شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام داود العبادي))
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافئ مثيله وأفضاله وأصلي وأسلم على رسوله الكريم وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين ومن اقتدى به والتزم بشرعه إلى يوم الدين، أصحاب المعالي والسعادة معالي راعي ومؤسس الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه..
أيها الأخوة والأخوات، لا أدري ماذا أقول ومن أين أبدأ وإلى ماذا أنتهي وقد طوقتموني بكل معاني الإجلال والتكريم، فأرجو أن أكون عند حسن ظنكم وأن يوفقني الله سبحانه وتعالى إلى أن أحقق ما تطمحون أن أحققه وأسعى له بكل ما أستطيع، فاسمحوا لي أن أتقدم لهذه الاثنينية بوافر الشكر وعظيم التقدير أن أخذت هذا القرار في أن أكون حبة صغيرة متواضعة في عقد متميز من اللآلئ والأحجار الكريمة التي كرمتهم عبر مسيرة طويلة مسيرة ممتلئة بالعلم والمعرفة وبالنصح والتوضيح وبالتربية والتوجيه كان فيها بفضل الله وعونه الخير العميم والأثر البالغ العميم.
اسمحوا لي في عجالة أن أتحدث بشيء من التحليل عن قدر من مسيرتي العلمية والعملية، ثم أدلف بعد ذلك للحديث عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي، واقعه وما يسعى لتحقيقه من آمال وطموحات، اسمحوا لي أن أقول في بداية حديثي عن هذه المسيرة أنني أتوجه بالحمد لله جل وعلا والثناء العظيم عليه على ما أنعم عليَّ به وتفضل فقد أسبغ علي من كريم نعمه وواسع فضله وأعطاني كل ما طلبته على المستوى الشخصي، وحقق لي بفضله كل ما حلمت به أيام الطفولة والشباب، فللَّه سبحانه الحمد والمنة، فقد أكرمني جل وعلا في أن نشأت في بيت علم وجّهني ورعاني وبناني من الناحية العلمية في وقت مبكر بفضل الله جل وعلا على يد والد عالم من العلماء رحمه الله وأجزل مثوبته وفي بيت وأسرة حرصت على أن ترعى أطفالها وتحنو عليهم بشكل حقق كثيرا ًمن آمال هذه الأسرة وأفرادها وطموحاتها، فكان لمكتبته الأثر الفاعل في البناء المبكر لمعرفة شمولية ليس فقط لعلوم الشريعة وما يتعلق بها إنما عن علوم الواقع وتحدياته بطريقة أفادت ونفعت في مستقبل الأيام، ثم تعلمنا في نظام تعليمي أحب أن أشير إليه، لقد كنا بفضل الله خريجي آخر الدفعة للثانوية العامة بمعنى أنها لم تكن قد نالت بعض التشعيب الذي نعرفه من أكاديمي أدبي وأكاديمي علمي حتى إلى تمريضي وتكنولوجي وغير ذلك مما انعكس على مدى شمولية المعرفة على جيلنا بشكل واضح بيّن وانعكس ما يسمى بهذا التخصص بعد ذلك حتى على دراسات علوم الشريعة، فأنا بفضل الله خريج كلية الشريعة في جامعة دمشق، أيام كانت كليات الشريعة تحرص على البناء الشامل لطلبتها في علوم الشريعة كلها وأن التقسيم التخصصي يبدأ في مرحلة الماجستير وليس في مرحلة البكالوريوس، وهذا حقيقة يمكّن الطالب من معرفة شمولية في علوم التفسير والفقه والأصول والحديث والسيرة، بل وفي علوم القانون والاجتماع وغيرها مما يكون شخصيات علمية لديها ما يسمى بالاصطلاح المعاصر فرشة علمية فإذا توجه بعد ذلك إلى التخصص كان هذا التخصص في إطار هذا الشمول الذي يجب أن يكون باستمرار في بنائنا العلمي وإلا تقطعت السبل في عقلية أجيالنا بين مختلف علوم الشريعة المترابطة المتكاملة بنسق نعلمه جميعاً لا يمكن أن يفصل فيه بين هذه العلوم، هذا الفصل الذي باتت تكرسه مناهج التدريس بطريقة انعكس على مستوى المعرفة والتخصص، حتى أنك تجد المختص في علوم التفسير والحديث لا يعرف من علوم الفقه إلا النزر اليسير والعكس، وهذا حقيقة أمر في غاية الضعف في مستوانا التعليمي ولا بد في الواقع أن يعالج بشكل أو بآخر.
وما يحرص عليه كثير من الجهات المهتمة بالمسار العلمي في أجيالنا، ثم لما جاءت مرحلة الماجستير والدكتوراه أكرمني المولى جل وعلا أن أنتبه إلى التطبيق الذي أشار إليه أستاذنا الجليل الشيخ عبد المقصود حفظه الله وأدامه أن الفقه ليس في الواقع إلا ثمرة تحكيم شريعة الله في واقع الناس، فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية التي تستمد من أدلتها التفصيلية فوصف العملية ملازم لتعريف الفقه، ومن هنا لا بد في الواقع أن يهتم الفقيه بواقع الناس ومشكلاتهم وما يعانونه وأن يكون كلامه انعكاساً لواقعه بمعنى أن يوجه الواقع على ضوء الشريعة وأحكامها وهنا تكون قضية كبرى وهي أننا نسترشد بأقوال علمائنا السابقين. ولكن علماءنا السابقين عالجوا واقعهم ومجتمعاتهم ومشكلات ذلك الواقع وتلك المجتمعات فلا بد في الواقع أن يكون كما أشار أستاذنا المتميز الدكتور محمد عبده يماني، أن نكون في فقه معاصر وفي نظرات تواجه الحياة المعاصرة وهذا أبرز ما أسس من أجله مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ولذلك كان حتى التوجيه في مجال رسالة الدكتوراه، وهنا لا بد في الواقع أن أذكر بالتقدير والإجلال لأحد مشرفي رسالتي في الدكتوراه الدكتور صوفي أبو طالب رحمه الله، فقد كان ابن عصره، ويعني هذه التحديات فقال لي نصيحة، هل تريد أن تكتب بحثاً يوضع على الرفوف وينسى أم تريد أن تكتب بحثاً يسأل عنه الناس، يعالج مشكلاتهم وقضاياهم بنظر شرعي، قائم على فهم صحيح وواع لآيات الله وكتابه العظيم الذي جاء بخير للناس وإصلاحهم في كل العصور والأماكن، وهذا دفعني بعد جهد ومعاناة أن أختار لرسالة الدكتوراه موضوع الملكية في الشريعة الإسلامية، طبيعتها ووظيفتها وقيودها دراسة مقارنة بالقوانين والنظم الوضعية.
وقد طلب إخواني في الاثنينية أن أسلط الأضواء على أحد كتبي، واسمحوا لي أن أسلط قدراً من الأضواء على هذا الجهد العلمي الذي أمضيت فيه خمس سنوات كاملة من التفرغ رجعت فيه إلى ألف وخمسمائة مصدر ومرجع، وقارنت فيه كما في العنوان "مواقف الشريعة الإسلامية مع كل النظم المعروفة من رأسمالية واشتراكيات متعددة وشيوعية ومقارنة واسعة مع كل القوانين المطبقة في العديد من الدول العربية"، وخرج هذا البحث في ثلاثة مجلدات، وقال أستاذي هذا الذي وجهني رحمه الله وأعلا منزلته عنده قال في مناقشته لهذه الرسالة عندما جلسنا في جلسة المناقشة: لقد شعرت وأنا أقرأ هذه الرسالة أن باب الاجتهاد لم يقفل بعد أو أنه قد أعيد فتحه، وأخذ يستعرض تلك المعالجات الفذة، وهي ليست معالجاتي وهي معالجات الإسلام، وإنما أكرمني الله جل وعلا بأن أعرضها بنظر متوازن قائم على فهم دقيق للنصوص الشرعية، والربط المحكم للواقع تحليلاً وتوجيهاً وإصلاحاً، ودفع رئيس لجنة المناقشة في ذلك الوقت الشيخ محمد علي السايح، وهو من كبار العلماء وكتبه ودراساته المتعددة معروفة وخاصة كتبه في تفسير آيات الأحكام، قال الرسالة المعروضة علينا اليوم لا أقول هي من أجود ما أنتجته الجامعة، بل هي أجود ما أنتجته الجامعة منذ أن التحقت بها مدرساً سنة 1933م على كثرة ما قرأت ووفرت ما ناقشت، وأخذ يستعرض هذا الجهد الذي أمضيت فيه خمس سنوات.
بهذه الروح وبهذا الفهم الذي يحرص على أن يقدم للإنسانية معالجات الإسلام المتميزة في موضوع الملكية، وموضوع الملكية موضوع مرتبط بتنظيم الواقع الإنساني بكل أبعاده وبالدراسات الفلسفية وبالدراسات الاجتماعية والفقهية والسياسية والقانونية، حتى أن كثيراً من الباحثين يقولون إن الموقف من الملكية تستطيع أن تعتبره المعيار الذي يميز بين النظم على اختلاف هذه النظم وتعددها، فأن تكتب نظرة الإسلام للملكية ثلاثة مجلدات في إطار الطبيعة والوظيفة والقيود هذا حقيقة كان عملاً مضنياً، ولكنه بفضل الله كان عملاً دفع لجنة منح جائزة البنك الإسلامي للتنمية في عام 2006م للقول عن هذا الكتاب بفضل الله ما زال أفضل كتاب من الكتب التي كتبت في الاقتصاد الإسلامي حتى الآن، وهذا كرم الله وفضله وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 11).
هذه حقيقة الكتاب في استعراضه لتاريخ الملكية ومن ثم استعراضه للمواقف الفلسفية المتعددة، ثم مقارنة ذلك بما قدمه هذا الدين العظيم الذي أراده الله سبحانه وتعالى لخير الإنسانية، وبيان أن النظرة الإسلامية التي قدمت في مجال الملكية هي النظرة المتميزة التي ما زالت البشرية بين إفراط وتفريط في شأنها، وما زالت تذهب إلى أقصى اليمين هنا، ثم تعود إلى أقصى اليسار، تتخبط لا تدري طريقها، وهنا اسمحوا لي أن أستعجل فأقول إن ما يقدمه الإسلام في نظامه الاقتصادي من معالجات يحتاج إلى طرح معاصر شمولي يقدمه للبشرية في هذه الأيام، لتخرج من كبوتها، وتعرف أن هذا الهدي هو هدي الله سبحانه وتعالى الذي يخرجها من الظلمات إلى النور، هذا الهدي المجمع كما سنرى بعد قليل يحاول الآن أن يتصدى له بفهم يريد أن يقدم نوعاً من المعالجة الشاملة لأبعاد هذه الأزمة المالية على هدي هذا النظام الاقتصادي الإسلامي بلغة العصر، اللغة التي يفهمها هؤلاء ويدركونها، من هنا نسَّق ودعا لعقد ندوة متخصصة يحضرها علماء متخصصون، ينبثق عنها فريق يريد أن يخرج بدراسة شمولية في هذا الإطار تعرض الأمر عرضاً علمياً صحيحاً.
أنا لا أقلل من الجهود التي بذلت في مجال الاقتصاد الإسلامي، جهود كبيرة وإنجازات عظيمة وخصوصاً فيما يتعلق بالعمل في البنوك الإسلامية، لكن ما زلنا بحاجة إلى رؤيا شمولية بلغة العصر، تقدم من كل المختصين، هنالك الدراسات المتعمِّقة وهنا وهناك كثير من الدراسات الأفقية، ولكن ما زالت الحاجة ماسة إلى رؤيا شمولية تعرض القضايا بأساليب نظرية متكاملة، وهناك اصطلاحات نظرية ليست قابلة للخطأ والصواب، وإنما نظرية نظام حقوقي مؤصّل قائم على استعراض كل تحديات المشكلة الاقتصادية، فتقدم المعالجات بعبارات سهلة واضحة وبلغة العصر وباللغة التي يفهمها القوم هذه الأيام وهذا ما يدعونا إليه الإسلام: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (من آية رقم 125: النحل) ولعل في كثير مما عرض خصوصاً في موضوع ازدواجية الملكية كحلول لهذه المشكلة طرح حتى على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون الدولة شريكاً في البنوك، بمعنى عودة واضحة عن أصول الفهم الرأسمالي في استبعاد الدولة من أن يكون لها دور في المجال الاقتصادي تحت توجه الخصخصة في كثير من دول هذا العالم في عودة إلى هذا الفهم في اعتقادهم، بأنه لا بد في الواقع للخروج من عودة الدولة لتراقب وتوجه وتملك وبالتالي تشرف وتحدد وتنظم وهذا أمر في غاية الأهمية، نظرنا، بفضل الله، الذي قدمته هذه الشريعة عالج هذا الأمر معالجة مبكرة وفق المبدأ الذي نقول عنه استمرار مبدأ ازدواجية الملكية.
إخواني وأخواتي شاء الله سبحانه وتعالى أن نكون نحن أبناء جيل إذا ذهبنا نحلل أبعاد هذه الفترة التي عشناها ونعيشها، فإننا نلاحظ أولاً التقدم العلمي وأنتم تعلمون الافتتان بالعلم حتى طرح بديلاً عن الإيمان، فإذن قضية الإيمان والعلم هي قضية كبيرة في الذهن، ويجب أن تقدم بشكل متميز تبين تعانق العلم والإيمان في النظر الإسلامي، قضية المشكلة وأبعادها والتطور الاقتصادي الذي حصل على المستوى المادي ومواكبة ذلك الخلل البيِّن في التوزيع أدى إلى معاناة قطاعات عريضة من الناس، نتيجة إفرازات النظم المتعددة، سواء كانت نظماً اشتراكية أو رأسمالية، وأيضاً كما أشارت كلمة أستاذنا الخيِّر المبارك الشيخ عبد المقصود، هنالك اعتداء واسع على حقوق الإنسان، وظلم وجبروت يمارس في كثير من أنحاء العالم، وكانت أوضح الصور التي نعيشها نحن ما جرى من عدوان في فلسطين، وما يجري الآن من ممارسات مستمرة من بداية هذا الاحتلال لفلسطين من دير ياسين إلى غزة، نماذج من المجازر الرهيبة والاعتداء على كل المعاني التي ركز عليها تاريخ الإنسانية في حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والمحافظة على الأبرياء والمدنيين، كل هذا ضرب به عرض الحائط.
وهنا لا بد أن أشير إلى أن مجمع الفقه حاول أن يدلي بدلوه في هذا المجال، وأصدر بيانين في هذا الأمر وهو يخطط لأمر في غاية الأهمية سوف أشير إليه بعد قليل فيما يتعلق بأبعاد هذه الأزمة ونبه في بياناته لقضية يغفل عنها طويلاً، فالقضية ليست قضية الممارسات في غزة ولا فتح المعابر، وإنما القضية هي قضية احتلال وجبروت وظلم مورس سنين طويلة، ويجب أن تكون قضيتنا وشغلنا الشاغل هي حقوق الشعب الفلسطيني، هو التحديات التي تواجهها الأمة باستمرار الاحتلال وحتى ما يقال في الشرعية الدولية الرفض العنيد المستكبر لدولة الاحتلال لهذه القرارات، بدءاً من قرارات الأمم المتحدة وانتهاء بقرارات مجلس الأمن حتى قراره الأخير في وقف القتال، وهذا دفعني في الحقيقة إلى التنبيه إلى قضية في غاية الخطورة تتعلق بحديث المجتمع الإنساني عن الإرهاب، هم يخلطون بين دور الجلاد والضحية وبين دور المقاوم والمحتل الغاصب، في طريقة حقيقة مقيتة وفي أسلوب يستغفل المجتمع الإنساني وبأسلوب فيه كل أنواع العناد والاستكبار وهل أدري هل يعدو موقفهم، موقف ذلك الذي يدخل إلى بيت ويضع سلاحه على صدر صاحب ذلك البيت، وإذا أراد صاحب ذلك البيت أن يدفع الظلم والقسوة بطرف أصبعه يقال انظر إلى هذا الإرهابي كيف يمارس عملية محاولة إبعادي عن صدره، منطق عجيب، وأنا أقول بكل صراحة السنوات الأخيرة ضرب عرض الحائط كل الإنجازات التي حققها المجتمع الإنساني في مجال ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني، وباسم القانون الدولي تمارس أبشع أنواع استكبار وخصوصاً ما يسمى إرهاب الدولة وبطريقة يسكت عنها الناس ويتعامون.
وإذا لاحظتم اليوم ما جرى من تصويتات في لجنة حقوق الإنسان، كيف تمتنع حتى دول الاتحاد الأوروبي عن التصويت على قرار يريد أن يحقق ما إذا وقعت اعتداءات على حقوق الإنسان بالرغم من أن الاعتداءات واضحة تنقلها وسائل الإعلام بكل اندفاع وبكل بيان، ومع ذلك لا يزالون يترددون في إدانة هذا المحتل الغاصب لا لشيء إلا لدوافع نبهنا إليها أن تكون بسبب مقولات دينية مرفوضة جملة وتفصيلاً، مقولات دينية وردت على ألسنة كثير من الحاخامات بعد حادثة المدرسة الدينية في غربي المدينة المقدسة، عندما أصدر أكثر من أربعة عشر حاخاماً من كبار رجال الدين في دولة العدوان، فتاوى واضحة تقول أنه يجب أن يعامل الفلسطينيون معاملة العماليق الذين كانوا في فلسطين عند دخول موسى عليه السلام أرض فلسطين، إذا قرأت أقوال العهد القديم وفق ما يسمونه التوراة، والتوراة المنزلة من عند الله بريئة من ذلك، فهو من تحريفهم وإضافاتهم، طلبت ليس قتل الأطفال والرضّع والنساء فقط، وإنما طلبت قتل حتى البهائم وتدمير العمران وممارسة كل عمليات الإبادة. حتى أن هذه العبارة وردت على لسان هؤلاء الحاخامات الكبار قولهم: (إعرف عدوك ثم أبده)، وقالوا بكل وضوح إن هذا الأمر ينطبق على هذا الشعب، وإن هذا الشعب يجب أن يمارس معه كل أنواع الإبادة في صورها المتنوعة، بما يشمل حتى قتل الأطفال الرضّع، هكذا ورد التعبير ولا أتجنى ولا أتقوَّل. هذا كلام نشر ومنسوب إلى أسماء أصحابه بشكل واضح بين، إذاً كيف نفسر هذا، غير أنه مقولات دينية، بالله عليكم لو أفتى كبار العلماء المسلمين فتوى بشأن أي أمر من أمور الحياة ألا يتبعه المسلمون في جميع أنحاء العالم، هؤلاء كبارهم يفتون تجدهم يفتون مواطنيهم بأن هذا هو الواجب وفق شرعهم ودينهم، إذا هؤلاء يمارسون ما يرشدهم إليه كبار أحبارهم وكبار رجال دينهم، ونحن نأبى أن نثير هذه القضية، ونعتقد أنها نوع من العنصرية والسامية وغير ذلك فلا نتحدث عنه، وهذه حقيقة يجب أن ننبه إليها أن القضية تأخذ هذه الأبعاد، هذه المجازر لا يمكن أن تكون من إنسان عادي، لا بد أن تكون من إنسان حاقد شحن بطريقة غريبة ليقتل هذا القتل العجيب وهذه الممارسات التي لا يرتضيها أي إنسان لديه قدر بسيط من الرحمة والإنسانية. هذه حقيقة انعكست بفضل الله على المسيرة، من حيث موضوع العلم والإيمان.
كان لي كتاب بعنوان "الإيمان بين الآيات القرآنية والحق" من حيث موضوع التقدم الاقتصادي والاهتمام بالمشروع الاقتصادي الإسلامي ومشروع التنمية وموضوع البنوك الإسلامية وغيرها، من حيث مظاهر الظلم والعدوان ومواجهاتها تتجلى في كثير من الممارسات العملية وفي الدراسات والكتب المتعددة وهذه ربطت العلمية بقضية الدعوة، قضية الإغاثة والعمل الخيري عمل مكمل وإنساني وضروري لإنقاذ الأبرياء والمحتاجين في ظروف صعبة يعيشونها، ولذلك فالهيئة العالمية الأردنية الهاشمية كانت تمارس كل أنواع الدعم للشعب الفلسطيني الشقيق، وبصدق وأمانة كانت تتلقى الدعم من كل دولنا العربية والإسلامية وأخص هنا بالإشادة والذكر، المملكة العربية السعودية فقد كانت قوافل الخير تأتي من هنا من رحاب المملكة العزيزة وتصل إلى الهيئة الأردنية الهاشمية لسنوات طويلة ونقوم بإرسالها إلى الشعب الفلسطيني الشقيق. وهذا الدور المتميز بالهيئة الهاشمية في فترة جاوز عملي فيها ليس فقط من 1990م وقت التأسيس لأنها كانت كفكرة موجودة قبل ذلك في لجان ومجموعات من العاملين، كان يعني هنالك مساراً خيراً، وأذكر أنه في الأربع السنوات الأخيرة قدمت هذه الهيئة ما يزيد على 240 قافلة من قوافل الخير التي حملت المساعدات لأبناء الشعب الفلسطيني الشقيق بالضفة الغربية وغزة ولم يقتصر دورها على ذلك بل وصل إلى كثير من دول العالم العربي والإسلامي التي عانت من الكوارث، على سبيل المثال ما جرى في البوسنة والهرسك، في الشيشان، في السودان وفي كثير من بلداننا التي حدثت فيها الحوادث والكوارث والزلازل كالعراق وأفغانستان، لأن هذا عمل يشعر المرء أنه أقل ما يقدمه لأمتنا في هذه الظروف الصعبة هو هذا الشيء.
وهذا يقودنا إلى قضية التشريع وقضية الأنظمة والتي ألقيت على عاتق المجمع الفقهي، فقد كانت هذه المسيرة باستمرار تحرص على أن تنقل العملية إلى تشريعات، فبفضل الله قدمنا ما يعتبر الآن أفضل قانون للأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلامية في العالم الإسلامي، القانون الأردني الذي صدر سنة 2001م، ويستفيد منه الآن كثير من الدول، أيضاً قانون للزكاة، وقانون ما سُمي بسندات المقابضة، وهي أدوات التمويل الإسلامي، والتي انعكست الآن كما تلاحظون في برامج واسعة في ما يسمى بالصكوك الإسلامية والتي تتم عملية إصدارها الآن بمئات المليارات على مستوى العالم الإسلامي.
كان التأصيل الفقهي الشرعي قد تم بصدور هذا القانون والذي نقلناه بفضل الله إلى مجمع الفقه الإسلامي فأصدر في دورته الرابعة سنة 1988م قراراً بخصوص سندات المقابضة أثر فيه بفكرة الصكوك الإسلامية الذي يعتبر ذلك التأصيل هو الأساس فيما تم من نهضة واسعة في مجال الصكوك الإسلامية، أيضاً هنالك ممارسات متميزة في مجال القانون المدني، والقانون المدني كما تعلمون يتصدى لكل معاملات الناس المدنية، والقانون المدني الأردني مأخوذ من الفقه الإسلامي ويستفيد منه كثير من الدول وقد أخذ فيه في دولة الإمارات وفي السودان واعتبره أساس القانون المدني.
هنالك أيضاً تشريعات متعددة في مجالات متميزة أذكر اسم مؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام وقد يستغرب البعض، ما هي مؤسسة أموال الأيتام؟ هذا اجتهاد معاصر يقوم على إقامة ولي عام على مال اليتيم؛ لأن الشريعة كما تعلمون نصت على ولي خاص يقوم باستثمار مال اليتيم وفق ما يراه مناسباً لمصلحة اليتيم، وله أن يأكل منه بالمعروف كبدل نفقة على عمله هذا، هذا أدى في الواقع على ضوء ما جرى من فساد للذمم ومن ضعف للأشخاص ومدى مؤهلاتهم إلى التفكير في صيغة فيها معنى المؤسسية العامة، فأنشئت مؤسسة عامة تقوم باستثمار أموال الأيتام وفق أحكام الشريعة الإسلامية فأدى هذا إلى تجميع أموال الأيتام، لأن أموال الأيتام قد تبلغ بضع مئات الدنانير في بعض الأحيان للشخص الواحد، فهذا لا يمكن أن يتم فيه استثمار مقبول ولكن تجميعها في موقع واحد ولآلاف الأشخاص يجعل منها رأسمالاً كبيراً؛ كي يمكّن من عمليات استثمار واسعة، وبالتالي يعود هذا الاستثمار بفائضه إلى هؤلاء الأيتام، فإذا بلغوا الرشد أخذوا أموالهم والأرباح التي تحققت لهم عبر هذه المسيرة، هذا لا يمنع من أن يسمح باستثمارات مباشرة من قبل أولياء الأيتام ولكن شريطة موافقة القاضي، لكن هذا يمكن من تقديم مؤسسة مالية إسلامية على المستوى العام تحل إشكاليات ضعف الاستثمار على المستوى الفردي وتقدم عمليات استثمار مالي كبير يحقق خدمة لعملية التنمية على مستوى المجتمع ولكنه ينفع الأيتام بالدرجة الأولى. فهذا أيضاً صدر له قانون في الأردن هو "قانون مؤسسة دار تنمية أموال الأيتام"، واستفاد منه كثير من دولنا الآن، في الكويت أخذوا به وفي الإمارات وفي البحرين وفي عدد من الدول، وأنشئت في الكويت مؤسسات سميت بمؤسسات رعاية شؤون القُصَّر وتملك الآن استثمارات بالمليارات نتيجة زيادة عمليات تحويل الأموال لهذه المؤسسات، فعندما يكون الورثة قصّر لا يتمكّنون من استثمار أموالهم.
وهنالك أيضاً في مجال البنوك الإسلامية، فقد أدخل في قانون البنوك الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية، فصل كامل عن البنوك الإسلامية بقواعد تشريعية منضبطة كنا بفضل الله قد قمنا بذلك وأسجل بكل الشكر والتقدير للقيادة الأردنية وللحكومة الأردنية لتبنيها مثل هذه الصيغ لأن كل هذا الكلام يكون عبارة عن كلام نظري إذا لم يُتبنّى ويجد الرعاية للتطبيق العملي، قطاع مهم من قطاعات العمل الإسلامي وهو يحتاج إلى رعاية تطبيقات الزكاة ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على المستوى العالمي، ولذلك أقترح صيغة مؤسسة عالمية للزكاة والتكافل لا تحل محل المؤسسات المحلية، وإنما تقوم بنوع من التنسيق بين هذه المؤسسات عندما تتعرض الأمة لمشاكل كبيرة، وأنتم تعلمون إخواني وأخواتي أن 80% من لاجئي العالم مسلمين ولذلك هنالك حاجة ماسة إلى تكاتف إسلامي واسع لإنقاذ المحتاجين على مستوى العالم، وهذا سيكون بفضل الله وعونه بتفعيل دور الزكاة؛ لأن الزكاة كما تعلمون "أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم"، وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ (المعارج: 24-25).
وهنالك تجربة متميزة للشيخ صالح كامل حفظه الله من خلال غرفة الصناعة الإسلامية، ونرجو من الله أن يُوفق لتحقيق هذا النظر الشمولي العام للزكاة في المجالين العالمي الإسلامي في أن تؤدي دورها على المستوى المحلي. نحن نتكلم عن عملية تنسيق وتكامل وليس عن عملية طرح بديل للمؤسسات المحلية.
لا أريد أن أطيل عليكم إنما أريد أن نقف قليلاً في نهاية هذه الكلمة أو هذه المداخلة عن مجمع الفقه الإسلامي. إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي هو مؤسسة للاجتهاد الجماعي على مستوى الأمة، وهو يمر الآن بمرحلة انطلاقة جديدة ليس لتولي هذا المنصب وإنما لأن هنالك مبادرة كريمة يجب أن تسجل بكل تقدير وإشادة لخادم الحرمين الشريفين أطلقها في كلمته عندما كان ولياً للعهد، في كلمته التي ألقيت أمام مؤتمر الأمة في بورنجايا بماليزيا، وطلب إعادة هيكلة وتفعيل مجمع الفقه الدولي ليكون مرجعية فقهية للأمة، وقد جرى التأكيد على ذلك وبشكل تفصيلي وواضح في مؤتمر مكة للقمة الاستثنائية الثالثة، والذي قدم طلباً واضحاً في وضع نظام واضح للمجمع؛ ليقوم هذا النظام بتفعيل وإعادة هيكلة المجمع، مع تسجيل كل الشكر والتقدير للخطوات السابقة والإنجازات التي حققها هذا المجمع. لكن التحديات التي برزت في الساحة الآن وخصوصاً ما أشار إليه عالمنا وأستاذنا الجليل معالي الدكتور محمد عبده يماني حفظه الله، هو: 1- اضطراب الفتوى وتعدد المفتين ووجود تحديات كبيرة في هذه القضية على مستوى الجهل بالإسلام في قطاعات عريضة من الأمة فضلاً عن العالم والمجتمعات البشرية كلها، 2- موضوع الحملة الشرسة التي تشن على هذا الدين لتشويه سمعته، 3- الممارسات الخاطئة التي ترتكب باسم هذا الدين والتي تجعل الآخرين يشككون بحقيقة هذا الدين ودوره في المجتمع الإنساني ما يتطلب جهداً منظماً أشارت إليه قرارات مؤتمر القمة، وخاصة الاستثنائي بمكة فيما يسمى بالبرنامج العشري لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والذي يعتبر حقيقة برنامجاً شاملاً للمجمع دور كبير فيه، لكن منظمات أو مؤسسات المنظمات الأخرى عليها دور كبير، وإن شاء الله يتحقق إنجاز هذا البرنامج لأنه يغطي كثيراً من الآفاق السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية في أبعاد هذه الأمة العظيمة ويواجه كثيراً من التحديات التي تواجهها في هذه المرحلة.
إخواني الكرام وأخواتي الكريمات هناك عبارة قلتها في العام 1964م، قلت (صحونا ولكن) في مقالة نشرت في تلك السنة، نعم هذه الأمة صحت والحمد لله وهي تتلمس طريقها، لكن تعلمون أن النائم عندما يصحو في كثير من الأحوال لا يرى الأمور رؤية سليمة وصحيحة، بل يحتاج إلى أن يعرك عيونه ويشد عليها حتى يرى الأمور بشكل جيد، وقد وقعنا في حبائل البهرجة الغربية فزينت لنا كثيراً من الأمور فسرنا وراءهم في كثير من دولنا فاكتشفنا الآن أننا كنا نسير وراء سراب، وأنه لا بد أن نعود إلى ذاتية هذه الأمة، وهذا تعكسه الآن قيادة الدول الإسلامية بقرارات وبتوصيات المؤتمر الجامع المانع المتميز الذي عقد في مكة وهو في المؤتمر الاستثنائي الثالث في هذا البرنامج، والذي يقرأ هذا البرنامج يشعر حقيقة أننا نواجه تحديات برؤية واضحة وشمولية. وأنا أدعو إخواني وأخواتي إلى قراءة هذا البرنامج لأن هناك كثير من الأمل، وإن شاء الله تتحقق هذه المشروعات المذكورة، ويكون في ذلك خير كبير لتعرف الأمة طريقها وبالتالي تعيد أمجادها وتستعيد حقوقها وتسترد مقدساتها ونصلي جماعة إن شاء الله في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً لمعالي ضيفنا الكريم والآن نفتح مجال الحوار مع معاليه وأول أسئلتنا ستقوم بطرحها الأستاذة نازك الإمام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :494  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 223
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج