(( كلمة العميد إبراهيم شطا ))
|
ثم أعطيت الكلمة لسعادة العميد إبراهيم شطا، فقال: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
- في الحفل المبارك هذا، الَّذي يقيمه سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، وكعادته تعريفاً وتكريماً لسعادة اللواء المتقاعد علي زين العابدين، أتحدث إليكم لإعطاء نبذة ولأقوم بتعريفكم بالضيف الكريم سعادة اللواء، كشخصية عسكرية فذة، لها مكانتها العسكرية العلمية والعملية والميدانية.. |
- ليس غريباً أو جديداً على المجتمع الأدبي هذا الأديب الشاعر رب السيف والقلم. |
- إنه ابن مكة المكرمة، ولد ونشأ وترعرع فيها، يسكن حارة الباب؛ ولقد زامل سمو الأمير عبد الله الفيصل في المدرسة التحضيرية بحارة الباب، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية بالمسعى "المدرسة الرحمانية" ومن أساتذته فيها المربي الأديب الشيخ.. أحمد السباعي، ومديرها الأستاذ حسن خياط - رحمهما الله -. |
- أتم دراسته الابتدائية بالرحمانية، والثانوية بمدرسة تحضير البعثات عام 1363، ثم التحق بالكلية الحربية بالقاهرة مبتعثاً عام 1944 - والَّذي لم يقله إلى كلية الآداب -، إلاَّ أنه بدافع من شخصيته التحق بالكلية الحربية توافقاً معها. |
|
- حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1947، ثم التحق بمدرسة سلاح الفرسان بالقاهرة في نفس العام، وحصل على شهادتي مدفعية دبابات، وشهادة معلم صيانة وهندسة سيارات بمستوى درجة أولى، وأنهى دراساته التخصصية عام 1951 بتقدير جيد. |
|
المناصب التي تدرج فيها.. في القوات المسلحة:
|
- آمر سرية، مساعد قائد فوج، قائد مدرسة الفرسان، أركان حرب فوج الاستطلاع، آمر المدرسة العسكرية بالطائف، مدير الكلية الحربية، مدير عام الصحة العسكرية، رئيس هيئة العمليات الحربية، وهنا طلب تعييني أركان حرب هيئة العمليات الحربية منذ توليه رئاستها عام 1376هـ، وأنا برتبة نقيب. |
- وأعود إليه: عُين عضواً بالقيادة العربية المشتركة بالقاهرة، ثم ملحقاً عسكرياً في فرنسا، مختتماً مناصبه كقائد لمنطقة مكة المكرمة.. شرفها الله؛ وكان ختامه مسك، ثم أحيل إلى التقاعد عام 1386 برتبة لواء. |
|
نشاطه الاجتماعي:
|
- عضو الهيئة التأسيسية لجامعة الملك عبد العزيز، وعضو اللجنة التحضيرية، عضو لجنة التخطيط العلمي للجامعة أيضاً. |
|
- بدأ حياته الأدبية في السادسة عشرة من عمره، فبدأ بالشعر ولا يزال عطاؤه..، أطال الله في عمره؛ كتب الموضوعات الاجتماعية والسياسية، ونشرت له الصحف المحلية، وله جولات طبية في ميادين الشعر والنثر، ظهرت على معظم الصحف المحلية عام 1360هـ. |
- ونشاطه البارز في مدرسة تحضير البعثات تحت رئاسة أستاذه.. الأستاذ الكبير عبد الله عبد الجبار، وفي مجالات الجيش قال الكثير، حتى لقب بشاعر الجيش. |
|
نشاطه الاقتصادي:
|
- أنشأ مصنعاً للرخام بعد عام من تقاعده، وكان من رواد الصناعة ودخل ميدان التجارة، ثم اقتصر على الكتابة في الصحف شعراً ونثراً؛ ويردد دائماً: إنني نحات أنحت القوافي، وأنحت الصخر. |
ويأتي دوري في تعريفه كقائد عسكري:
|
- ترأس هيئة العمليات الحربية، في وقت أراد فيه جلالة الملك سعود - وولي عهده - تغييراً جذرياً في القوات المسلحة، من حيث التنظيم، والتسليح، والعدد والعدة، والتخطيط والتطوير؛ أوكل كل ذلك لوزير الدفاع والطيران، حيث تشكلت رئاسة هيئة أركان حرب الجيش والهيئات الأخرى..، وأهمها هيئة العمليات الحربية، والتي من بعض واجباتها: التنظيم والتسليح، والخطط، والعمليات، والتدريب، والثقافة. |
- هذه نبذة قصيرة مختصرة. |
- لقد أدَّى واجبه كأكمل ما يكون في هيئة العمليات الحربية.. ولا داعي للتفصيل، ولكن علي زين العابدين - بفكره النيِّر - فكَّر جدياً في الضباط الأقدم، والرتب الكبيرة المنتشرة في صفوف القوات المسلحة، ولا بدّ من نظرة وعناية وتطوير يشملهم، فعمل على فتح دورات إنعاش تخصصية، وأنشأ معهد الضباط العظام، ووضع أنظمة حديثة للتدريب، والرِّماية السنوية للفرد والمجموع؛ عمل على وضع البرنامج لزيارات ميدانية ومكتبية لهؤلاء الضباط خارج الوطن، كزيارة وحدات الجيش الثامن في ألمانيا، وإلى كثير من وحدات الجيش الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية. |
- كما عمل على العناية بأبناء الجيش، وأبناء الضباط، والمنتسبين للجيش، بحيث يشملهم الاهتمام، والرعاية، والتثقيف؛ وبموافقة سامية افتتح لهم مدارس الأبناء في كل مناطق الجيش في أرجاء المملكة، إلى جانب مدارس محو الأمية في المناطق لبعض الجنود؛ وأيضاً بموافقة سامية وجهود ذاتية، عمل على فتح معهد اللغات للقوات المسلحة، وقام بتدبير ميزانيته من ميزانية العمليات والمساعدات التدريبية؛ وقد أدى ذلك إلى إلحاق الضباط بها وأداء اختبارات القبول للابتعاث إلى بعض الدول الصديقة والعربية. |
- كما جرى تغيير شامل لمدارس أسلحة الجيش التخصصية، كالمشاة، والمدفعية، والمدرعات، والصيانة، والهندسة، والمظلات، والإشارة، وجناح المدفعية المضادة للطائرات، وللنقل والتموين، والتربية البدنية، والخدمات الصحية. |
- فتشكلت قيادة مدارس أسلحة الجيش لتتولى التدريب وتنفيذ كراسة التدريب، وتخريج المعلمين العسكريين في أسلحتهم، وعين الضباط الأكفاء لهذه المدارس. |
- والحمد لله كثيراً على ما وصل إليه الجيش من هذه المكانة العالمية، عسكرياً.. وميدانياً؛ ومن نصر إلى نصر، بفضل الله ثم اهتمام القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورجالات الجيش المخلصين، ومنهم اللواء علي زين العابدين، وكثير من زملائه. |
- علي زين العابدين الشاعر، أُضيف فأقول: رهيف الحس، سامي الذوق، رقيق المشاعر، تراه في مفاتن الوصف، وزوابع العاصفة، وشفافية العاطفة. |
- وشعره أوسع من أن تصفه كلمة كهذه، وأترك ذلك لأصحاب الاختصاص. |
|
والشاعر يعرف نفسه بقلمه فيقول: |
- إنني نحات أنحت القوافي؛ ولكني أقول: إني صائغ يصوغ المجوهرات، له ثلاث دواوين: |
1- صليل - مدح عسكري. |
2- تغريد - غزل وأفراح. |
3- هديل - حنين وتباريح. |
- وما تحت الإعداد: نجوى: ديوان شعر - واليهودية والنصرانية في نظر القرآن: (دراسة) - ونسب إبراهيم الخليل: (دراسة) - والحروب الأربعة: (دراسة وتحليل). |
|
وهنا أقتطف من شعره رمز الإباء قصيدة رائعة مطلعها: |
رمزُ الإباء أنا فهل ميزتني |
بالحق في قولي الصريح البَيِّن؟ |
|
|
- هذا علي زين العابدين. |
أنا يا صديقي لو أردت حقيقتي |
حُرُّ الضمير لسانُه لم يَجْبُنِ |
سيفي من الحق الصُّراح صنعتُه |
وشككته في قلب كل مُلَعَّنِ |
وجعلت جنتي الكرامة والتقى |
وتَخِذتُ من خلق السماحة ديدني |
أخلصتُ للهِ القويِّ سريرتي |
من لاذَ بالله المهيمن يَأْمَن |
ورفعْت صوتي بالصراحة معلنا |
كالرعد يخلَعُ قلبَ من لم يؤمن |
وقمعتُ كل رذيلةٍ ونقيصة |
وزجرتُ كل مداهن مُتَلَوِنِ |
أنا هكذا بطبيعتي بجبلتي |
أَعلمت كنه حقيقتي - أفهمتني؟ |
بصراحتي وكرامتي وتعففي |
أخلصتُ أعمالي ولم أتلوَّنِ |
|
|
- يا ابن مكة المكرمة: |
هذه البلدة فيها أقربائي |
وأبي منها وخالي وانتمائي |
فُتحتْ عيني على كعبتها |
وارتوت من منهل النور دِمائي |
وسقاني الله من زمزمها |
شَرْبةً أذكت فؤادي وذكائي |
|
- ويعرِّف نفسه - أيضاً - فيقول: |
هل يعلمُ الأعداءُ أنَّ لساني |
سيفي وأنَّ مبادئِي أعْواني |
دِرْعي من الإيمان صُغْتُ زرُودَه |
وسواعدي اشتدت بصبر جَناني |
وإذا المكائد أطلقت شيطانها |
كان الهدى حصني من الشيطان |
والله رب العرش جَل جلالُه |
حصني المنيعُ ومأمني وأماني |
|
|
وعندما كان في الغربة صدرت منه هذه الصيحة المدوية حنيناً لبلده، وأهله وصحبه: |
أنا في بلادي صَيْدَحٌ غَنَّاءُ |
غَرِدٌ تميس للحنه الجوزاء |
وإذا اغتربت عن البلاد فإنني |
طيرْ ينوح ووالهٌ بَكَّاءُ |
|
|
ويقول وهو في فرنسا: |
أنا في فرنسا حائر |
بين الفضيلة والمجون |
دين يصدُّ عن الفجور |
ونزعة تهوى الفُنون |
في صالة اللبد وانزلقتُ |
يحوطني حور وعين |
والمغريات تراقصت |
حولي فأيقظت الشجون |
|
|
وفي قصيدة صوت المجاهد من ديوان صليل، نقتطف هذه الأبيات: |
عزمي الأبيُّ وهمتي القعساء تنزعُ للنضال |
وفؤادي الجبار يدفعني لِقِنّات المعالي |
وَإِبائي الموروثُ يكبر |
أن يهون لدى النزال |
وعروبتي السمحاء تَعْبُق |
بالمفاخِر والجلال |
فأنا سليل الأكرمين |
الماجدين من الرجال |
|
|
هذا علي زين العابدين في هذه الصورة الشعرية، ولو كُبرت هذه الصورة لتطابق الوصف على الموصوف، ويقول: |
حتى دمي سيظل يغلي |
بالحفيظة والنكال |
حتى تمور الأرض |
للأحرار من صيد الرجال |
ويعيش أهلي فوقها |
كرماء في كنف المعالي |
|
|
وفي قصيدة أخرى يقول: |
العيونُ الزرقُ لا تُعْجبُني |
إنني أهوى العيونَ العسليَّهْ |
|
|
- وأنا هنا لا أفسر ذلك إلاَّ بقومية الحب، فلنسمعه يقول: |
يا فتاة الغَرْبِ لا تندفعي |
إنني أهوى فتاتي العربيَّه |
غادتي السمراءُ ما أجْمَلها |
أنتِ لو تدرين سحر البدويَّه |
رقة في حشمةٍ في طاعةٍ |
تلك والله صفاتٌ قُدسيَّه |
كم رعاني قلبها في محنة |
كم أراحتني لُغاها العاطفية |
يا فتاة الغرب كُفِّي غزلاً |
ليس تغريني الشعور الذهبيَّه |
القرون السودُ كالليل دُجاً |
توَّجَتْ رأسَ فتاتي العربيهْ |
فاستوت كالدرِّ موفور السَّنَى |
شعَّ في قلبي غراماً (يا غبيَّه) |
|
|
- وفي وجدانيات، غرد لأهل بيته، وذريته، وأصهاره، وأحفاده..، وهؤلاء هم أولى بالشفعة يقول: |
تغريد يا بنتي مُنِحْتُكِ درة |
وضَّاءةً فطربت من لمعانها |
تغريدُ أعبق باقة نسَّقْتُها |
غَلَبَتْ روائِحُها على ألوانها |
تغريد ما هذي الحياة سوى رؤىً |
خلابةٍ فحذارِ من مُجانها |
|
|
وله رؤية خاصة للجمال، فيقول: |
إن مثلي يرى الجمال فيشدو |
ويغنِّي كالطائر الصَّداحِ |
عَلَّني أنقش الجمالَ بقلبي |
صورة حيةً من الأرواح |
لوحة يسجد الجمال لديها |
في خشوع وهيبةٍ وارتياح |
|
|
- وعلي زين العابدين، عندما قيل له: إن الشيب قد علاك، كانت هذه القصيدة: |
شَبَّ وقَدُ الشباب في فوْديا |
فتلمست جمرة في يديا |
كلما مرت السنون أراني |
شعلةً لا تزيد إلاّ مُضيا |
هكذا تظهر الحياةُ لعيني |
أملاً مشرقاً وعرساً بهيا |
|
|
- ويختم هذه القصيدة بهذا البيت. |
إن قلباً يرى الحياة جمالاً |
سيعيش المدى شباباً فتيا |
|
|
- ولي قصة قصيرة معه: عندما كنت مديراً للمكتبة في هيئة العمليات الحربية بوزارة الدفاع والطيران، كانت هناك مسألة مالية، ولم تنفع معها التعقيبات الرسمية، فأمرني بالتعقيب عليها شخصياً، فطلبني ليأمرني بالتعقيب عليها بهذا البيت من شعره: |
أتذكر أنَّ لي طلباً قديماً |
وأنك ما فتئت لـه تؤجل |
|
|
- فأجبته شعرياً: |
أؤجله لأن العذر عندي |
وعذري جل مصدره الممثل |
تعاني ما أعاني من روتين |
ثقيل مؤلم سمج معطل |
فهل أقوى على تغيير وضع |
إذا كان الكبار لـه تطبل؟ |
بذلت الجهدَ حتى عيل صبري |
وعندي جُهْدُك المعهود أحمل |
|
|
- فرد عليّ شعراً يقول: |
أجل يا صاحبي فالعزم يهوي |
على الروتين يجعله حُطاماً |
فجرد عزمَك المعهودَ واصدع |
لكل أوامري تَرْقَ السناما |
وإنى إذ وضعتك ركن حربي |
بهذا قد رجوت لك السلاما |
ستلقاني بحقٍ خير ترس |
يصد الشر لا يخشى الحِماما |
|
|
- وأخيراً: أدعوكم لسماع قصيدتي هذه، التي أحيي فيها الشهم الكريم الفاضل، الأستاذ عبد المقصود خوجه، وأحيي الضيف اللواء علي زين العابدين، وأرجو أن تنال إصغاءكم. |
عاش المكرِّمُ والمكرَّمْ |
هذا الكريم وذاك ملهم |
والحاضرون السامعون |
القاصدون فتىً مكرِّم |
هذا الوجيه اللوذعي |
أبو المكارم حين تغنم |
ومكرِّمو الفكر النزيه |
هُمُ رجالات تُعظَّم |
للمبدعين السائرين |
إلى المعالي والتقدم |
للفكر تقديرٌ وإجلال |
وتعظيم يُدعم |
الوارثين المجد جيلاً |
بعد جيل في تحكم |
قد سجل التاريخ سيرتهم |
بحبر ليس يُعدم |
للشاعر الموسوعة الفذ |
الطموح المتسنم |
إنَّ المكرم ذو عطاء |
ينهال يهطل بالتكرم |
ليكون شِعراً خالداً |
آياته تتلى وتعلم |
ويزيده من فضله |
هذي الموائد حين تنظم |
بالشكر يسْبقه الثنا |
بالشكر يلهج كل فم |
عفواً ومعذرة فلفظي |
ربما جاء مُلعثم |
|
|
- وأخيراً أترك للشاعر، وأرجوه أن يسمعنا ما يشاء من شعره. |
|
|