ثار القريض وما نخفيه قد بانا |
نمضي على العهد أحباباً وأقرانا |
لم ننس عهـداً مضـى مـا الغـدر شيمتنا |
وإن تبدلتم بالأهل جيرانا |
نخفي الهوى والهوى لم يخف صاحبه |
جسمُ المحب سقيمٌ حيثما كانا |
فليت مَنْ حَرّكَ الأشجان أطفأها |
وليته لعظيم العهد قد صانا |
لكنه غرَّه دلٌّ وطلعته |
ونظرةٌ تجعل المسرور حسرانا |
فاعمـل كمـا شئت مـا نفسـي بتابعـةٍ |
لغادةٍ تجعل المرتاح ولهانا |
فقد حلبـتُ الهـوى شطريـه فاتضحـت |
أسراره لي ووجه الأمر قد بانا |
فما ظفرت بمخلوقٍ أبادلـه |
ودّاً وما لاقيت معوانا |
* * * |
مالي أراك على الأطلال في قلقٍ |
وترسل الدمع فوق الخدِّ شنآنا؟ |
تبكي دياراً تعفِّيها يمانية |
أضحت رسوماً وأطلالاً ونسيانا |
كأنه لم يكنْ فيها الأنيس ولم |
تسحب بهـا الكاعـب الحسنـاء فستـانا |
ولم تكن منجع الآرام تقصدها |
ولم تكن مسرح الأنعام أزمانا |
* * * |
مضى الزمان الَّذي نبكيه مختفياً |
يا غارة الله كم قد هاج أشجانا |
قد هزّك النأيُ والذكرى لها ألمٌ |
وذكَّرتك الصبا سلمى وريانا |
فتلك ورق وذا ظلٌ وذا رشأ |
والماء كالعطر منسابٌ لمرعانا |
آرام مرعى وفي الأكباد قد رتعت |
فيا رعى الله مرعيّاً ورعيانا |
* * * |
إني تذكرت أياماً لنا سلفت |
وإذْ بها تصبح بها الأفراح أحزانا |
لـو يعلـم الصبُّ مـا تشكـو جوانحنـا |
لذاب وجـداً وأضحـى الدهـرَ حيرانـا |
* * * |
لا تأمن الدهر مهما ساعةٌ سَعُدَتْ |
قد تجرع الهمَّ أصنافاً وألوانا |
ما كنت أحسب والأفراح تغمرني |
أنَّ الليالي تخفي لي الَّذي كانا |
كم غُمَّ صحبي بآهاتٍ تمزقني |
وحسب ذا الهم حبّ الموت أحياناً |
إذا سرى طيف مَنْ أهوى يؤرقني |
ويلَ الكرى إنْ سـرى العهـد الَّذي كانا |
وما عسى العهد والذكـرى إذا شطحـت |
ديار مَن كان للأرواح ريحانا |
والبعد والصدُّ سلوانٌ لذي وَلَهٍ |
لكن تهيج الهوى الآثار أحيانا |
قد ينكر المـرء مَـن قـد كـان يعرفـه |
كم موثقٍ بعهود اللَّهِ قد خانا |
* * * |
أنا الغريب وطول الليل أرقني |
وأيقظ الصبح بعد الليل أحزانا |
أنا الغريب ومالي في الدنا طمع |
وأسأل الله لي فوزاً ورضوانا |
فارفق فديتك ما سالٍ كمكتئب |
وما عسى كلفٌ قد بات هيمانا |
* * * |
دع ذا وحي جميع الحاضرين وزد |
في شكرهم همسات الحب الحانا |
لأنتم الأهل ما جارٍ بمكتئب |
وكنتم قبلُ للملهوف إخوانا |
فللغريبِ مقامٌ في دياركم |
يعلو به فوق هام الدهر جذلانا |
يا شعر ويحك ذبْ في دارهم طرباً |
فدارهم أصبحت للفضل ميدانا |
من فيفاء فاسكب فوق تربتهم |
وامزجه ورداً وكافوراً وريحانا |
واحمله فوق نسيم الصبح في سحرٍ |
يعج مسكاً ونسريناً وريانا |
* * * |
إني أنخت بحور الشعر عندكم |
لأطرب القوم أنغاماً وألحانا |
عن جنّةٍ لو بدى للناس مطلعها |
لأصبح الخلو هيمانا وولهانا |
وأصبحت لشباب الفهد منتزهاً |
وأصبحت كلها شيخاً ورمانا |
وأصبحت جنة يرتاد قمتها |
أشبال فهدٍ فدع روما ويونانا |
وأثلجت صدر فهدٍ من حلاوتها |
وأصبحت كلها ماءاً وبستانا |
* * * |
يا حبذا جبلٌ والمزن يحضنه |
كغائب عاد مسروراً وجذلانا |
أو عاشقين أداب الدهر صفوهما |
ثمَّ استعاد من الأيام ما كانا |
وكم حوى من كنوزٍ في بطائنه |
ماءاً عقيقاً وبلوراً وعقيانا |
ما غوطة الشام يا فيفاء منتجعاً |
إذا رأت منكِ أفناناً وتيجانا؟ |
نوح الحمـام علـى غصـن الأراك علـى |
ريح الخزام ودمع العين أروانا |
عجبت من جبلٍ يهتز من عَتَب |
والمزن ترسل دمع العين حرانا |
يا نود فيفاء رفقاً ما لنا جلد |
كم هجت قلبـاً وكـم حركـت أغْصَانا |
ما حنّ قلبي لشيء ما حننت إلى البرق اليماني كم قد هزّ أشجانا |
ما النيل نيلاً وما مسك معللةٌ |
بزنجبيل ولا آبار لبنانا |
كمزنِ فيفا كأن اللَّهَ ضَمَّنها |
شهداً رحيقاً وأطيافاً وألبانا |
لو أن أبناءها هبّوا لخدمتها |
أضحت مروجاً لعين الأرض إنسانا |
* * * |
كم شادن أكحلٍ في أيك قمتها |
شدا فحرّك للمشتاق وجدانا |
يهتزّ في نفحات الورد من طرب |
تراه من فرح يفترُّ نشوانا |
معاند قصده يذكي صبابتنا |
يا ليت يعلم كم قد هزَّ أبدانا |
* * * |
كم رام فيفاءَ مصطافٌ فتيّمه |
فصار من فرح الأرواح فرحانا |
وقائلٌ إنّ فيفا منتهى أملي |
لا هان جوٌ يريح النفس لا هانا |
أغصانه فوق هام السحب باسقة |
تدغدغ المزن كي تنهلَّ طوفانا |
وفي برود السنا يزهو برونقه |
مصافحاً للسهى بالأيك أحيانا |
كم رقّ فـي سفحها يـا صاح مـن سمـر |
في جوها العذب يبقى المرء يقظانا |
* * * |
في نزهة البصر الملتاع في خلدٍ |
في منطق الطير في واحات غزلانا |
فيفاء حيث عيون المزن ساكبة |
وحيث فاضت عيون الأرض حرانا |
وأوقد البرق مبهوتاً ليبصر ما |
هذا الحنين فثار الرعد غضبانا |
وحيث فاحت لثغر الإقحوان صَباً |
فعانق السوسن الفتّان وسنانا |
وفاح من وجنةِ الكاذيِّ سلسله |
كالمنـدل العذب كـم قـد هـزّ أبدانـا |
ورغم ما نال من أبناء تربته |
وصدِّهم عنه نسياناً ونكرانا |
فقد كساه من الديباج خالقه |
ثوباً يفوق به روماً وأسبانا |
فما المليح الَّذي في الحُلي زينته |
إن المليح الَّذي للحلي قد زانا |
معنبر الروض قد راقت حلاوته |
مصندل الماء كم قد فاق بلدانا |
في نشوة الدلّ مختالٌ برونقه |
باهي المحيا يُريك البن والبانا |
يسامر النجم مختالاً بطلعته |
ويزحِمُ النيراتِ الشهبَ أحيانا |
دع ريم راما ودع وادي بنا فعلى |
سفوح فيفاء أرسى الفنّ أركانا |
* * * |
أمّا الحقول مروجٌ جلّ خالقها |
آرامها الحور تنسي الصبَّ أحزانا |
تلهو وتعبث في دَلٍّ وفي كسل |
لم ترض حتى يبيت الخلو عشقانا |
دع ظبي وجرَة لم يقتلنَ من أحدٍ |
وانظر ظبا فيفا كم أكثرن قتلانا |
يطرفن طـرف الظباء الحـور فـي دعـج |
صرعن ذا اللب حتى بات ولهانا |
نوح الحمامة في دمع الغمامة في |
ظل السحابة حيث الفن أقنانا |
يا نائح الطلع مـن شـوقٍ ومـن طـربٍ |
ما هزّ قلبك ما قد كان أبكانا |
تبكي السماء ووجه الأرض في مرحٍ |
ويرقص الطير نشوانا وجذلانا |
بي في الجوانح آلام محرّقةٌ |
قد استحالتْ مع الأيام نيرانا |
هذي لواعج قلب ذاب من كمد |
يشدو من الشعر أنغاماً وألحانا |
فأعجبْ لِمُضْنَـى وقـد شابـت ذوائبـه |
ولم يزل في الشباب الغضّ ريانا |
قد شدني طيف شعرٍ في ربوعكم |
يثير للشاعر الموهوب ألوانا |
طيفٌ سرى ما أرى إلاّ يؤرقني |
فقمت أرصفه رصفاً وبنيانا |
لولا تذكر يوم العرض أقلقني |
لشدت بالشعر أبواباً وأركانا |
وضعته نغماتٍ من نسيم ضحىً |
يضحى الخليُّ بعيد الخلو هيمانا |
ورضته من ريـاض الخلـد مـن بلـدي |
فيفاء حيث يرى المغبون سلوانا |
فصار للعيس حاديها يبارحها |
مردداً يا رعى الرحمن سلمانا |
* * * |
إني رأيت وفي الأيام مدرسة |
تريد ذا اللبّ توفيقاً وإيمانا |
إن المقادير كم شادت وكم رفعت |
وكم أطاحت بحصنٍ كان عمرانا |
وكم من الخلـق مَـنْ تُخْشـى ضراوتـه |
أمسى بُعيد الَّذي قد كان نسيانا |
والمال والجاه يُدني مَنْ نأى وطناً |
والفقر يُبعد إخواناً وجيرانا |
فكم وضيعٍ لأجل المال مرتفع |
وكم شريفٍ لشح المال قد هانا |
وكـم غريـبٍ يُقاسـي البعـد ذي ولـهٍ |
يشكو ولم يلق للأحزان أعوانا |
يقضـي لـه اللَّه بعـد العـسر ميسـرةً |
فيصبح القلب بعد الهمِّ فرحانا |
فيَسِّر اللهُ أمري ما طرقت سوى |
باب الكريم أجب يا رب دعوانا |
وفرِّح الهمَّ والأحزانَ يا سندي |
فما رفعنا سوى للهِ شكوانا |
وأحمد اللَّهَ في بدءٍ وخاتمةٍ |
مـا جاءت النوب مـن شهـدٍ بشهـدانا |
وصلّ ربِّ على المختار سيدنا |
وأفضل الخلق عدناناً وقحطانا |
* * * |