكتب القصة وكتب مقالاً، وقص مجلس اللوردات وقال نحن يجب أن نقتدي بما عمله المسلمون وهؤلاء الناس لم يكن عندهم تضخم بعد أن انهارت الحضارة الرومانية بسبب التضخم المالي حيث وصل عندهم 12% ولم يستطيعوا التغلب عليه بالرغم من القوانين التي تحدد الأسعار وتحدد الضرائب، لم تستطع الحضارة الرومانية أن تتغلب على التضخم فانهارت، وإنما لما جاء المسلمون ظلوا ألف سنة والعالم يعيش بنوع من الاستقرار المالي النقدي وكذلك الإستقرار الإقتصادي، ما هو السر في ذلك؟ طلب منهم بمجلس اللوردات الموجودة بالمحضر ولمن يريد أنا أستطيع أن أبعث له هذا المحضر بالإيميل وقال هذا الكلام، فالحقيقة مسألة الاستعلاء ومسألة الحوز على القضية العلمية هذه ضرورية جداً لأنه عندما ينظر لنا بالنسبة لأسباب وعلى الخصوص الموجود في العالم الغربي وهم من المسلمين فحين ينظرون للعالم الإسلامي والعربي حقيقة يصيبهم نوع من النكبة لأنهم يرون ليس هناك تقدم قوي يستطيعون الافتخار به، ولذلك من هنا تأتي قوة الرجوع إلى الحضارة الإسلامية السابقة لكي نقتدي بهؤلاء الناس ولكي نغير من الوضع العربي والإسلامي في مسألة العلوم والتكنولوجيا.
عريف الحفل: والآن ننقل لاقط الصوت للقسم النسائي مع الأستاذة نازك الإمام.
الأستاذة نازك الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، أصحاب المعالي أصحاب السعادة أخواتي الحاضرات إخواني الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحتفي هذه الليلة بعالم تعددت الألقاب والمسميات له والذي هو شرف لكل المسلمين لوصوله إلى هذا المستوى الراقي والعالي من العلم الذي أعاد للمسلمين العرب مكانتهم السابقة في الحضارة العربية العريقة التي قامت على أساسها العلوم والإختراعات في العالم بأسره، إنه شرف لنا جميعاً أن يكون بيننا جميعاً سعادة البروفسور الدكتور المحاضر الخبير الدولي "سليم الحسني" فأهلاً ومرحباً به ضيفاً مكرماً وعالماً جليلاً ننهل من معرفته ومن تجاربه، الحقيقة لدينا هنا في قسم السيدات العديد من الأسئلة، وأعتقد أن الوقت لن يسمح بسردها كلها ولكن نبدأ بسؤال من الدكتورة "أفنان الريس" عضو هيئة التدريس، تقول:
كلنا نعلم أن هناك أزمة اقتصادية تسود العالم أجمع وتأثرت بها إحدى الدول، وأن من إحدى مسبباتها كما نعلم هو تخفيض الإنتاج وسعر البترول حسب توصيات منظمة الأوبك، فهل ترى أن الطاقة الشمسية أو الطاقة السريعة ستصبح بديلاً للدول التي تعتمد على بترولها كدخل؟ شكراً لكم.
البروفيسور سليم الحسني: شكراً جزيلاً، هناك اتجاه قوي نحو الطاقات البديلة، الطاقة الشمسية لها دور كبير جداً ولكن طبعاً البحث العلمي لم يصل إلى امتصاص هذه الطاقة بشكل ما يسمى (high efficiency) ولكن لتوفر هذه الطاقة في كثير من البلدان بالإضافة إلى الطاقة الهوائية والطاقة المائية، لا شك أن هناك مجالاً لإكتشاف طاقات أخرى خصوصاً طاقات ما يسمى بـ (fusion energy) وهو ما يسمى بانفجار الطاقة الذرية عند لصق ذرة بذرة أخرى مثل ما تصنع الطاقة تصنع في كوكب الشمس، فالطاقة التي تنتج عن نجم الشمس تسمّى بالطاقة الانفجارية، هناك بحوث كثيرة حول هذا الموضوع، فهناك أيضاً محاولات لاستخدام ماء البحر، ففي السنوات الأخيرة اكتشف أنه بعد أن يتحول نوع من الإشعاع ليتحول إلى ما يسمى مايكروويف على ماء البحر يمكن أن يشعل ماء البحر ويتحول إلى طاقة تستخدم لتحريك مضخات وسيارات وغيرها، هناك محاولات لاستخدام المحاصيل الزراعية وتحويلها إلى نفط وإلى طاقة، فمما لا شك فيه أن الإنسان وفر له من قبل الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض مصادر كثيرة وبلا شك أن المسألة هي ليست فقط موضوع النفط، القول بأن السبب للانهيار الاقتصادي هو انخفاض أسعار النفط، الحقيقة قد يجوز أن هناك من المختصين في العلم وقد يختلفون في تعليل قضية الانهيار الإقتصادي الذي واجهه العالم في قسم منهم من الجهابذة يقول أن السبب هو الجشع الذي أصاب البنوك التي تعطي بديون خيالية ولأضعاف مضاعفة لمال غير مرصود وليس له ما يسمى بـ (assets) أي تعطي ديوناً من غير رصيد لهذه الديون وقد تصل إلى أكثر من عشرة أضعاف من المهم أن المسألة صعبة وأرجو أن أكون أفدت بالجواب وشكراً.
عريف الحفل: سؤال من الزميل الأستاذ "سعد سليمان" يقول:
سعادة البروفيسور ما هي الطريقة التي ترونها مناسبة في توزيع كتاب "ألف اختراع واختراع" بين طلاب المدارس البريطانية؟.
البروفيسور سليم الحسني: هذا سؤال مهم وأولاً أقول شيئاً، فعادة الكتاب والمؤلفون يكون لهم ريع (commission) وأنا الحمد لله لا يصلني منه شيء ونسأل الله أن يؤجرنا على ذلك، وحقيقة في المؤسسة هو عمل شرفي، ولهذا أنا أستطيع أن أتجرأ وأتكلم حوله فهو ليس تسويق كتاب حتى يصلني منه أي مال، فهذا الكتاب الآن سعره حوالي 30 جنيه إسترليني، فاكتشفنا أن الكتاب عندما يصل إلى المدارس يكون له مفعولٌ كبير جداً على الطلبة والأساتذة، وعليه قلنا أن عملية استراتيجية هي إرسال هذا الكتاب كنوع من العمل الدعوي أو عمل إسلامي لأنك تريد أن تغير ذهن إنسان يكون عدواً لك مثلاً فيصبح أقل عداء، والإنسان الذي هو أقل عداء يصبح صديقاً محايداً، وللمحايد يمكن أن يصير صديقاً، وهكذا ينقله من مرحلة إلى أخرى وهو دائماً إلى الأحسن، أما بالنسبة للشباب المسلم هناك بعض المحطات أحب أن أذكرها، فهذا الكتاب والمعرض جاءه شباب من مدينة ليز عندما كان معروضاً في مانشستر، يبدو أن أحد هؤلاء الشباب وعمره ثلاث عشرة سنة وكان انتحارياً أصله من باكستان وعائلته "تعبانة" وليس له نوع من التناغم مع عائلته، في المدرسة، يشعر أنه إنسان منبوذ، وينظر إلى العالم الإسلامي ويشعر أن هذا العالم لا يستطيع أن ينتمي إليه، المجتمع ينظر إليه وكأنه قد ضيق عليه فالإنسان أصبح محصوراً، وهؤلاء الشباب الذين أتوا به إلى هذا المعرض تمنوا أن يتغير، لأن هذا الإنسان إذا كان سيرمي نفسه من الشباك منتحراً قبل أن يفعل ذلك قد تأتيه مجموعة وتقول له يا شاب أنت لماذا ترمي نفسك ويكون مصيرك النار، فلماذا لا تذهب تقتل نفسك وتأخذ 40 من الكفار معك وتدخل إلى أعالي الجنة وتموت شهيداً، هذه المشكلة موجودة في العالم الغربي وموجودة في العالم الإسلامي أيضاً، الإنسان وصل إلى حالة أنه لم تعد هناك فائدة ترجى، هذا الشاب اطّلع على الكتاب وبعد حوالي ثلاث ساعات أخذ كرسياً ووقف عليه وقال: أشعر أنني إنسان عند سماعي بهذا الكتاب، قلت: الله أكبر، لو فقط هذا الكتاب استطاع أن يغير هذا الإنسان أو أن يحوله مما هو عليه إلى شيء إيجابي، قد يستطيع أن يتنفس كإنسان يحاور ويجادل ويستفيد من الجو الديمقراطي والفكري، يبدأ في الإنتاج ويأخذ نوعاً من القدوة من هذه الشخصيات الذين عملوا عملاً صالحاً ويتحول جهاده إلى شيء آخر، إلى العمل الصالح يكون أستاذاً، أو يحصل على جائزة نوبل، هذه هي النقلة الحقيقية، نقلة في المدارس، نقلة لهؤلاء الشباب أنا أرجو بالنسبة لموضوع المدارس مهم جداً حقيقة إذا أراد أي واحد أن يتبرع لكي يذهب هذا الكتاب إلى أي مدرسة من المدارس التي تتكلم باللغة الإنجليزية وطبعاً هو سوف يترجم إلى اللغة العربية إن شاء الله وفي حوالي ستة أشهر سيكون جاهزاً باللغة العربية، موضوع المدارس هو عمل وقفي، تستطيع وقف ألف كتاب إما للمؤسسة التابعة لنا هي التي ستتولى توزيعه ثم ترسل لكم إيصالات بذلك، أو أنتم توصلونه إلى المدارس التي تريدون، فأنا أتصور هذه العملية إن شاء الله ستؤجرون عليها وهي عملية وقائية، ونحن المسلمين بشكل عام قلوبنا عاطفية يكون لدينا دائماً مآسي وإغاثة ونحن نشتغل بالإغاثة، يصرخ اليتيم ونقوم بالواجب، فهذا يتيم وهذا مريض وهذا بغزة، ونحن صراحة مصابون بإغاثة 360 درجة مئوية ونركض ونعطي والحمد لله هذا خير، ولكن علينا واجبات أخرى واجبات التأسيس واجبات فتح الطريق للمستقبل بالنسبة للعلوم والتكنولوجيا، فأرجو هذه العملية لمن أراد فالاستمارات موجودة يمكن لأي شخص أن يملأ البيانات باسمه وكمية الكتب التي يريد أن يوزعها أو ممكن أن يوزع عن طريق الجامعات، فمثلاً نحن في جامعة مانشستر أحد الإخوة تبرع بألف كتاب، فبدل ما يعطيها للمؤسسة أعطاها للجامعة والجامعة لأنها مؤسسة خيرية تقبض مبلغاً إضافياً من الدولة لأنه جاءها تبرعاً وهي تأخذ هذه الكتب من المؤسسة التي توزعها هذه وتعطيها للمدارس، فنصبح ما يسمى باللغة الإنجليزية (win win situation) فكل الناس الذين شاركوا في هذا الموضوع يكسبون، وشكراً لكم.
نازك الإمام: سؤال من الدكتورة "إيمان تونسي" أستاذ مساعد المسرح الإنجليزي بجدة تقول:
أستاذي الكريم وقد عاصرتم ثقافتين مختلفتين، ما هي برأيكم الملامح المشتركة بيننا وبينهم والتي ستؤهلنا كعرب ومسلمين في دول العالم الثالث للحاق بالركب العلمي والحضارة؟ شكراً لكم.
البروفيسور سليم الحسني: شكراً جزيلاً، في الحقيقة نحن عملنا مرصداً في المرحلة على المناهج الموجودة في العالم الغربي وفي بريطانيا بالذات، وأوروبا وأمريكا، فبدأنا التحرك في أمريكا مؤسسة (American Association for Advance and Science) شريكة مع مؤسسة (British Association for Science) ونحن بدأنا ننظر إلى مسح المناهج ونحاول أن نجد ما يسمى (Acknowledge Gapes) ونحضر خبراء لكي نحاول إدخال المعلومة وهذا يحتاج إلى متخصصين يعرفون التعامل مع المناهج في كيفية إدخال المعلومة بطريقة يقبلها الطالب والمدرس، فأما بالنسبة للمناهج الموجودة في الدول العربية فحقيقة ليس لنا فيها خبرة ولكن يبدو أن غالب المناهج الموجودة في الدول العربية هي متأثرة بالعالم الغربي وعليه إذا استطعنا أن نثري المناهج الموجودة في العالم الغربي بشكل تلقائي لأن أغلب هؤلاء المحيطين بوزرائنا الكرام الموجودين في البلاد العربية والإسلامية هؤلاء من الغرب وهم الذين على أساس أصحاب العلم والخبرة في كيفية ترتيب المناهج واستخدام الوسائل الحديثة، فإن شاء الله نحن نحاول بجهدنا أن نشتغل هناك والباقي على الله ثم عليكم أنتم لكي تحسنون هذه المناهج؛ لأن هذه المناهج لا بد لها أن تغير لأنها مبنية في كثير من الدول العربية والإسلامية على ما يسمى بعصر الظلام، هناك قفزة كبيرة جداً بالنسبة للعلوم من الحضارة الإغريقية إلى عصر النهضة الأوروبية وهذا فيه إثباتات وجدناها في بعض الدول وليست في كثير منها.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ "خالد المحاميد" من جريدة الوطن السعودية يقول:
ما هو في اعتقادك أثر البيئة السياسية والثقافية في فشل المبدعين العرب في أوطانهم ونجاحهم في بلدان الإغتراب؟
البروفيسور سليم الحسني: هذا السؤال سيدخلنا في السياسة حقيقة، بلا شك البيئة لها دور وأنا ليس عندي مشكلة فقد عملت في بعض البلاد العربية، ولا زلت مستشاراً لبعض الجامعات الموجودة في البلاد العربية، لكن هناك عدة عوامل التي تؤثر، لكنني أريد أن أقول شيئاً، قدمت مرة محاضرة لبعض الشباب باللغة الإنجليزية أسميتها (A check-up From The Neck up) وهو الفحص من العنق إلى الأعلى وهو المخ، إن مشكلتنا أن الإيمان موجود والناس مخلصون والكل يريد الخير إن شاء الله، ولكن المشكلة في المخ فهذه مسألة المخ التي عندنا فيها تركيبة، لماذا يأبى أن يدخل في المخ؟ وكيف يتحرك هذا الإنسان بحيث أنه يستطيع أن يبدع، عندما عملت في بعض الدول العربية رأيت أن هناك بعض المحبطات من جملتها أن هناك عقماً إدارياً في بعض المؤسسات أو بعض الجامعات، لا تستطيع أن تحرك معاملة، فالمعاملة تحتاج إلى قوة دافعة فمثلاً تريد أن تشتري قلماً، أنا أقول جامعة عربية كنت مستشاراً لها فرأيت لكي يطلب المدرس قلماً، مع العلم أنه يمكن أن يشتريه بنفسه، لكن إذا أراد شراءه عن طريق الجامعة لا بد أن يوافق عليه رئيس القسم، ورئيس القسم يرفع مذكرة إلى عميد الكلية، وليس فقط تقف عند هذا الحد بل تصل إلى رئيس الجامعة، فمرة من المرات كنت أمزح مع أحد رؤساء الجامعات فقلت له أين أنت الآن وهو يتكلم بالتلفون؟ قال لي أنا مسافر خارج المدينة، فقلت له بالتأكيد عملك هو التواقيع، فقال لي نعم هذا هو، فلماذا لا تعطي الصلاحيات للناس؟ هل أنت خائف؟، قال لي إن النظام هو هكذا، فلا أحد يستطيع أن يتحمل المسؤولية، فحقيقة هذا أسميه عقماً إدارياً، ولذلك هذا الإنسان الذي يريد أن يبدع في معمل أو في شيء آخر، فهو بحاجة إلى شراء شيء ما والمال موجود، يعني هذا رئيس الجامعة الذي حدثتكم عنه تقريباً نصف ميزانيته تعود للدولة، لأن نظام الشراء عنده متوقف، لا يستطيع أن يتحرك، فهناك حقيقة بعض الأساليب ولعلّه بعض المفاتيح لهذه القضايا، لكن أقول لشبابنا لا تعتقدون أن أناساً مثل البيروني وابن الهيثم ومريم العجلية وفاطمة الفهرية، كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش وتضخ عليهم الحكومات الأموال، فهذا كلام غير صحيح، فهذا ابن الهيثم كان في السجن لأنه كانت عنده رؤية خاصة، فمرة كان يحاضر بالبصرة فسمعه بعض أفراد الاستخبارات فكتبوا عنه تقريراً لحاكم مصر، فأخبروه أن هذا الرجل يقول لو قيض لي الأمر لجعلت مصر أغنى دولة في الدنيا، فأمرهم حاكم مصر بإحضاره، فلما أحضروه قال له: أنت تريد أن تجعل مصر أغنى دولة في الدنيا؟ كيف؟، قال له أنتم عندكم نهر النيل، أعطني زورقاً لأنزل به في النيل، فنزل نحو السودان بعكس اتجاه النهر، وبعد خطوات فقط قال لهم أرجعوني، قالوا له لماذا؟ فقال لهم لا أستطيع عندما رأى آثار أبو سنبل والأهرامات، فقال له عفواً أنا أحترم أصحاب هذه الحضارة فقد كانت فكرتي أن أعمل مصباً للنيل حتى تستفيدوا من المياه في الصيف والشتاء، أما أنه ما دام هؤلاء الناس لم يعملوه فمعنى ذلك أن هناك سراً، فأنا لا أنجزه، فطلب منه الحاكم أن يعمل معه مستشاراً فقبل بالعمل معه حتى يتمكن من رؤية هذا الحاكم الظالم المستبد، فوجد أنه لا يستطيع أن يكلمه ولا أن يتحداه، فحتى يسحب نفسه منه تظاهر بالجنون، فوضعوه تحت الإقامة الإجبارية في السجن، فمكث فيه واستطاع أن يكتب كتاباته وأن ينجز تجاربه، إذاً في الحقيقة لم تكن له البيئة العظيمة التي ننشدها لكي نبدع، فكثير من الشخصيات وأمثال هؤلاء الناس نشأوا نشأة صعبة لكنهم استطاعوا أن يحملوا فكرة، هذه القضية التي تتفجر من عقل الإنسان وتخرج من القلب، هذا السر كفيل بأن يفجر طاقات الشباب لكي يتحركوا بتناغم مع حكوماتهم لإصلاح مجتمعاتهم، هذه المسألة هي سر من الأسرار.
نازك الإمام: سؤال من الأستاذة "ريم الخلف" تخصص مكتبات ومعلومات تقول:
كيف واجهت دكتور احتكار الغرب للعقول العربية المتميزة باعتبارك واحداً منها تشرف الدول العربية بإنجازاتك؟ شكراً لك.
البروفيسور سليم الحسني: حقيقة أنا لست محتكراً لأنني جئت وحاولت مرتين جئت للدول العربية، المفروض من الإنسان أن يستفيد من وقته وطاقاته ويكون عنده رسالة في الحياة وهذه الرسالة سواء كانت في البلاد العربية أو غيرها، وأنا حقيقة أشعر بتألق أنني أصرف جهدي وطاقاتي في تلك البلاد بل حتى في بعض البحوث التي قمت بها كانوا يستفيدون منها بشكل مباشر أو غير مباشر وحتى في الصناعات العسكرية، كل الصناعات وكل العلوم تخدم المصالح العسكرية والسياسية في أي البلاد، فالإنسان الذي يبحث في أي مجال حتى في الرياضيات أو غيره فلا بد أن يكون عمله هذا مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بقضايا الصناعات العسكرية، وأنهم يبذلون المال فهناك نوع من التساوي، فأنا مثلاً بالنسبة لي إذا كنت مدرساً أو أستاذاً في الجامعة فراتبي نفس راتب الآخر، ولا يقولون عني أنني أجنبي، فما دام عندك هذا المنصب فلك نفس الصلاحيات ونفس السلطة ونفس الراتب، فهم فهموا أسرار احترام الإنسان، فالإنسان الحقيقي أنت عندما تحترمه وتقدره يقدم لك شيئاً لكن بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين فنحن عندنا الذين يقدمون له شيئاً نقدم عشرة أضعاف، فتجد الإنسان حقيقة يقدم عشرات الأضعاف لكي يتسلق في هذه المجتمعات، نعم هناك نوع من العنصرية ويوجد نوع من التفرقة وبشكل عام هناك من يأتون فيسحبون أمثال هؤلاء الناس لكي يبقوا هناك ويبحثون عن شيء يقدمونه في العلوم وفي البحوث وغيره، فأتصور والله أعلم قضية الاحتكار هي أنهم هم أناس عندهم سياسة لكي يمتصوا هؤلاء ويغروهم برواتب وحتى بعض الأحيان بنظريات المؤامرة، يقول بعض الناس الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة أنهم يتعمدون بخلق القلاقل في البلاد الإسلامية حتى يضطر الناس إلى الهروب ولا يستطيعون العودة للعيش في بلادهم، فبشكل تلقائي هناك منفّرات وهناك محبّذات، فالمحصلتان تتجهان باتجاه هجرة الأدمغة من مجتمعاتنا إلى المجتمعات الأخرى.
الشيخ عبد المقصود خوجه: حقيقة الأسئلة كثيرة من السيدات والسادة والوقت لا يتسع لطرحها مع سعادتنا بصحبة البروفسور الدكتور سليم الحسني وكالعادة سنعطيها لضيفنا الكريم للإجابة عليها ونشرها في كتاب الاثنينية، سعداء يا دكتور بصحبتك هذه الأمسية وسعداء بالاحتفاء بك ونرجو أن نلتقي بك دائماً وأنتم جميعاً بخير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :389  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.