شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشاعر يحيى السماوي ))
ثم تحدث الشاعر يحيى السماوي، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الصلاة والسلام على نبي الحق والهدى الصادق الأمين محمد، وعلى آله وصحبه.
- السلام عليكم أيها الجمع الطيب والنبيل، حفنة كلمات رأيت عصافير يدي تقفز إلى الورقة كيما تقول شيئاً هي هذه؛ لا أزعم بأني سأقول نقداً، إنما أنا متأكد من أنني أطمح لأن تكون كلماتي المتواضعة هذه بمثابة باقة ورد عراقية بين يدي هذا الفتى المكي الطيب.
- أيها الأحبة، سأشذ عن القاعدة والمألوف فلن أضع باقة ورد تشكراً لكريم الأدباء وأديب الكرماء الشيخ عبد المقصود خوجه، إذ أنني على يقين من أنني وبأي كلام سأتقدم به شاكراً لن أكون سوى عشبة في غابة فضله، ولن أتحدث عن صديقي وأخي الشاعر اللواء علي زين العابدين، لن أتحدث عن الحديقة، ولكن سأتحدث باختصار عن عبيرها.
 
- أقول ليسمح لي أخي وصديقي الشاعر اللواء أن أتخذ منه نافذة، أطل منها على فضاء رحب مخضب بمسك الحجاز وعرار نجد، فأقول:
 
- إنَّ الرجل الَّذي تلبسني الآن، الرجل القادم من وطن كان يشبه خيمة عشق، وطن كان يسمى العراق، فأضحى يشبه تابوتاً ضخماً؛ وبشكل أدق، إنَّ هذا القروي القادم من مدينة السماوة مبللاً بدموع أمه، وبطين الفرات، كان يكره شيئين، كان يكره امبراطور القصر الجمهوري ببغداد، وكان يكره البدلات الزيتونية والكاكية، وجميع الَّذين يعتمرون الخوذ الفولاذية من ذوي الرتب العالية؛ إنَّ الرجل النائم في روحي كان يحب العصافير لا الرصاص المخاتل، يحب التجول بين الحدائق لا القفز بين الأسلاك الشائكة، أو الاختفاء كالجرذ في الخنادق خلف أكياس الرمل، هذا القروي كان يحب أراجيح الأطفال لا حبال المشانق؛ لهذا السبب - بالذات - تشرفت بكوني أشجع الجبناء، أو ربما كنت أشجع الهاربين من الوقوع بين ذوي الرتب في جيش الأشاوس، مفضلاً أن أغرس في قعر سجن مظلم على أن لا أكون أداة قتل بيد مجنون بغداد..
 
- ولهذا السبب - بالذات - كنت أفزع كلما شاهدت خوذة عسكرية، فأود أن أغرس أصابعي في عيون ذوي الرتب العالية..، فلقد أخبرتني طفولة ضفاف الفرات ويتم نخيل دجلة، وأخبرني رغيف أمي المخبوز بالدم: إن الأشاوس هم الَّذين دفنوا خالي، وذوي البدلات الزيتونية هم الَّذين قمعونا في تظاهراتنا من أجل الخبز والكرامة والمحبة، والَّذين كانوا يشرفون على تعذيبنا كانوا من ذوي البدلات الزيتونية، ولذا أعلنت العصيان على كل هذه البدلات؛ فلقد عرفت أنَّ الجرح العراقي ما كان سيغدو وطناً للشعب لو لم يتحول عسكريو العراق إلى حرس شخصي لمجنون القصر الجمهوري ببغداد، وأخبرتني المشانق أنَّ المحبة لا تؤتى عبر خوذة عسكرية، وإذ دخلت المملكة عشت الغربة حدث ذلك حين تعرفت إلى أدباء وشعراء وكتاب عسكريين، كانوا يجيدون غرس الزنابق تحت الشرفات، مثلما يجيدون غرس الرصاص في صدور أعداء الوطن..، ينسجون لأعداء الله أكفان الردى، وينسجون مناديل الحرير للأحبة..، وأية غربة أقسى من أن أتذكر أنَّ عسكريي بلادي يجيدون فن القتل واستباحة الأوطان، وأنَّ عسكريي هذه الأرض المقدسة يجيدون فن المحبة وصنع الإنسان؟
 
- وكان اللواء الشاعر أحد أولئك الَّذين عقدت معهم الألفة.. مذ ذاك الوقت وأنا أرحق عبيراً روحياً بعدما رحقت كثيراً دخان الحرائق، فطوبى للشعر إذ يحتفي معنا بالشاعر الفارس وبالفارس الشاعر.. بهذين التوأمين اللذين تآلفا متوحدين ومتحدين في ذات اللواء الشاعر علي زين العابدين لا أشكو نضوباً في الكلمات أيها الأحبة فقد كان بمستطاعي الحديث عن صديقي اللواء الشاعر، لولا أنني أشكو ظمأ الاستماع إلى شعره، ولذا أقوم الآن بقايا جسدي إلى حيث كنتُ، وأستريح باسطاً إناء قلبي عسى أن أملأه رحيقاً من شعره، من شعر هذا الفتى المكي، والَّذي أثبت لي أنَّ بمستطاع الشعر أن يقيم حضارة روحية، فلنسمع إذاً لشاعرنا الَّذي لقصائده رائحة البارود، ولبارود بندقيته رائحة القرنفل.
- والسلام عليكم أيها الأحبة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :514  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 147 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج