شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور سليم الحسني))
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، معالي الشيخ الفاضل الكريم عبد المقصود خوجه، إخواني أصحاب المعالي والسادة والمشايخ والأخوات والله يعجز اللسان والكلمات تتفلت من هنا وهناك كيف أعبر عن الشكر الجزيل والامتنان لهذه الفرصة التي فيضها الله لي على يد الشيخ عبد المقصود خوجه فلقد كنت أفكر ماذا سأقول هل هي محاضرة أم هي تكريم أم هي شيء آخر ولكن بفضل الله تعالى فقد فتح الله علي وقد أحببت أن أذكر بعض المحطات على طريق قصة ألف اختراع واختراع وبدلاً من أن أذهب منذ البداية حتى ما وصلنا إليه سآخذ طريقاً معكوساً وسأذهب بالعكس من هنا إلى الوراء لأن الحقيقة أخاف أن أبدأ من البداية وقد لا نصل إلى البداية لأن الرحلة طويلة والمحطات كثيرة وفي هذه المحطات فيها معالم وحكم لأنواع مختلفة من الناس ولكن لا بد لي أن أبدأ من البداية أولاً ثم أقفز إلى ما نحن إليه الآن، كنت قد أخبرت الشيخ عبد المقصود خوجه وجزى الله خيراً الأخوين الدكتور المناع والدكتور عاصم على الكلام الجميل الذي بالغا فيه المبالغة الواسعة التي لا أستحقها ولكنها هي حسبي أنها إطراء ومجاملة للحضارة الإسلامية التي التصقت بها من محض توفيق من الله سبحانه وتعالى، ذكرت للشيخ أننا نشترك في بعض المواقف ومن جملتها سمعت أنه ولد يتيماً فكذلك أخوكم في الله ولد يتيماً، وأن الله سبحانه وتعالى يرزق الأيتام ويفتح لهم مجالات كبيرة وعظيمة والله لا يعرفها إلا من يذوق طعم هذه الرحلة، ولكل يتيم بلا شك عنده رحلة يستطيع أن يقدم فيها حكماً ويقدم فيها محطات، عندما وصلت إلى هنا ذهبت إلى بيت الله الحرام كعادتي أول محطة في المملكة هو أن يذهب الإنسان إلى بيت الله الحرام ويبتهل ويطلب المغفرة والتوبة ويطلب ما يشاء لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (من آية رقم 60: غافر) فدعوت الله سبحانه وتعالى: (أن أمرك بين الكاف والنون وأن تسخر لنا ولهذا المشروع ومن جنوده الذين لا يعلمهم إلا هو)، وإذا بالشيخ عبد المقصود يفاجئنا أن يكون هو أول هذه الجنود بفضل الله تعالى أن يتطوع ويقول سنبحث مع الأستاذ كيف ننشر هذا الكتاب إلى خارج بريطانيا فإلى المستوى العالمي، هذه هي من فضائل الله سبحانه وتعالى وهي أننا إذا أجدنا العمل وتوكلنا عليه فهو يقبل الدعاء ويستجيب إن شاء الله، قبل أن نأتي إلى هنا قبل أن نقطع الفيافي والجبال والبحار والمحيطات لكي نصل إلى هذه البلاد المقدسة، قذف بي الدهر أن أذهب إلى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك حيث مؤتمر حوار الأديان وطلب مني أن أحمل مؤسستنا عملاً بسيطاً وهو عمل معرض مصغر يبرز فيه معالم معينة عن الحضارة الإسلامية، فاخترنا أن يكون هذا المعلم هو علماء من مختلفي الأديان في الحضارة الإسلامية، ولأن هذا المؤتمر كان مؤتمراً لحوار الأديان فأحببنا أن نبرز أن في هذه الحضارة الإسلامية من السعة والرحابة ما استطاع أن يحتضن علماء من اليهود ومن النصارى ومن الصابئة ومن الهندوس والزرادشتيين ومن غير المؤمنين، اتسعت هذه الحضارة ليس فقط في فترة قصيرة ولا في مكان معين فقط بل على أرجاء العالم الإسلامي من الصين إلى إسبانيا وعلى مر العصور لمدة حوالي ألف عام، فسبحان الله كان هذا المعرض قد جلب انتباه الملوك ورؤساء الجمهوريات ووزراء الخارجية ومن جملتهم طبعاً خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حيث كانت لي فرصة صحبته وتجواله حول ما عرض عن تلك الفترة ومن جملة من تكلمت معهم كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، كوندليزا رايس عندما شرحت لها ووقفت أمام موديل لساعة فيل وهذه الساعة التي صنعها الجزري قبل ألف عام، والساعة هذه تحتوي على فيل وعليه هودج، فهذا الفيل له عجائب فقلت لها هذه الساعة التي صنعها هذا العالم المسلم أراد أن يذكر الناس على أن العلوم تتحرك من حضارة إلى أخرى، وأن المسلمين يعترفون بحق الحضارات الأخرى ولا ينكرون حقها، وعليه فإنه اختار الفيل وهو غير موجود في المنطقة التي يعيش فيها، يعني كان من الممكن أن يختار جملاً أو بقرة تكون هي جسم هذه الساعة ولكنه اختار الفيل لأنه أراد أن يعطي للهند والحضارة الهندية حقها، واختار التنين الصيني المتحرك لكي يعترف بالحضارة الصينية، ثم اختار ماء الطوافات التي بداخل بطن الفيل والتي هي مصدر الحركة لكي يعترف بفضل الإغريق والحضارة الإغريقية اليونانية والمصرية، واختار الفينيكس الصقر الصغير المتحرك لكي يعترف بالحضارة الفرعونية، ثم أراد أن يعترف بالحضارة الإسلامية العربية فجعل الرجال المتحركين الآليين يلبسون العمة ويشيرون إلى الساعة هم من الحضارة الإسلامية، واختار السجادة التي هي على ظهر الفيل سجاد فارسي لكي يعترف بالحضارة الفارسية، فعندما قلت لها ذلك الكلام فقالت لي: أنت والله لقد أوجدت فضاءً جديداً للحوار، لأن الحوار مقتصر على حوار الأديان والحوار السياسي، فهذان المجالان محدودا المنتوجية، وهذا الحوار الذي يبرز الجذور الاجتماعية والتاريخية والثقافية للعلوم والإختراعات التي نكتشفها هذا شيء جديد.
قبل أن أذهب إلى الولايات المتحدة كنت في البرلمان الأوروبي حيث طلبوا منا أن نقدم محاضرة عن التجربة البريطانية لما سمي بمشروع ألف اختراع واختراع أو (إثراء المناهج الدراسية الموجودة في المدارس) الإثراء هذا يعني تحسين المناهج بإبراز الاختراعات والمعطيات للحضارات الأخرى، ولا تقتصر هذه الكتب على إبراز الاختراعات والاكتشافات الإنجليزية أو الأوروبية فقط هذا يعتبر حقيقة انتقال كبير جداً لأن له تبعات خطيرة على المواقف السياسية وعلى تربية الجيل القادم وعلى الاعتراف بالآخر، فكانت هذه المحاضرة مع أستاذ من هيئة أمناء مؤسساتنا مؤسسة العلوم والتكنولوجيا، قد أبلينا فيها بلاءً حسناً ولكنهم قد دعونا لنقوم بهذه المحاضرة وفي البرلمان نفسه وكان يحضره خمسة وسبعون برلمانياً متخصصاً في الثقافة والشؤون المنهجية في الدول الأوروبية، هم دعونا لأنهم سمعوا قبل ذلك بأن وزير المدارس جيم نايت دعى مؤسستنا لعرض مشروع ألف اختراع واختراع، هذا المشروع ليكون نفسه في البرلمان البريطاني لمدة أسبوع كامل؛ لكي يتعرف عليه جميع البرلمانيين وجميع أعضاء اللوردات، وكان هذا أيضاً توفيق كبير جداً من الله سبحانه وتعالى، عندما بدأ المشروع افتتاح هذا المعرض الصغير لأن المعرض الكبير الذي صنعناه كبير جداً وكان يجول في بريطانيا وطبعاً في تلك الفترة قد توقف لسبب وسوف أخبركم به بعد قليل، وقف وزير المدارس بعد أن أكملنا محاضرات متعددة من جهابذة العلوم من أكسفورد ومن أناس من ألمانيا وأمريكا وأيضاً شاركتنا هنا الدكتورة سهير القرشي جاءتنا إلى لندن، جاءتنا لتشاركنا في الافتتاح، وقف الوزير وقال كلمة مشهورة وقال: (لا بد لكل تلميذ في بريطانيا أن يتعرف على ما قدمه المسلمون من اختراعات لأن الاختراعات التي نحن بصددها وندعي أنها قامت على أكتاف الأوروبيين هي في الحقيقة تواصلاً لما قدمه هؤلاء المسلمون قبل ذلك)، فالحقيقة الفتوحات عندما تنظر في هذه المحطات تجد سبحان الله أن هناك بركة في مثل هذا العمل، قبل ذلك كان هذا المعرض الكبير يتجول في بريطانيا، ونعرض فيه الكتاب ونعرض فيه بعض هذه المعدات ولكن طبعاً عندما سمع بعض الإخوة من المملكة بهذا العمل، عرضوا علينا أن نأتي بنوع من المعرض الصغير إلى جدة وحضرنا هنا في مناسبة مؤتمر المعرفة الاقتصادية، وكان المضيف لنا شخصياً هو سمو الأمير فيصل بن محمد بن عبد العزيز جزاه الله خيراً، في ذلك اليوم يتصل بي معالي الشيخ عبد اللطيف جميل فذهبنا في زيارته ولا ندري ماذا يريد، فإذا به يقول إننا قد سمعنا عنكم الكثير ولا نريد أن ندخل في التفاصيل، نريد أن نرى لهذا المشروع أن يذهب إلى أمريكا، وأن يأتي للبلاد العربية مبتدءاً من المملكة العربية السعودية، حقيقة قدم دعماً كبيراً جداً وعلى شريطة أن تتوقف هذه المعارض الأخرى، لأنه بالنسبة له يجب أن يكون هناك معرض يبهر الإنسان المشاهد بشكل قوي جداً، فوافقنا على ذلك وخففنا من معارضنا التي كانت منتشرة لأنها قد تكون دون المستوى الذي يريده داعمنا الجديد لهذا المعرض المتجول، ولكن لدينا مشاريع كبيرة جداً وخصوصاً مشروع إيصال هذا الكتاب إلى مليوني ونصف المليون مدرسة تتكلم باللغة الإنجليزية في العالم لأننا وجدنا من الأربعة آلاف التي وزعناها في بريطانيا، أن هذه المدارس عندما تكتشف هذا الكتاب تبدأ عندهم مشكلة، وهو التعارض الموجود بين المناهج التي تقول إن فلاناً اكتشف هذا وأن مثلاً ويليام هارفي هو الذي اكتشف الدورة الدموية، بينما هذا الكتاب يبرز أن هناك شخصاً آخر قبله بثلاث مائة سنة اسمه ابن النفيس، يبدأ هناك الحوار، فبدأت وزارة التربية والتعليم العالي ترد على كثير من هذه المدارس وتقول لهم نعم هذه المعرفة الموجودة في هذا الكتاب هي صحيحة، لماذا؟ لأننا نحن عندما قدمنا هذا الكتاب وهو ليس من تأليفي، هذا الكتاب وراءه جيش، هذا الكتاب أولاً الكلمات التي تدعي الاكتشافات وأحقيتها وتاريخها ومن ولمن؟ هذا الكلام موثق توثيقاً علمياً أكاديمياً من أساتذة متخصصين في تلك العلوم نفسها، أما العبد الفقير فهو يسمى (editor) يعني نحن نجمع من هؤلاء وعشنا على أكتاف هؤلاء، فنسقنا هذا الكتاب لكي يكون كتاباً مقروءاً من قبل عموم الناس وخاصة متوسطي الثقافة، وموجّه نحو الإنجليز واللغة الإنجليزية، لماذا يا ترى قمنا بهذا العمل، نرجع خطوة إلى الوراء كيف بدأت هذه القصة؟ لقد ذكر الدكتور عاصم متحفاً في مانشستر، هذا المتحف سبحان الله، الذي أنطق الدكتور عاصم، هذا المتحف يبرز كيف بدأت الثورة الصناعية، الذي أسس هذا المتحف هو شخص أعرفه جيداً وكان أكبر مني في السن وكان يحبني كثيراً، ولكنني أنا لم أكن متخصصاً في التاريخ، هذا الرجل مؤسس قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا، كان أول قسم في بريطانيا يتخصص في هاتين المادتين، لتتخصص في هذا الموضوع أحبَّ أن يدخل فيه الفيزيائيون والمهندسون لأنهم هم بأنفسهم من يقومون بعملية التأريخ والتأصيل، هذا الرجل هو مؤسس هذا المتحف، جاءني يوماً وقال لي: يا سليم، ماذا تريد أن تفعل بحياتك؟ لقد وصلت إلى مرحلة قوية وأصبحت صاحب أموال ومشاريع وبحوث وعندك أستاذ كرسي في الميكانيك، فقلت له: ماذا تقصد؟، قال لي أنا أقول لك شيئاً، نحن عندنا فترة نسميها "العصور المظلمة"، هذه العصور المظلمة هي حوالي ألف سنة والحقيقة هي لم تكن مظلمة، ولكن هذه العصور توازي ألف سنة لحضارة أخرى اسمها الحضارة الإسلامية، وأنت رجل تعرف اللغة العربية ومهندس ومسلم ونرى عندك تعلق بالإسلام ومتميز، يعني ملتزم، فعليك واجب ولا بد أن تذهب وتخبرنا، فقلت له يا أستاذي الحبيب أنا لا أحب التاريخ، وقد ذهبت إلى الفرع العلمي، قلت له لأن التاريخ الذي درستموني إياه في بغداد تاريخ كله حروب ودماء، قاتل ومقتول، ولذلك قررت أن أتجه نحو الفرع العلمي، وأصبحت مهندساً وقدمت إلى بريطانيا منذ سنة 1960م وأنت تأتي الآن وتحملني هذه المسؤولية، فقال لي: اسمع يا أخ سليم، صديقي العزيز، التاريخ الذي قرأته ليس التاريخ الذي قصدته، التاريخ الحقيقي للبشرية هو تاريخ أناس مثلي ومثلك، تاريخ أناس موجودين في مخطوطات غير معروفة، فلماذا لا تذهب بنفسك وتبحث في هذا الموضوع. فماذا فعلت؟، ذهبت وبحثت، وعندي أستاذي الذي أخذت منه الكرسي واسمه وليام جونسون وقد ذهب فيما بعد إلى كامبردج وهو عضو في الجمعية الملكية قسم وليام جونسون، هذا كان دائماً يسألني: يا سليم أنا أرى أن عندنا كثيراً من النساء عندنا في أوربا وأمريكا عالمات، فأنا أريد أن أرى هل عندكم شيء في التاريخ خاصة وأن عندي إسم امرأة من الإسكندرية اسمها "أباتيا" وهو أيضاً يحب التاريخ، فأعطاني تحدياً، فسألني أليس عندكم نساء في التاريخ الإسلامي في الرياضيات أو غيرها؟ قلت له والله لا تسألني لأنني لست خبيراً، ولكن سوف أسأل لك، فتوافق سؤال هذا الرجل، مع التحدي الذي قام به البروفسور الدكتور دونالد كارلوي، فذهبت كأي إنسان علمي أكاديمي فأبحث وأرى هل هذا الكلام صحيح، فذهبت إلى الكتب الموجودة في المكتبات وإذا بي أجده كلاماً صحيحاً تأخذ الكتب التي تتكلم عن تاريخ الإختراعات وتاريخ التكنلوجيا وإذا بها تقفز من الحضارة الإغريقية إلى عصر النهضة (renaissance) الذي هو البحث الأوروبي، ألف سنة مفقودة تماماً ويسمونها بالعصر المظلم (dark age) وأحضر لكم صورة هذا الكتاب (science and inventors) تاريخ العلم والعلماء، من سنة 287ق.م -إلى 212ق.م تتكلم عن أرخميديس، ثم يقفز إلى جوهانس جوتنبرغ 1400م إلى 1468م، ثم يقفز بعد ذلك إلى دافنتشي إلى سنة 1452م ليس هناك شيء وهكذا دواليك، والكتب الأخرى ودع عنك عن كتب المدارس نفسها ليس هناك شيء، طبعاً هذه عجيبة في الحقيقة، هؤلاء الناس أنا اخترت منهم حوالي أربعين شخصاً من الشخصيات التي تعرفونها من علماء المسلمين، ولا أحد منهم ذكر مع أنهم يستحقون أن يكونوا في مصاف نيوتن مثلاً الذي يعتبرونه عالماً مقدساً صاحب الحضارة وصاحب الميكانيكا والهندسة والرياضيات، إذا قمنا كذلك بمسح آخر في الإنترنت، لو بحثنا عن اسم دافنتشي نجد أنه قد ذكر حوالي 43 مليون مرة، إسحاق نيوتن 4 ملايين مرة ذكر، ولكن لو بحثت عن أي عالم من علماء المسلمين لا تجده أكثر من 50 ألف حتى أقوى شخصية منهم لا أدري إن كنتم تسمعون عنه أم لا، "زانغ هي" باعتبار أنه شخصية صينية والصين أكثر كثافة في العالم، وهو صاحب أدميرال الذي صنع سفناً خيالية في الحجم، كانت كل سفينة منها كأنها سفينة نوح عليه السلام، وكل سفينة كانت بحجم ساحة كرة القدم، وجال بها العالم وكان هذا الصيني مسلماً، مع ذلك اسمه لم يذكر، الخوارزمي كذلك لم يذكره إلاّ القليل، باختصار الكلام الذي قاله دونالد كاردوين أنه فعلاً صحيح هناك ألف سنة مفقودة من تاريخ أو من ذاكرة العقل الأوروبي، وحتى في التعليم أيضاً الشيء موجود وفي بعض الأحيان أرادوا أن يرحموا المسلمين أو لم يحبوا أن يستخدموا العصر الأسود أو المظلم، ذكر الدكتور عاصم شخصية الأستاذ الذي هو محرر (Encyclopedia of Islam) والذي هو "بود وولف"، فقبل بود وولف أنشأوا سلاحاً آخر، وهو ما يسمونه العصور الوسطى (Medieval Ages) لا يريدون أن يذكروا العصر الإسلامي فسموه العصور الوسطى بين الحضارة الإغريقية التي يعتبرونها أوروبا والحضارة الحديثة الغربية التي هي أيضاً أوروبا، لا يذكر أن هذه الحضارة المفقودة هي حقيقة الحضارة الإسلامية، فإذا كانت قد تكونت لدينا رسالة وهي محو هذه الذاكرة والحقيقة أن القصة ترجع قليلاً إلى الوراء، فأحببت أن أبحث أنا شخصياً بحكم اختصاصي كمهندس ميكانيكي، أردت أن أعرف هل يا ترى هل صنع المسلمون شيئاً بالميكانيك؟ فوقع نظري على مخطوطات وبعض أعمال هذا الرجل الذي اسمه إسماعيل الرازي الجزري، الذي عاش الأيام الأيوبية في مدينة ديار بكر رحمة الله عليه، كتب كتابات رائعة وشرح كثيراً من المكائن والآلات الموجودة في عصره، ومن جملتها الآلات التي هو صنعها، فالجزري مشهور عند بعض الناس، فطبعاً نحن لم نذهب وحققنا وقرأنا هذه المخطوطات التي تحتوي على هذه المكائن فقط ولكن حولنا هذه المكائن إلى حقيقة موجودة بحيث هذه التي ترونها أمامكم مخطوطة على اليسار ولكن الماكينة هي تشتغل وهي تشتغل في الفضاء الإفتراضي (عرض الشرائح مرافق للمحاضرة)، فكل آلة من هذه الآلات فيها إبداع من الإبداعات التي قدمت شيئاً كبيراً، مثلاً هذه الآلة التي ترفع 100 ولكن فيها تحويلاً للحركة الدائرية إلى حركة مستقيمة، فهذه العملية إذا جئت بآلة تحرك الحركة الدائرية إلى حركة مستقيمة أفقية أو عمودية لولاها لما قامت المكائن الصناعية التي تعرفونها اليوم، وكذلك الساعات والآلات ستجدون أنها تتحرك كما هي مبينة في شاشة العرض، فهذه احتجنا أن نبحث عنها وأن نستخرجها إلى الفضاء الإفتراضي، لكي يستطيع الإنسان المهندس أو العلماء الموجودون في الجامعات أن يصنعوها تصنيعاً مادياً لكي يشاهدوها ويعملوا عليها، فهذه ساعة الفيل التي أخبرتكم عنها هي أيضاً صنعت بالفضاء الإفتراضي ثم بعد ذلك فأصحاب "ابن بطوطة مول" اتصلوا بنا ومجموعة النخيل ليبنوا لهذه الآلات صروحاً في هذا المول وكان يسمى سابقاً "غاردن مول" ثم اقترحنا عليهم اسم ابن بطوطة على أساس أن ابن بطوطة قام برحلة حول العالم فمر بدول كثيرة، فهم جعلوا في هذا المول لكل دولة زارها قسماً، فهذا الآن هو مكان للتواعد بين الهنود، والهنود عندما يذهبون ويأتون مخصوصاً لكي يلتقوا هناك، ويسمونها ساعة الفيل لكنهم لا يتصورون أن هذه ساعة هندية وعندما يصلون إلى هناك ويقرؤون ما هو مكتوب وكيف يتحرك ومن الذي صنعها أصلاً، ومن هو المخترع لهذه الساعة يكتشفون أنه مسلم، فالجولة حقيقة كانت جولة جيدة أما إذا أخذنا شخصاً آخر وهو المهندس تقي الدين الراصد، كان في سوريا وعاش في مصر، ثم ذهب إلى اسطنبول وقدم هناك صناعات كثيرة حتى بعض النظريات في الفلك، هذه الآلة لمن يعرف في السيارات هذه في الحقيقة مكينة سيارة بشكل معكوس، فيها ستة أسطوانات موجودة تتحرك وهذه الأسطوانات تتحرك بشكل متسق بطريق ما يسمى (كرانك شافت The Crankshaft) الذي هو هذا القضيب الذي ينظم وهو اختراع إسلامي فلولاه لما قامت صناعة السيارات، هذه سنة 1551م، أما بالنسبة له أيضاً أبدع في الساعة الحديثة، ليس فقط ساعة مائية وأيضاً أبدع في تصنيع ساعة على الجاذبية والتي يسمونها ساعة الجذب التي تقف على الحائط، وأهم ما قدمه من اختراع هو ما يسمى الرقاص (escapement) الذي يعمل تيك توك، لولا هذه لا تستطيع أن تحسب الوقت، فهذا الآن مصنع ولكن المشكلة الكبيرة في المحطة هذه لأنه في تلك الأيام المقاسات كانت بالشبر والذراع وليس بالسنتمتر والملمتر أو المتر، فأنظر كيف تستطيع أن تحولها كلها إلى المقاسات الحديثة ولكي تستطيع أن تستنتج ماذا كان يقصده من كلام يحتاج أن تستخدم الوسائل الحديثة مثل الكمبيوتر حتى تعمل فيها ما يسمى بالمحاولة والخطأ إلى المجسم، طبعاً نحن محاضرتنا أو محطاتنا ليست لتفصيل هذه الأشياء، لكن حقيقة الشخص الذي أذهلني هو البيروني رحمة الله عليه، البيروني كشخصية وهؤلاء العلماء مثل البيروني وغيره هم عجيبون، تجدهم يسمون بموسوعة يأخذون بمجالات علوم كبيرة وواسعة وبعض الأحيان قسم منها غير متصل مع بعض، وطبعاً كوني أنا تحولت من الميكانيك إلى تاريخ العلوم شعرت فعلاً أننا بدأنا نحذو حذوهم ولكن شتان ما بيننا وبين هؤلاء العمالقة، يعني البيروني ألف 200 مخطوطة، قاس محيط الأرض ومن جملة الأشياء التي يلتفت إليها الإنسان في محطاته هي يقول أنا استنتجت مقاساً في الرياضيات محيط الأرض ولكن أردت أن أقيسه مقياساً يعني بالتجربة فيعني شد القافلة لكي يقيسوا منحى لدرجة واحدة وحتى يضاعفها بـ 360 وحتى يصل إلى محيط الأرض، ولكن المقاس كان غير مضبوطاً لأن القافلتين اللتين تحركتا من نقطة واحدة لم تجتمعا في النقطة التي يفترض لهما أن تلتقيا عندها، فأراد أن يقوم بالتجربة مرة أخرى، فماذا قال؟ قال: والله لم أستطع أن أقوم بالتجربة مرة أخرى لأن الواقف قد توفي وذهب إلى رحمة الله، إذاً هذه العلوم التي كانت تقوم وهذه العمليات الضخمة التي تقوم كان وراءها أوقاف وكان وراءها رجال من أمثالكم، من أمثال الشيخ عبد المقصود، يعني هؤلاء الرجال ليست قضية حكومات وقفت وهم يأمرون العالم ثم يكافؤونه لكن هناك أوقاف لكي تشجع، لذلك حدثت نفسي لو ذهبت إلى أحد المشايخ أو إلى أحد الأغنياء وأقول له أنا أريد أن أذهب لأقيس محيط الأرض، سيقول لي ماذا؟ تريد أن تقيس محيط الأرض؟ فحقيقة الشيء غريب بين تلك الأيام وهذه الأيام، هذا الرجل عندما كان على فراش الموت والذي يعجبني فيه، جاءه زائر من مدينة بعيدة، فقالوا له فلان جاءك ليودعك، فالمودع حضره الموت، فحاول أن يقف ويريد أن يحترموه ويسلموا عليه ولكنه لم يستطع، فقال له يا فلان أنا أبحث عنك سنوات، فجاء بك الله سبحانه وتعالى إليّ، فالمسألة الفلانية أنت عندك حلها، مسألة رياضية والرجل على فراش الموت، فالناس بدأوا يتلفتون، والرجل يتلفت، فقال له أنا أعرف أنك أنت تتساءل لماذا أسأل هذا السؤال وأنا على فراش الموت؟ كيف بي إذا واجهت ربي وقد قيض لي فرصة أن أتعلم حل هذه المسألة ولم أسع؟، إذن القضية قضية دين يا إخواني وأخواتي، هذه العلوم وهذا الجهد وهذه المثابرة والمجادلة، البيروني رحل من منطقة إلى أخرى كان يعيش في شمال الهند ورحل إلى أفغانستان، والمسكين قد ذاق المر في حياته، ورصد وتعلم وكتب، إذن القضية قضية دين، فهناك وازع آخر وليست تكريماً، ونحن طبعاً شاكرون ونسأل الله أن يكرمكم ويرفع شأنكم، هؤلاء العلماء الذين نريد أن نقتدي بهم، هؤلاء حقيقة كانت بينهم وبين الله قضية، هي مسألة تتعلق بمفهوم معين للإيمان، وأنا هذا حقيقة أحسست به، فالبيروني له جملة في مخطوطة وقد نبهتني لشيء آخر، وهو يقول (وأشكر الله أن قيض لي ريحانة، ولولا ريحانة لما استطعت أن أقوم بعمل) فهناك امرأة وهناك نساء يعملن وهناك عالمات ونحن لا ندري عنهن، فإذن نحن نستطيع أن نجيب البروفسور جونسون الذي يتساءل عن وجود نساء عالمات؟، فسألت الدكتور قاسم السامرائي الذي هو في جامعة ليدن (leiden) رجل مخطوطات، فقلت له يا دكتور قاسم نحن نبحث عن مخطوطات فهل يمكن أن تخبرني عن عدد المخطوطات الموجودة في العالم العربي، فقال يوجد حوالي 5 ملايين، وهو أقل عدد وأكبر عدد 8 ملايين منتشرة في العالم، إذاً كم المحقق منها يا دكتور؟ قال الدكتور قاسم أن العدد المحقق هو 50.000 فقط من المخطوطات من 5 ملايين، إذن هذه 50.000 مخطوطة عن ماذا تتكلم؟ فقال لي بكل صراحة هي إما عن الخلافات الفقهية، أو عن السلاطين والحكومات وتاريخ العوائل، أو عن الأدب والنثر، فلذلك لما ذهبنا نبحث عن مخطوطة عن ابن النفيس أو البيروني كان يعتبر هذا اكتشافاً عظيماً جداً من بين هذه الخمسين، لماذا؟ هذه الخمسين ألف لم تحتو على مخطوطات أخرى لأنه كما تعلمون فإن المخطوطات تحتاج إلى تمويل وأصحاب المال، وأصحاب المال هم الذين كانوا مهتمين بها، وحديث الناس واهتماماتهم بلا شك هي التي أعطت أولوية لمثل تلك المخطوطات، إذاً فنحن نريد من إخواننا وأخواتنا الكرام أن يحاولوا أن يشجعوا الحركة العلمية للجامعات الموجودة في المنطقة أن تتجه لتحقيق المخطوطات المهمة التي تؤثر في حياتنا اليوم وسمعة المسلمين ولكي تحرك في روح الشباب أنهم يقتدوا بالعلماء في العلوم المختلفة في التكنولوجيا وفي العلوم الإنسانية الأخرى مثل ابن خلدون وغيره، وطبعاً بالنسبة للنساء وإذا بنا نكتشف أن في جامعة أكسفورد يوجد هناك بحث يقوم به باحث حيث اكتشف 8000 امرأة عالمة محدثة للقرآن ومعلمة للحديث في العصر الأول للحضارة الإسلامية فقط، إذا كان هذا الكتاب من 40 جزء، لثمانية آلاف امرأة، إذا كانت هذه الثمانية آلاف في أقدس موقع لأي مجموعة بشرية، فنحن عندنا مشكلة في الغرب وهي أن المرأة لا يحق لها أن تكون قسيسة، مشكلة بينما نحن عندنا هذا الرجل اكتشف ثمانية آلاف من المحدثات والمعلمات ويقول بأن ابن الجوزي تتلمذ على يد عدد من النساء، عجيب إذن من باب أولى أن هؤلاء العالمات اللواتي غزون ذلك المركز المهم جداً فبالتأكيد لهن وجود في علم الرياضيات وعلم الفلك والكيمياء وغيره ولكننا لا نعلم شيئاً عنهن، كما وجدنا أن من بين أهم المحطات أن هناك أول جامعة في تاريخ البشرية وهي جامعة القرويين من مؤسسها؟ إنها امرأة واسمها فاطمة الفهرية، وهذه المرأة أيضاً لنا أن نعتبر فيها، فأختها بنت جامعاً على بضعة أمتار من جامعة القرويين، هي التي بنت جامعاً والتاء تاء التأنيث، والمفاهيم الموجودة في الجامعة كأستاذ كرسي (chair) هذا الكرسي من أين أتى؟ فالشخص الوحيد الذي يجلس عليه في المسجد أو في الدرس هو الشيخ، وهكذا وأما البكالوريا مثلاً هي تأصيل لكلمة "حق الرواية" فتحولت إلى بكالوريا وهكذا..، حقيقة الوقت لا يسمح، يوجد هناك عالمات كثيرات في الطب ولكن أيضاً في موضوع الإدارة ومميزات المرأة شيء مثير للنظر، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يسيطر على الأمن السوقي في مكة والمدينة، فنحن الآن إذا أردنا أن نكلف شخصاً بما يسمى بـ (health executive officer) مسؤول الصحة التنفيذي لا بد أن تكون لديه قوة خارقة حتى يستطيع أن يغلق صيدلية ويستطيع أن يغلق معملاً كاملاً وأي شيء، لأنه موضوع الصحة وموضوع الأمن مهم جداً، فعين امرأتين على سوق المدينة "الشفا بنت عبد الله" وعلى سوق مكة "سمرة بنت نهيك الأسدية"، الشفا رحمة الله عليها عندما أبدعت هذا الإبداع، ماذا فعل؟ فعندما فتح العراق، كانت مدينة البصرة متعبة جداً، ولكي يسيطروا على البصرة وسوقها وإدارتها نقل الشفا إلى البصرة فأصبحت هي حاكمة البصرة، يعني هذه لها بعد عظيم جداً بالنسبة لموضوع وضع المرأة، ثم بعد ذلك نأتي للمهندسات نجد أن هناك المهندسة مريم العجلي من حلب، هذه المهندسة كانت تصنع إسطرلابات وهذه كانت من أصعب ما يمكن صناعته لأنه كآلة كمبيوتر ميكانيكي، فهو يحدد حركة النجوم ويتطلب أعمالاً كثيرة كي يستطيع الإنسان أن يقدم فيه في مثل تلك الأيام الإسطرلاب، الإسطرلاب تجده في المساجد فهو مثل هذا الكمبيوتر الذي أستخدمه أنا الآن، فتجد أنه أحدث آلة للحساب في ذلك الوقت هو الإسطرلاب وتجده بجانب المنبر، يعني كأنك تضع هذا (اللابتوب) الذي هو ملكي بجانب المنبر، هكذا كانت المسألة، وهناك شخصيات من العالمات مثل سهيل المحاملي، هذه المرأة الصالحة كانت تعتبر عالمة في الرياضيات في بغداد وكانت منزلتها كأنها تستقطب للمحاكم ويستخدمها القاضي كشاهد خبير expert witness))، كما كانوا يستخدموني أنا في بريطانيا كشاهد خبير في حوادث الانفجارات، ومن جملتهم حادث طائرة لوكربي ورصيف بحر الشمال، يعني عندما يكون هناك انفجار فهم يأتون بأناس مختصين حتى نقوم بواسطة الكمبيوتر بتأصيل أسباب هذا الإنفجار، فهذه المرأة كانوا يأتون بها لكي تستخدم الرياضيات والجبر لحساب المسائل، فمثلاً أنت أحضرت مقاولاً لكي يبني لك بيتاً وصار عندك إشكال، إما هو مات أو صاحب المبنى مات، فكيف سيتم حل المشكلة، كيف سيتم تحديد التكاليف، فهذه كلها تتم بالحسابات الرياضية، كم ثمن الحجر والحجم وغير ذلك، فهذا يدل على أن المرأة كان لها وجود في بناء الحضارة الإسلامية، (من أعجب العجائب بالنسبة لغير المسلمين وتناغمهم مع المسلمين هو إنسان اسمه قسطاء بن لغة، هذا الرجل كان قسيساً وكان يترجم وكان محبوباً عند الناس في حلب، من السريانية ومن الإغريقية إلى العربية وهو أيضاً كان طبيباً، عنده هذه المخطوطات الموجهة للمسلمين "كيف يحج المسلمون حجاً صحياً وقائياً" يعني رجل قس يكتب كتاباً للمسلمين كيف يذهبون للحج وكيف يحافظون على صحتهم)!! فهذا الشيء يدل على أشياء أخرى حقيقة، فما هو الوازع وما هي الأسباب التي حركت هؤلاء الناس الجهابذة مثل ابن سينا وغيره؟ وبالمناسبة بالنسبة لابن سينا هناك بعض الناس يتهمونه في مذهبه وأن عليه ملاحظات، ونحن لا زلنا نعيش في الخصومات المذهبية وتطال بعض الناس افتراءات، ونحن أحياناً عندما نحكم على ابن سينا وهذا ليس دفاعاً عن ابن سينا أو غيره، ولكن يجب أن ننظر إليهم بأوقاتهم وليس بأوقاتنا ونكتشف أن ابن سينا يقول مثلاً عندما تستعصي علي مسألة في المنطق، والذي هو مشكلة كبيرة، وإذا به يقول أذهب لأعتكف في المسجد ثم يلهمني الله سبحانه وتعالى الحق، فالسر في ذلك والله أعلم أن الوازع الذي حرك الناس هو مفهوم بسيط جداً، أنا كإنسان مهندس أؤمن بما يسمى بالإنتاجية يعني هناك شيء داخل إلى الماكينة وشيء خارج منها، يعني مثلاً بالسيارة ضع فيها وقوداً، الخارج منها هو الحركة: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (من آية رقم 25: البقرة) أنه ما دام هناك إيمان فهناك عمل صالح، الذي فهمته أن هؤلاء العلماء الكبار كان عندهم واضحاً جداً أن الإيمان هو الداخل، ليس الإيمان بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهذا العمل بالنسبة إلي في الإنجليزية أسميه out put)) وهذا العمل لا بد أن يكون صالحاً، أنا منذ كنت صغيراً كان عندي مفهوم للعمل الصالح وهو التقوى، يعني هذا الرجل صالح فهو تقي، يعني مثلاً تصلي سنة زيادة أو تصوم أو تقوم الليل، لكن فيما بعد اكتشفت أن هؤلاء الناس كانوا يقصدون بالعمل الصالح العمل غير المضر، وهذا معناه العمل المفيد المصلح ويصلح لمن؟ يصلح لكي يحسن مستوى الحياة، يحسن إعمار الأرض، العمل النافع، العلم النافع، هذه المسألة إذن هي قضية دين، فعندما يريد إنسان مثل الزهراوي أن يكتشف ويحل مسألة الحمل، ويصنع هذا لكي يسحب الطفل من رحم أمه وخاصة إذا كان رأسه كبيراً وعاصاً وأمه لا تستطيع أن تدفعه، فهو صنع ما يسمى بـ (forceps) إخواننا الأطباء والجراحون يعرفونه، فهو مثل الملعقتين يمسك بهما رأس الجنين ويسحب، وهذا رحمة ورأفة بالمرأة ولكن فوق ذلك كان الإنسان يعطف على النساء اخترع شيئاً آخر ولا زلنا نستخدمه إلى اليوم، وهي أمعاء القط (cat gut) وهي الخيط الذي يستخدمه الجراحون في الجراحات الداخلية لكي يخيطون به الجراحات الداخلية، ولأنه يذوب في جسم الإنسان بعد ثلاثة أسابيع ولا يرفضه جسمه، فكانت المرأة عندما يجرون لها عمليات قيصرية يفتحون بطنها أولاً ثم يشقون الرحم ثم يخرج الجنين، ثم يخيطون الرحم ثم يخيطون البطن ثم بعد ثلاثة أسابيع يحصل التهاب مما يستلزم شق البطن من جديد ونزع الخيط من الرحم وخياطته مرة ثانية، يعني عملية شاقة، فالله ألهمه فاكتشف أن هذا الخيط كانوا يستخدمونه في الموسيقى كوتر للكمنجة، فأعطاه لقرد بلعه فلم يحصل له شيء، فمعناه أن الخيط يذوب فاستخدمه، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم اذهب إلى أي مستشفيات الجراحة واسألهم ماذا يستخدمون في الجراحة، سيخبرونك (كات غات)، (Cat gut) ويمكن أنهم لا يعرفون ما هو، وهو المقصود فيه أن هذا الاختراع من الزهراوي رحمة الله عليه، فمثلاً هذا الإنسان لو سجل هذا الإختراع منذ ألف سنة في مدينة الزهراء بجانب قرطبة، فماذا كان يمكن أن يصبح؟ لكان ملك الدنيا، ولكن عندما تقرأ كتابه "التصريف" فإذا به كتاب كأنه كتاب دين، فإذاً مسألة العمل الصالح كانت تؤل تأويلاً قد يحتاج بعض الأحيان لنوع من التدقيق، فالحقيقة هناك مجالات مختلفة في الصناعات المختلفة وفي الزراعة يعني عن ماذا تريد أن أتحدث، فهناك النظارات وهناك الصابون فمن الذي جاء به إلى أوروبا؟ معجون الأسنان وفرشاة الأسنان، قلم الحبر هذا الذي نستخدمه، في الحقيقة هذه اكتشافات المسلمين، فنحن ننظر إلى المسألة بطريقة معكوسة، عملنا ماذا، قلنا ننجز الكتاب ونقيم معرضاً فنأخذ ما هو موجود الآن ونرجع به إلى الوراء، فنحن نأتي ونقول ما هو موجود في البيوت، في البيت تستيقظ في الصباح وتفرش أسنانك، فمن الذي اخترع فرشة الأسنان؟، تستخدم معجون الأسنان فمن الذي جاء بمعجون الأسنان؟ تخرج لشرب القهوة، فمن أتى بالقهوة؟، تفتح جريدة لقراءتها فمن أتى بالورق؟ وإذا لم تستطع القراءة تستعين بالنظارات، فمن هو أول من اخترع العدسات، إذا أردت أن تصور شيئاً بآلة التصوير (camera) فمن هو أول من اخترع الغرفة المظلمة والتي اسمها الكمرة؟ وهو الحسن ابن الهيثم لكي يثبت للناس على أن نظريات الضوء السابقة والتي تقول بأن عين الإنسان تشع شعاعاً غير مرئيٍّ لكي ترى بينما هو قال بالعكس، قال بأن الضوء هو الذي ينعكس من الجسم ويذهب إلى هاتين الكرتين المظلمتين يدخل منهما، وسميت العدسة لأن شكلها مثل العدسة، ثم نأخذ موضوعاً آخر مثل الموسيقى فتجد أن أمثال الكندي وغيره كتبوا الحروف (دو ري مي فاسو صول...) فهذه حروف عربية (فاء لام دال..)، أيضاً الأرقام التي تسمى الآن (Arabic Numerous 1-2-3) فالعرب في ذلك الزمان كانوا يعتبرونها أرقاماً هندية، ولكن لما جاءت إلى أوروبا عن طريق العرب سميت بالأرقام العربية، وظلت هذه الأرقام العربية تحارب الأرقام اللاتينية لخمسين سنة، الناس مساكين ما كانوا يعرفون الحساب فلو استمروا على تلك الأرقام اللاتينية لما وجدت سيارات ولا طيارات ولا قطارات ولا حاسوبات لأنه لا يمكن أن تنجز حسابات بالأرقام اللاتينية، وهذا فضل العرب عليهم، وعند إنجاز العمليات الحسابية فإن العمليات تتم من اليمين إلى اليسار وليس العكس، على كل حال، في الحقيقة إن الاكتشافات والبحوث كثيرة فلمن يريد أن يبحث أكثر فعندكم الكتاب، وبالمناسبة فقد سألني أحدهم قائلاً: هل المسلمون عندهم ألف اختراع واختراع؟، فقلت له لماذا أنت تقلل من قيمة الإنسانية، وهذه الإنسانية حضارة، هل من الصعب جداً على العقل البشري أن يقدم اختراعاً لكل سنة؟، غير معقول المفروض الإختراعات بالملايين لأنه أصبح مبدعاً وخلاقاً ويوجد حلاً لكل مشكلة، لكن الذي قصدناه بألف اختراع واختراع، هو أننا أحضرنا أناساً لهم دراية بالعلاقات العامة التجارية (Public Relation Marketing) وقلنا لهم عندنا قائمة بأسماء مخترعين لهذا المشروع، ونريدكم أن تختاروا ألف اختراع واختراع، لماذا؟ لأن في العقل الأوروبي ورّثوهم شيئاً اسمه ألف ليلة وليلة، وألف ليلة وليلة هذه كلما يرون شخصاً عربياً أو مسلماً فرأساً تتبادر إلى أذهانهم حكايات ألف ليلة وليلة فيتذكرون سندباد البحري أو علي بابا والأربعين حرامي، أو علاء الدين والمصباح السحري وأيضاً شيئاً من المجون والنساء الراقصات، هذا هو الموجود في أذهان العقل الغربي، ولكن عندما تأتي وتصدمه وتقول له عن ألف اختراع واختراع، هذا شيء تحويل ما يسمى بـ (perception) والتي معناها أن عمليتنا تحولت إلى عملية حركة تحويل أذهان الناس إن كانوا من غير المسلمين أو إن كانوا من المسلمين.
وقفتي في مركز محطة مدينة "وافر"، وسأختم هذه الأمسية بهذه الرواية، دعيت لكي ألقي كلمة عن بعض الأشياء وعن العرب فألقيت لهم سرداً عن بعض الإختراعات والإبداعات، ومن جملتها حتى ذكرت ليس القهوة فقط ولكن أيضاً ذكرت (child benefit) وهو شيء يعتز به الغربيون وهو الراتب الذي يأتي للمرأة عندما تنجب طفلاً، وقلت لهم هذا من زمن سيدنا عمر وموجود عندهم كراس في بريطانيا عندما تفتح الطبعة السابقة مكتوب فيه أن تاريخ (child benefit) أن الخليفة عمر هو الذي استحدثها عندما رأى طفل إحدى النساء يصرخ وكيف حاول تسكيته وأنتم تعرفون القصة، وكذلك (order) وهو راتب التقاعد وهذه أيضاً من عمر بن الخطاب حيث مر على يهودي عجوز يستجدي الناس، فسأله عمر لماذا يستجدي، فقال له: اليهودي: ليس معي مال. فقال له عمر: كيف ونحن قد استعملناك في شبابك وتركناك في كبرك؟، فعاد إلى بيت المال وأمر أن يخصص من بيت مال المسلمين راتباً لكبار السن، ومنذ ذلك العهد أصبح العالم يقتدي به في هاتين السيرتين، فعندما كانت رئيسة الحفل هي عمدة المدينة وهي امرأة، وقفت لكي تعلق فقالت أنا غاضبة جداً لأمرين: أولاً لماذا لا يتكلم معنا المسلمون بهذه اللغة، فهم دائماً يتكلمون في الدين أو في السياسة، وهذا شيء نحن مشتركون فيه ونحن مدينون لهم لكوننا لم نحدثهم عن مثل هذا الحديث، ثم قالت الشيء الثاني هو لماذا مثل هذه الأمور غير موجودة بالمناهج الدراسية؟ وحقيقة هاتان النقطتان اللتان قالتهما أسست (Strategy Business Plan) المخطط الإستراتيجي الذي نمشي عليه، وبالمناسبة مؤسستنا ليست إسلامية ولا دينية ولا سياسية فمعظم الناس فيها من غير المسلمين فهذا التحول حقيقة في حياتي، أصبح له بعض وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 11) فلا بد لي أن أحدثكم عن بعض اللمسات من لمسات أصحاب العلم والإيمان التي أثرت على حياتي وقد ذكرت هذا للشيخ قبل أن نصل إلى هذه الحديقة، عندما تزوجت طبعاً، الناس بعض الأحيان إذا مشينا على فكرة جحا، سئل حجا: من أين أنت؟ قال لم أتزوج بعد فلا أعرف من أين أنا. فنحن أنا والشيخ هو متزوج لبنانية وأنا متزوج شامية، فقد فقدنا جنسياتنا من زمان، فأنا عمي عندما وصل إلى دمشق كان يأخذني إلى المشايخ بعد صلاة الفجر، فمرة أخذني إلى الشيخ ملا حمد البوطي يرحمه الله أبو الشيخ سعيد رمضان البوطي، فذهبنا إلى حي الأكراد، فوجدنا هناك الرجل نحيفاً وجالساً على السجاد وحواليه أناس، فقدمني إليه عمي مفتخراً بي قائلاً له أنني صهره وأستاذ بمدينة مانشستر بإنجلترا، فالتفت إليّ بنظرة ثاقبة، فقال لي جملة: (إذا أردت أن تعرف مقامك، فانظر أين إقامتك)، حقيقة هذه اللمسة وهذه اللفحة من النور جعلتني أراجع ملفات حياتي كلها، ومن تلك الإشارات والتحركات التي أصابتني في حياتي من الأستاذ دونالد كاردويل ومن العمدة ومن غيره ومن البركات الربانية التي يسوقها لمن يشاء يعني اتجهنا هذا الاتجاه، فللَّه المنة والفضل وأنا في حقيقة الأمر الكلام يعجز وأنا لا أدري كيف أنني تكلمت لأنني منذ خمسين سنة وأنا بعيد عن اللغة العربية، فأنطقني الله سبحانه وتعالى بحيث أرجو أن تعفوني إذا رفعت المنصوب أو كسرت المرفوع، ولكن في الحقيقة الكلمات لا تحضرني لأعبر عن الشكر الجزيل والامتنان وفائق الحب والمودة للشيخ ولإخواني الذين أكرموني هذا التكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :520  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج